أكدت مصادر مطلعة ل "المصريون" أن الزيارة السرية التي قام بها جمال مبارك لواشنطن يوم الجمعة الماضي، جاءت بناء على استدعاء عاجل من البيت الأبيض أبلغته السفارة الأمريكيةبالقاهرة لرئاسة الجمهورية عصر الخميس الماضي، وأن الرئاسة فرضت قدرًا كبيرًا من السرية عليها، لدرجة أن الخارجية المصرية لم تعلم بالزيارة إلا بعد إقلاع الطائرة الخاصة التي أقلت نجل الرئيس. وحسب ما أعلن عنه فريدريك جونز المتحدث الرسمي باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي في البيت الأبيض، فإن جمال مبارك وصل لواشنطن صباح الجمعة الماضي واجتمع لفترة وجيزة مع الرئيس جورج دبليو بوش، ثم التقى بمستشار الأمن القومي الأمريكي ستيف هادلي، قبل أن يختتم زيارته بالاجتماع مع ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي. بينما أكد نبيل فهمي سفير مصر في واشنطن والذي رافق جمال مبارك في زيارته للبيت الأبيض، أن تلك الزيارة كانت رحلة عمل خاصة وأنه "أي جمال مبارك" أصر على مقابلة كبار المسئولين الأمريكيين خلالها. فيما قال بيتر بيكر مراسل صحيفة "واشنطن بوست" في البيت الأبيض إن جمال مبارك أبلغهم أن زيارته زيارة خاصة تهدف إلى تجديد رخصة الطيران الخاصة بطياره الخاص، وهو الأمر الذي قوبل بسخرية وعدم تصديق من قبل المراقبين والمراسلين. ووصفت "واشنطن بوست" جمال مبارك بأنه الوريث المحتمل لوالده الرئيس مبارك، مشيرة إلى أن الرئيس مبارك تخلف عن زيارة واشنطن هذا العام، رغم أنه اعتاد على زيارتها منذ انتخابه في 1981م في ربيع كل عام. وذكرت الصحيفة أن آخر زيارة لمبارك الابن لواشنطن كانت عام 2003م، قبيل الغزو الأمريكي للعراق، حيث طلبت منه الإدارة الأمريكية أن يبلغ والده بنيتها شن الحرب، وطلبت منه أن يبلغ والده بعدم المعارضة، حسبما ذكرت الصحيفة. وبحسب المراقبين، فإن إشارة الصحيفة إلى تزامن زيارة جمال مبارك مع الحرب على العراق، لا تخلو من أن تكون الزيارة الأخيرة لها علاقة بعمل عسكرية أمريكي محتمل ضد إيران، أو أمر يتعلق بالعراق. الصحيفة، ذكرت أيضًا أن نبيل فهمي أبلغ مراسلها بأن محادثات جمال مبارك مع المسئولين الأمريكيين خلت تمامًا من أي توترات، وأنه أبلغ الأمريكيين بالتزام مصر التام بالديمقراطية، وبأن التحول الديمقراطي سيستغرق بعض الوقت، وأنه قد يمر بنكسات. إلا أن مصادر أمريكية قالت للصحيفة إن المسئولين الأمريكيين أعربوا عن قلقهم البالغ عما جري الأسبوع الماضي، وإنهم وجدوها فرصة سانحة للضغط على جمال مبارك المتطلع بوراثة الحكم والذي يدير شئون مصر حاليًا للقبول الكامل بوجهة النظر الأمريكية بما يخص الإصلاح، وقضايا أخرى تهم الأمريكان في المنطقة. من جهتها، ربطت وكالة "اسوشيتدبرس" الأمريكية للأنباء، بين تلك الزيارة وبين المظاهرات التي شهدتها يوم الخميس الماضي والقمع الأمني الذي تعرض له المتظاهرون وحملة الاعتقالات الواسعة لنشطاء الإخوان وبقية الحركات الإصلاحية. في حين أكدت مصادر خاصة ل "المصريون" أن جمال مبارك قدم تعهدات كاملة بالتعاون مع الإدارة الأمريكية في العديد من الملفات الإقليمية الساخنة سواء المتعلقة بالعراق أو بالسودان أو بإيران حيث قبل بإرسال قوات للعراق، وإرسال سفير جديد لبغداد، كما قبل بإرسال قوات دولية وأمريكية إلى دارفور، على عكس تصريحات الرئيس مبارك السابقة بعدم القبول بقوات أمريكية أو دولية في دارفور. وفقًا للمصادر ذاتها، فقد طلبت الإدارة الأمريكية من جمال مبارك أن يبلغ الرئيس مبارك بضرورة رفع مصر أيديها عن حكومة حركة "حماس" وعدم دعمها سياسيًا أو اقتصاديًا للضغط عليها للقبول بالمطالب الأمريكية والإسرائيلية. وقالت المصادر إن مباحثات جمال مبارك في أمريكا استحوذ الجانب الأمني والعسكري على قسم مهم منها، مؤكدة أنها المرة الأولي التي يجتمع فيها مع ستيف هادلي مستشار الأمن القومي الأمريكي. وأشارت المصادر إلى أن تلك الزيارة جاءت بعد أيام قليلة من إبلاغ واشنطنالقاهرة بأنها ستوقف المساعدات العسكرية لمصر، لأنها على حد ما أوضحته دراسة حكومية لم تساهم في تحديث القوات العسكرية المصرية. وبحسب