كما كانت التوقعات طوال الأسابيع الماضية، استجاب الرئيس الأمريكي أوباما لآراء الجنرالات الذين حثوه على إرسال المزيد من الجنود إلى أفغانستان، وهو الذي أعلن منذ الحملة الانتخابية أنه سيستمع جيدًا إلى آرائهم، وقد فعل ذلك في العراق، وهو يفعل الآن في أفغانستان، بل وفي باكستان أيضًا. كان الجنرال ستانلي مكريستال، قائد القوات الأمريكية في أفغانستان، قد طلب زيادة عدد القوات بأربعين ألفًا، ولعله فعل ذلك بالتنسيق مع أوباما نفسه، كي تكون النتيجة هي ثلاثين ألفًا بخفض مقداره عشرة آلاف، الأمر الذي يعود إلى إدراك حجم معارضة الشارع الأمريكي لزيادة القوات. في كلمته المخصصة لإعلان الإستراتيجية الجديدة في أفغانستان، والتي ألقاها في أكاديمية ويست بوينت العسكرية، حرص أوباما على استخدام ذات نبرة بوش في حشد التأييد لإرسال القوات، فقال لمستمعيه: إنه بينما يتكلم إليهم، يقوم تنظيم القاعدة بالتخطيط لهجمات جديدة داخل الولاياتالمتحدة، كما لوَّح بذات النظرية للحلفاء الآخرين على أمل الاستجابة بإرسال المزيد من القوات. والحال أن العبء الأكبر للحرب في أفغانستان التي تُشنُّ باسم "الناتو" لازالت تقع على كاهل الأمريكيين، إذ يتلكأ الحلفاء الآخرون في الاستجابة لطلب زيادة القوات، وهذه المرة لم يتردد ساركوزي في الرفض، وكذلك حال أستراليا التي نادرًا ما تقول لا لأمريكا، وانسحب ذلك على ألمانيا، ولم يستجب سوى بيرلسكوني، وقبله غوردون براون على نحو بائس، إذ أعلن زيادة قواته بخمسمائة جندي لا غير، في حين يتردد حلفاء آخرون، ليس فقط في زيادة عدد قواتهم، بل في رفض إرسال الموجود منها إلى جبهات القتال، كما يتورط بعضهم في شراء أرواح جنوده من حركة طالبان بالمال، كما فعلت إيطاليا وتاليًا فرنسا، فهل ثمة من يقتنع بعد ذلك أن هذه مشاعر قادة يؤمنون بأنهم يخوضون حربًا سيربحونها دون شك كما يذهب أوباما؟! إلى جانب التلويح بخطر الإرهاب في الداخل الأمريكي، وضع أوباما "خريطة طريق" للخروج، حيث تحدث عن بدء سحب القوات بعد 19 شهرًا، الأمر الذي بدا مثيرًا للسخرية في واقع الحال، ذلك أن من عجزوا عن حسم المعركة طوال ما يزيد عن ثماني سنوات لن يحسموها خلال عام ونصف العام، لاسيما أن حركة طالبان ليست جيشًا بقدر ما هي حركة مقاومة لها حاضنتها الشعبية ومددها الخارجي. ولعل ذلك هو ما دفع هيلاري كلينتون، وبعدها الجنرال مكريستال إلى النفي المبطن لهذا الجانب من خطاب أوباما. صحيح أن أفغانستان قد لا تكون فيتنامًا أخرى كما قال أوباما في سياق الرد على القائلين بهذه النظرية، لكن النتيجة المؤكدة أن ربح حرب من هذا النوع يبدو أشبه بالمستحيل، مهما كانت التكتيكات المستخدمة فيها. وفيما يعول الأمريكيون على استنساخ تجربة الصحوات العراقية حيث شرعوا في إنشاء مليشيات تقاتل حركة طالبان، مع السعي إلى شراء المزيد من عناصر الحركة بالمال، ومعهم بعض شيوخ القبائل إلا أن النجاح في هذه المهمة يبدو مستبعدًا، وبالطبع لأن الظروف الموضوعية في الحالتين مختلفة إلى حد كبير، فيما يدرك الجميع أن نظام كرزاي هو أضعف بكثير من النظام الذي أنشأته المليشيات الشيعية في العراق، والذي ساهم في تحجيم المقاومة؛ ساعده في ذلك ميل بعض قواها نحو التحالف مع واشنطن بدعوى مواجهة إيران وحلفائها، مع العلم أن هذه التجربة لم تسجل النجاح المطلوب إلى الآن؛ إذ تعاني القوات الأمريكية من استمرار العنف وغياب الاستقرار من جهة، ومن قوة النفوذ الإيراني من جهة أخرى. الأهم من ذلك أن الوضع في أفغانستان يبدو أصعب من زاوية عقائدية الحركة التي تقاوم، فضلاً عن الموقف المحسوم لقائدها الملا محمد عمر، ممثلاً في رفض الحوار مع الاحتلال بأي حال من الأحوال، اللهم إلا التفاهم على توفير طريق لخروج قواته. وفيما يعمّق تردي الوضع الباكستاني من أزمة الأمريكان، فإن خريطة الطريق الوحيدة المجدية بالنسبة لأوباما هي خريطة الانسحاب السريع، أما إذا أصرّ على موقفه، فإن النتيجة هي الفشل والهزيمة والتراجع، فضلاً عن نزيف المال والرجال، وتاليًا الهيبة والنفوذ. بقي القول: إن الكلفة السنوية للثلاثين ألف جندي هي ثلاثين مليارًا، لو دفع ربعها للأفغان لكان الوضع مختلفًا إلى حد كبير، لكن 100 دولار أو 500 لضحايا القصف الأمريكي العشوائي لن تزيد الناس إلى حقدًا على الغزاة، وإصرارًا على إخراجهم. المصدر: الإسلام اليوم