شهد الملف الأفغاني تطوراً جديداً الأسبوع الماضي بعد إقالة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للجنرال ستانلي ماكريستال، قائد القوات الأجنبية في أفغانستان، واستبداله بالجنرال ديفيد بيترايوس الذي شغل منصب القائد الأعلي للقوات الأمريكية في العراق. تغيير رجال وليس استراتيجيات وأعلن وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس أن عملية استبدال القادة لا تعني أن الولاياتالمتحدة "تغرق في مستنقع حرب لا تستطيع كسبها"، بل أشار إلي أنها حققت بعض التقدم وأنها لن تغير استراتيجيتها الشاملة تجاه أفغانستان وإنما الأمر لم يتعد كونه تغيير رجال وليس استراتيجيات. كما أكد روبرت جيتس عن ثقته في الجنرال ديفيد بيترايوس الذي لعب دوراً محورياً في تحويل مسار الحرب في العراق، ووصف مهمته الجديدة في أفغانستان بالصعبة ولكنها غير مستحيلة. وأضاف "إن أوباما وضع الاستراتيجية ولكن بيترايوس سيتمتع بالمرونة اللازمة للنظر في خطة الحملة العسكرية والطريقة التي تجري بها الأمور عندما يصل إلي أفغانستان". ووصل الأميرال مايك مولن رئيس أركان الجيوش الأمريكية إلي كابول للقاء الرئيس الأفغاني حامد كرزاي و طمأنته بخصوص عدم المساس بالاستراتيجية الأمريكيةالجديدة في أفغانستان. وأشار مولن إلي دعمه لقرار أوباما بإقالة الجنرال ماكريستال ووصف الخطوة بأنها "شكلت خطوة ضرورية لإثبات أن الجيش الأمريكي لا يزال مؤسسة محايدة ومسئولة أمام السلطات المدنية". وتجيء إقالة الجنرال ماكريستال علي خلفية الانتقادات الشديدة التي وجهت للإدارة الأمريكية حول فشل مهمتها في أفغانستان وفشل عملية قندهار في ظل ورود أنباء عن اعتبار شهر يونيو أكثر الأشهر دموية بالنسبة إلي القوات الأجنبية التي تقودها الولاياتالمتحدة في الحرب المستمرة منذ تسع سنوات في أفغانستان. وكان الجنرال ماكريستال قد نشر مقالاً في مجلة رولينج ستون سخر فيه من نائب الرئيس جو بايدن وعدد من أعضاء السلطة التنفيذية في الولاياتالمتحدة. خلافات أمريكية وكانت سلسلة من الاتهامات المتبادلة بين الجنرال ماكريستال والإدارة الأمريكية قد ارتفعت حدتها في الآونة الأخيرة بعد تشكيك ثلاثة أعضاء في الكونجرس، هم الجمهوريان جون ماكين وليندسي جراهام والسناتور المستقل جو ليبرمان في كفاءة الدبلوماسية الأمريكية في أفغانستان بعد أن انتقد ماكريستال السفير الأمريكي في كابول كارل ايكنبيري ومبعوث واشنطن إلي المنطقة ريتشارد هولبروك وكانا قد انتقدا الرئيس الافغاني حامد كارازي ووجها إليه اتهامات بالفساد. غير أن الإدارة الأمريكية تجاهلت انتقادات ماكريستال وجددت ثقتها في موظفيها المدنيين في كابول، وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تؤكد ثقتها بكل من ايكنبيري وهولبروك. وعلي الرغم من موقف الإدارة الأمريكية، واصل أعضاء الكونجرس الثلاثة مطالبتهم بإعادة النظر في الجانب المدني في أفغانستان، وقال ليندسي جراهام "الجانب المدني يعاني بنظري من خلل وظيفي كامل. يجب تغيير العلاقات بين القادة المدنيين والرئيس كرزاي وتحسينها. أدعو الرئيس إلي اعتبار ذلك فرصة لتعيين أشخاص جدد علي الأرض لا يحملون خلفيات قديمة. وإن لم نحدث تغييراً سريعاً، فسوف نخسر حربا ًلا نحتمل أن نخسرها". وكانت سياسة الجنرال ماكريستال في إدارة عملية قندهار المستمر الاعداد لها منذ أسابيع قد تعرضت لانتقادات شديدة بسبب الصعوبات التي واجهتها وبسبب الخسائر التي منيت بها القوات الأمريكية و قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) حيث شهد شهر يونيو مصرع 87 جندياً أجنبياً ثلثيهم من الأمريكيين ليصل بذلك عدد الجنود الأجانب الذين قتلوا في أفغانستان منذ بداية العام الحالي نحو 307 جنود. زيادة معدلات العنف وفي الولاياتالمتحدة، طالب جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي بإجابات واضحة حول الأهداف الأمريكية في أفغانستان وحول الجدول الزمني للعمليات العسكرية هناك، و أضاف "حتي الآن كل الردود علي هذا السؤال غامضة وتفتقر إلي الوضوح ." كما طلب أعضاء المجلس الاستماع إلي وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون والمبعوث الأمريكي الخاص لافغانستان