لا توجد حرية مطلقة، حيث يكون من حق المواطن أن يقول أو يفعل ما يريد بغض النظر عن حرية الآخرين.. ولهذا وضعت الأطر (القوانين) التى تكبح جماح الحرية المطلقة وتحد من شطحاتها التى قد تعتدى على حرية الآخرين.. وإلا انقلبت إلى فوضى.. فما هو إطار الإعلام الأخلاقى، سواء منه المرئى أو المقروء الذى يساهم فى تشكيل الوجدان؟ فى لغتنا الجميلة، تعنى كلمة "أبدع" فى القاموس: أوجد وأتقن، ومن ذلك "بديع السماوات والأرض"، إلا أن هذه الكلمة أسىء استخدامها فى أيامنا هذه أيما إساءة، فقد أصبحت تطلق على كل من هب ودب، إذ أن كل من عرت جسدها أصبحت "مبدعة"، وتصير المرأة أكثر إبداعًا كلما كانت أكثر عريًا! فالإتقان هنا أصبح فى القدرة على الاستثارة الجنسية، وأصبحت صور "المبدعات" تملأ شوارع قاهرة المعز، وتخرق الآذان أغانيهن القبيحة لتجعل من وجه مصر الصابرة ذات التاريخ العريق فى الارتقاء بالفضائل، وجهًا قبيحًا تلطخه هذه "المبدعات"، حيث أصبحت صورهن وأخبارهن تكاد تطغى على كل شىء فى حياتنا تقريبًا.. وتداخلت الأمور والتبست، فاختلط "الفن" الجميل الذى يرتقى بالمشاعر ويهذب الأخلاق ب"الفن" الهابط الذى ينحط بالغرائز ويشيع الرذائل، بل وأصبحت هناك أبواق دعائية فى قنوات فضائية تدعو بلا حياء إلى الفاحشة والرذيلة، حيث يقول ضيف: "أنا أعجب ألا تكون هناك قبلة فى فيلم سينمائى"، وتقول ضيفة بلا حياء "كيف يمكن أن تكون هناك واقعية وإبداع بدون الحياة اليومية فى غرفة النوم"؟ ويسأل المضيف: "هل نحن مقبلون على عهد فيه الفنون مقيدة والإبداع معصوب"؟ وأقوال عديدة مثل هذه الأقوال أو أسوأ، تذاع على قنواتنا الفضائية المبجلة يوميًا.. إن العملاء، والإمعات، منعدمى الشخصية، مبتورى التاريخ، والسماسرة من "المبدعين" إياهم لا يرون غضاضة فى اتباع ما يأتى به الغرب من شرور، حتى وإن كان فيه فساد أمتهم وخرابها.. من غير المقبول فى مجتمعنا أن تجسد الأفلام السينمائية التى تدخل بيوتنا عن طريق التليفزيون ويشاهدها الصغار والكبار الشذوذ الجنسى، ونطلق على هذا "إبداع"، ومن غير المعقول أن تجسد مشاهد الزنا فى أفلامنا على أنها ضرورة من ضرورات حياتنا "الواقعية" ونطلق على هذا "فنا"، والدعوة المعلنة لمعيشة الرجل مع المرأة بلا زواج كما هو الحال فى المجتمعات الغربية ناهيك عن الرقص العارى بمناسبة وغير مناسبة حتى أن قناة فضائية تخصصت فى بث الرقص ليلا ونهارا "للفنانات الاستعراضيات" وهن شبه عاريات، وهو ما يسميه بعضهم "حرية الإبداع"! حتى أن البعض يرى أن الانحلال الأخلاقى ضرورة من ضرورات التقدم..! والقياس هنا بالمجتمعات الغربية "المتقدمة"، رغم تنبؤ المؤرخ الإنجليزى الراحل توينبى (وهو شاهد من أهلها) بانهيار المجتمعات الغربية بسبب الانحلال الأخلاقى فى هذه المجتمعات.. فالعبرة "ليست بالتقدم المادى الذى تطغى فيه المادة على الروح ولكن الأبقى ما يمكنه أن يوازن بين المادة والروح". إن من أهم أسباب ارتفاع