المصادر، فقد تناولت محادثات جمال مبارك مع مستشار الأمن القومي تساؤلات أمريكية عن الإمكانيات المتاحة لعملية نقل السلطة في مصر ، وما تردد من أنباء عن الاستعداد لحملات اعتقال واسعة للتمهيد لسيناريو التوريث . إلا أنه – ووفقًا للمصادر- أعرب مستشار الأمن القومي الأمريكي عن خشيته من أن يؤدي تصاعد إجراءات القمع إلى نتائج عكسية تؤثر على استقرار النظام أو ربما تغييره . وفي لقائه مع ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي، استمع جمال مبارك لوجهة النظر الأمريكية فيما يتعلق بالعراق والسودان وإيران وحماس، وإلى مطلب تشيني بأن ترتب التعديلات الدستورية المرتقبة حقوق الأقباط وتخلو من النصوص التي تركز السلطة في يد رئيس الجمهورية وحده. في هذا السياق أبدت مصادر سياسية مصرية رسمية انزعاجها من الزيارة ، وما جرى فيها وتناول السيد جمال مبارك للحوار مع الإدارة الأمريكية في قضايا تتعلق بالأمن القومي لمصر وهو غير ذي صفة وهو ما يمثل سابقة خطيرة للغاية تمثل تجاوزا لدور مؤسسات صنع القرار وخبراء الأمن القومي . من جانبه، قال الدكتور سعد الدين إبراهيم مدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، إن مبارك الابن قام بالحج إلى واشنطن للحصول على تأييدها لسيناريو التوريث أو تقديم ضمانات لواشنطن بأن النظام المصري سيظل محافظًا على المصالح الأمريكية في المنطقة ولن تخرج عن الخط السياسي الذي يحكم النظام الحالي. ولم يستبعد إبراهيم أن يكون مبارك الابن يحاول من خلال هذه الزيارة التعويض عن عدم قيام والده بزيارة واشنطن في السنوات الثلاث الماضية، والتأكيد لهم بأن الضغوط الأمريكية على النظام فيما يخص الإصلاح لن تكون لها نتائج إلا بوصول قوى معادية لواشنطن إلى سدة السلطة، مشيرًا إلى أن هذه الزيارة تسعى كذلك لإنقاذ النظام العائلي الذي يحكم مصر منذ ربع قرن وهي زيارة قد تكون الأخيرة إلى واشنطن. فيما يرى الدكتور حسن بكر أستاذ العلوم السياسية بجامعة أسيوط أن الهدف الوحيد لهذه الزيارة هو تسويق جمال مبارك لدى الأمريكان وإقناعهم بأن استمراره خلفا لوالده هو ضمان للاستقرار في مصر، مشيرًا إلى أنه سيحاول إقناع الأمريكان بأن الاعتماد على انتخابات ديموقراطية في مصر سيضر بشدة بمصالح الأمريكان وتوصل جهات مضادة للمصالح الأمريكية إلى الحكم وهو ما يهدد مستقبل المصالح الأمريكية في المنطقة. واعتبر بكر، هذه الزيارة محاولة من مبارك الابن لضخ دماء جديدة في شرايين النظام الذي يعاني صعوبات جمة والإيحاء للرأي العام بأن النظام مازال قويًا ومازال يتمتع بدعم واشنطن، رغم ما يتردد عن انتقادات أمريكية لأساليب تعاطي النظام مع قوي المعارضة والقضاة. وشدد بكر على أن النظام يحاول الاستفادة من حالة "الفوبيا" التي تعاني منها إدارة بوش حاليًا بعد وصول حركة "حماس" إلى الحكم في فلسطين، وهو ما أربك حساباتها لإقناعها بأن التوريث هو الضامن الوحيد للاستقرار في مصر. ولم يستبعد بكر إمكانية موافقة واشنطن على توريث السلطة في مصر، خصوصًا أنها لم تهتم قضية الإصلاح السياسي في المنطقة ولم تعد تضعها في مقدمة أجندتها. من جهته، يرى الدكتور عبد الحليم قنديل رئيس تحرير جريدة "الكرامة" أن النظام أصبح يعتبر قضية التوريث قضية حياة أو موت من ثم فهو يقاتل من أجل تحرير هذا السيناريو عن تقديم حزمة من التنازلات التي تهدد أمن مصر القومي من أجل خلافة مبارك الابن لأبيه في السلطة. ونبه قنديل إلى أن زيارة مبارك الابن لواشنطن جاءت كفصل أخير في مسرحية التوريث، معتقدًا أن واشنطن ستؤيد هذا السيناريو ما دام النظام الجديد سيسير في فلك التبعية، مشيرًا إلى أن مبارك الابن أراد من هذه الزيارة أيضًا منع دخول العلاقة المصرية الأمريكية نفقًا مظلمًا لكي لا يكون لهذا التوتر دور سلبي على ملف التوريث. واستبعد قنديل أن يكون مبارك الابن قد تعرض لضغوط في واشنطن بشأن إجراء إصلاحات ديمقراطية، مؤكدًا أن الإدارة الأمريكية لم تعد تضع ملف الإصلاح ضمن أولوياتها، بل أنها عادت تراهن على أن الأنظمة الدكتاتورية في المنظمة هي الأفضل للحفاظ على مصالحها.