منذ بدأت حالة السجال الكلامي بين الدكتور عبد الله بدر أستاذ التفسير بجامعة الأزهر من ناحية والفنانة إلهام شاهين ومناصريها من الفنانين من ناحية أخري والكلام لا يتوقف عن الإبداع الفني فالدكتور عبد الله بدر ومناصريها يقولون ان جل ما تقدمه السينما اليوم لا علاقة له بالإبداع من قريب ولا من بعيد وأنه أقرب للإبتذال منه للإبداع في الوقت الذي ردت فيه الهام شاهين ورفاقها بأن هذا هو حديث التطرف والتشدد وإن معايرة الأعمال الفنية وإخضاعها لميزان النقد لابد أن يكون بعيدا عن إعمال حكم الدين فيها لأن تمثيل الفنانة لدور عاهرة لا يعني أبدا أنها عاهرة والمشكلة أن هناك من رأوا أن كلمات الرئيس خلال لقاءه بوفد الفنانين هي ترجمة لموافقة الدولة علي الأعمال الفنية التي تقدم مهما بلغت سخونة الملابس التي ترتديها الفنانات في تلك الأعمال وبين هذا وذاك يبرز السؤال الأهم وهو ما هي حدود الإبداع في الإسلام ؟ومتي يكون العمل الفني إبداعا ومتي يكون ابتذالا ؟ أسئلة وضعناها علي مائدة علماء الدين ورصدنا إجاباتهم في السطور التالية: ويقول الدكتور محمد كمال إمام أستاذ الشريعة بالأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن الأزهر سبق وأكد أن حرية الرأي هي أهم الحريات كلها وتتجلي في التعبير عن الرأي تعبيرًا حرًّا بمختلف وسائل التعبير من كتابة وخطابة وإنتاج فني وتواصل رقمي. وهي مظهر الحريات الاجتماعية التي تتجاوز الأفراد لتشمل غيرهم مثل تكوين الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني. كما تشمل حرية الصحافة والإعلام المسموع والمرئي والرقمي. وحرية الحصول علي المعلومات اللازمة لإبداء الرأي . ويضيف أن الإسلام يؤكد دوما علي ضرورة حماية حرية الإبداع بل إننا سبق وطالبنا في جلسات استماع اللجنة التأسيسية بضرورة أن تكون حرية الرأي والإبداع مكفولة بالنصوص الدستورية لتسمو علي القوانين العادية القابلة للتغييرلكن من الضروري ومن المهم ونحن نتحدث عن حرية الإبداع أن ننبه إلي وجوب احترام عقائد الأديان الإلهية الثلاثة وشعائرها لما في ذلك من خطورة علي النسيج الوطني والأمن القومي. فليس من حق أحد أن يثير الفتن الطائفية أو النعرات المذهبية باسم الإبداع وإن كان حق الاجتهاد بالرأي العلمي المقترن بالدليل. وفي الأوساط المتخصصة. والبعيد عن الإثارة مكفولاً كما سبق القول في حرية البحث العلمي بالإضافة إلي أهمية أن يكون الإبداع دون اسفاف ولا ابتزال بل إن الإسلام أباح الترفيه عن النفس ولهذا فلا حجر علي فن كوميدي كان أو درامي ولكن بما لا يخالف قيم وتعاليم الإسلام فلا يصح مثلا أن تظهر الممثلة وهي ترتدي ملابس شبه عارية تثير الغرائز ومعها ممثل رجل لا يتمي لها بصلة وهو شبه عار أيضا ويظهران في مشاهد مثيرة بحجة أن هذا نوع من أنواع الإبداع فهذا ليس بإبداع ولا علاقة له بالإبداع من قريب ولا من بعيد لهذا فعلي المبدعين ومنهم الفنانون والفنانات أن يراعو القيم الدينية والأخلاقية في ممارساتهم حتي تخرج أعمالهم لتكون نبراسا لتنوير المجتمع وليس لتهديد بنيانه الإجتماعي ونشر الرذيلة والفسوق . ويقول الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق وأستاذ الشريعة بجامعة الازهر أن الإسلام طوال تاريخه لم يمنع مبدعا من الإبداع طالما أن ذلك الإبداع يصب في صالح الامة ونهضتها فلا يجوز أن تتسلل إلينا مشاهد ما أنزل الله بها من سلطان تحت ستار حرية الإبداع ولابد أن نعي أن الإسلام أتاح للإنسان حرية في اختيار دينه مكفولة بنص القرآن