معدلات الجرائم الأخلاقية وغير الأخلاقية، هو العمل على مواصلة بث هذه البرامج المفسدة للأخلاق، المدمرة للنخوة والرجولة، الباعثة على الدعارة والزنا، وإغراق الشباب فى مستنقعاتها وهم عاطلون عن العمل يومهم كله فراغ فى فراغ.. وأما عن الإعلام المقروء، فقد نشرت إحدى كبريات الصحف المصرية فى يوم 30/ 8/2011 صورة نجمة الغناء الشهيرة "بيونسيه"، والأخبار عن استعدادها لاستقبال مولودها وأنها حصلت على جائزة "جرامى".. إلخ، وفى نفس الخبر أن نجمة البوب الأمريكية الشهيرة "بريتنى سبيرز" قد فازت بجائزة أفضل فيديو لموسيقى البوب، وفى يوم 29/ 10/2011 نشرت نفس الصحيفة صورة "المطربة" شاكيرا وجاء تحت العنوان أنها "أفضل لاتينية" وأنها حصلت على لقب "الشخصية اللاتينية المفضلة لعام 2011"، وفى يوم 16/ 12/2011 أخبار المغنية جنيفر لوبيز وهكذا دواليك.. ويعلم ناشر صور وأخبار هؤلاء أنهن يقدمن عروضهن شبه عاريات، كما أنهن يتنافسن فى إثارة الغرائز الجنسية، وأن هذه العروض تبث للأسف على قنواتنا بالقمر الصناعى نايل سات، فهل نضبت الأخبار فلم تبق إلا أخبار هؤلاء "المبدعات"؟ ألا يكفى ما يعرضه القمر الصناعى المصرى حتى يعاونه الإعلام المقروء فى الإفساد؟ وما هى الفائدة التى يمكن أن تعود على القارئ من نشر صور وأخبار هؤلاء "النجمات"، "المبدعات"، "الفنانات"، "المطربات" باعتبارهن "أفضل الشخصيات"؟ وهل المطلوب أن تقتدى بناتنا بهؤلاء باعتبارهن النموذج المطلوب الاقتداء به؟ وهل هذه هى الأصول الأخلاقية التى يسعى الإعلام إلى ترسيخها؟ وهل تتقدم الأمم بهز الأرداف وإحراز الأهداف؟ لكم كنت أتمنى أن يتعرف الناس على علمائهم من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وذلك بالاهتمام بنشر صورهم وأخبارهم، بدافع ذاتى وليس بتأثير غربى، ولكلِّ من علماء مصر قصة كفاح مشرفة يجب أن تتعلم منها الأجيال كيف يكون الاجتهاد للوصول إلى أهداف البحث العلمى المطلوب. إن ما ينشر عن علماء مصر (من الحاصلين على جوائز الدولة فى العلوم) إنما هو على استحياء فى إحدى الصفحات الداخلية لإحدى الصحف، حيث تذكر جميع الأسماء فى مساحة تقل عن مساحة الصورة التى تنشر فيها صورة إحدى "المبدعات".. من المعلوم أن الحياء والإيمان قرينان، إذا رفع أحدهما رفع الآخر، وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من المصريين متدينون، إلا أنه من المؤكد أن فى مصر أقلية فاسدة مفسدة، تأثيرهم على الغالبية كبير لما تحت أيديهم من وسائل ذات تأثير كبير وخاصة على الصغار، وهم لا يعنيهم إن فسد صغارهم ونحن نأسف لذلك إلا أنهم ليسوا أحرارا فى إفساد أولادنا وبناتنا، لذلك فإنه يكون من الضرورى عدم إفساح المجال لهؤلاء فى وسائل إعلامنا، ووضع الأطر التى تضبط الإيقاع الأخلاقى فى كافة هذه الوسائل.. يقول تعالى: "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون" ]الآية 19 من سورة النور [ Email: [email protected]