وباكستان ريتشارد هولبروك والسفير الأمريكي في كابول كارل ايكينبري. ومن المنتظر أن يحضر الجنرال ديفيد بيترايوس اليوم جلسة للتصديق عليه مع لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ. أما ميدانياً، فقد شهدت الشهور الأخيرة تزايد وتيرة التمرد المسلح الذي تقوده حركة طالبان منذ 2005 وذلك علي الرغم من انتشار القوات الأجنبية التي يبلغ عددها حالياً 142 الف جندي ومن المقرر أن يصل العدد في أغسطس المقبل إلي 150 ألفاً بعد وصول التعزيزات الأمريكية البالغ عددها 30 ألفاً. يذكر أن عناصر طالبان تنشط في الأقاليم الجنوبية مثل قندهار وهلماند وأورزوجان وتعتمد في تمردها علي إثارة الرعب وسط اسكان المحليين و استخدام القنابل والأحزمة الناسفة. طالبان تتوعد و توعدت حركة طالبان بمواصلة القتال أياً كان قائد القوات الدولية في أفغانستان، وقال المتحدث باسم طالبان يوسف أحمدي "لا يهمنا من هو القائد، أكان ماكريستال أم بيترايوس. موقفنا واضح. سوف نقاتل المحتلين حتي رحيلهم". وانتقد أحمدي الرئيس الأفغاني حامد كرزاي بسبب التعاون الذي أبداه مع الجنرال ماكريستال. ومن جانبه، دعا الرئيس الأفغاني حامد كرزاي عناصر حركة طالبان إلي السلام، والتوقف عن قتل الأبرياء وسعي للحصول علي تأييد شيوخ القبائل والعشائر في قندهار لشن حملة عسكرية ضد المسلحين في الإقليم الجنوبي علي غرار الصحوات في العراق. كما وافق شيوخ القبائل والشخصيات البارزة في أفغانستان علي اقتراحات الرئيس الافغاني حامد كرزاي للسعي من أجل السلام مع حركة طالبان الإسلامية وذلك في مؤتمر للسلام بالعاصمة يوم الجمعة الماضي. وعلي الرغم من إعلان الإدارة الأمريكية عن يوليو 2011 كموعد لبدء سحب قواتها من أفغانستان، فإن المؤشرات تؤكد تباطؤ سحب القوات إلي أجل غير محدد وإلي ارتباط الموعد الجديد بالرهان الأمريكي علي الجنرال ديفيد بيترايوس أملاً في تحقيق تقدم أسرع في عملية قندهار معقل حركة طالبان. وتتوقع الإدارة الأمريكية من الجنرال بيترايوس إدخال تكتيكات جديدة تعدل من سياسة الجنرال ماكريستال الذي اعتمد الاستعداد البطيء للعملية والاعتماد علي الدعم المدني الأفغاني وذلك بعد الاستفادة من تجربة عملية ولاية هلمند واستبدال العمل العسكري باستراتيجية تضع جهود الإعمار المدني في المقدمة وتقصر الدور العسكري علي تقديم الدعم. و كان ماكريستال قد توقع حدوث نتائج ملموسة لعملية قندهار بحلول نهاية العام الراهن. تحديات أمام بيترايوس وعلي الرغم من أن موعد انطلاق عملية قندهار لا يزال غامضاً، إلا أنه من المتوقع أن تبدأ ترتيبات الجنرال بيترايوس فور تصديق مجلس الشيوخ الأمريكي عليه. وربما سيكون من المتوقع أن يعمد الجنرال الجديد إلي استخدام أسلوب المواجهة العسكرية الحاسمة خاصة بعد وصول التعزيزات الأمريكية بحلول شهر أغسطس حيث أن هناك عدة عوامل ترجح هذا التوجه علي رأسها رغبة الرأي العام الأمريكي في الشعور بأن هناك تقدما سريعا وواضحا في الحرب في أفغانستان، و منها أيضاً الرغبة في تبديد الصورة القاتمة التي أشاعها الإعلام مؤخراً عن المأزق الأمريكي في أفغانستان وعن تورط القوات الأمريكية في شن غارات راح ضحيتها الأبرياء من المدنيين دون تحقيق تقدم ملموس. سياسة تغيير الرجال في أفغانستان سيكون من شأنها تهدئة الأجواء إلي حين خاصة وأن الجنرال ديفيد بيترايوس تسبقه سمعته الإيجابية حول دوره في العراق، غير أننا يجب ألا ننسي أن العراق ليس أفغانستان وأن عناصر طالبان تختلف في تكوينها و منهجها و أهدافها عن الفصائل العراقية وهو ما أثبته بالفعل فشل محاولة استقطاب عناصر طالبان في تحقيق تقدم يذكر في إحداث مصالحة أفغانية. الخياران المتاحان أمام الجنرال بيترايوس في أفغانستان هما خياران غاية في الصعوبة: المصالحة و المواجهة العسكرية الحاسمة. فمن ناحية، تم اختبار فشل هذين الخيارين حتي الآن ومن ناحية أخري، يلقي كل منهما معارضة داخلية شديدة تعوقه عن إحراز تقدم حقيقي. ويبقي أمام بيترايوس محاولة تغيير التكتيك في تبني أحد هذين الخيارين أملاً في تغيير دفة الحرب هناك واستخدام الدعم اللوجيستي و الدبلوماسي وجهود الاعمار في محاولة جديدة لتحسين الأوضاع المتردية في أفغانستان.