الكريم حيث قال الله تعالي: ¢لكم دينكم ولي دين¢ فكيف يطلق الإسلام أهم الحريات وهي حرية الاعتقاد ويقيد حرية الإبداع أو حرية الرأي والفكر لكن هذا لا يعني أن نترك الأمر هكذا فقد حرص الإسلام علي وضع ضوابط لتنظيم وحماية حرية الرأي والإبداع من الأهواء التي قد تضر بالإنسان فحرية الإبداع الإنساني في الإسلام مكفولة بلا شروط إلا أن يكون هذا الإبداع لصالح الإنسان وخطوة من خطوات رقيه وتطوره ولهذا فالتاريخ الإسلامي يوضح لنا كيف أبدع المسلم علوماً وفنوناً وفلسفات ولم يبدع أسلحة تدمر وتخرب ولم تقدم الحضارة الإسلامية ما قدمته الحضارات الأخري من ألوان المتع الرخيصة التي تهبط بالإنسان من مسكرات ومخدرات وجنس وكل ألوان المغيبات وغيرها مما يعطل مسيرة الإنسان نحو التطور والارتقاء بل قدمت لنا الحضارة الإسلامية إبداعاً خلاقاً نافعاً من علوم مزدهرة وفكر راق فإذا كان إلغاء الرقابة يعني تخليصنا من مشاهد الجنس والمخدرات والمسكرات وتعيد تقديم دراماً ملتزمة أخلاقياً فأهلا بهذا الإلغاء أما أن نلغي الرقابة لتزيد الأفلام من مساحة الإباحية فهذا مرفوض وكان الأولي بالمسئولين التفكير في كيفية هيكلة تلك المنظومة الرقابية لتلعب دورها في حماية المجتمع المسلم من شطط البعض ممن يطلقون علي أنفسهم مبدعين وهم لا علاقة لهم بالإبداع من قريب أو بعيد. ويقول الدكتور محمد الدسوقي أستاذ الشريعة بجامعة القاهرة أن السينما والتلفزيون والمسرح بما أنها أصبحت من الأماكن التي يرتداها الناس بكثرة في أيامنا هذا من الممكن أن تلعب دورا مهما في نهضة أمتنا ونهضة مجتمعنا بشرط ان يحسن القائمون علي الحركة الفنية عملهم ويتقوا الله في كل ما يقدمونه من أعمال إبداعية والإسلام بشكل عام لا يحج علي فكر بل بالعكس فإن هؤلاء الذين يقدمون أعمالا فنية تحتوي علي مشاهد مثيرة للغرائز يطالب الإسلام بتوجيه النصح لهم والعمل علي تثقيفهم دينيا بحيث يدركون خطورة ما يفعلون سواء علي ميزان حسناتهم أو علي مستقبل المجتمع الذي يعيشون فيه وقد يتذكر الكثيرون أن العملية التعليمية في مصر شهدت تدهورا كبيرا بسبب أحد الاعمال المسرحية للفنان عادل إمام وهي مسرحية مدرسة المشاغبين حيث انطلق الطلبة والتلاميذ يقلدون أبطال المسرحية دون وعي بخطورة ما يفعلونه لهذا فعلي فنانينا ومبدعينا إدراك أهمية ما يقدمونه من أعمال فنية ويدركون أن المجتمع المصري بمسلميه ومسيحيه مجتمع متدين ونحن كمسلمين نعيش تحت مظلة القرآن الكريم والسنة النبوية نتمني ان تختفي الأعمال الدرامية التي تقدم الإبتزال والعري من حياتنا وجميعنا ندرك أن هناك فارقاً كبيراً بين الإبداع الفني الذي يقدم طاقة نور للمجتمع وبين مشاهد العري والإثارة التي تستهدف الغرائز ولا تؤدي إلا لمزيد من الإظلام في المجتمع ولابد أن يقوم المجتمع نفسه بنبذ الأعمال التي تخاطب الغرائز باسم الفن حتي يدرك من يقدومن مثل تلك الأعمال خطأ ما يقدمونه ويختفي ذلك اللون المرفوض من الفنون فالأثار السلبية للفن غير الملتزم أكبر كثير من أية فوائد أو متعة يحصلها الناس منه ولابد أن ردرك الجميع أن الفن يدخل بيوتنا وعقولنا والنشء الصغير يتربي علي هذه الأفكار خاصة في ظل انشغال الآباء والأمهات لظروف المعيشة. وما أريده أن نجعل من الفن أداة بناء واتساق مع قيم المجتمع وألا نخلق أجيالا متناقضة مع ذاتها ومحيطها§§. ويشير الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق إلي أن لإسلام لا يعارض الأدب والشعر والقصة والرواية وغيرها من الفنون التي تخاطب العقل وتعلي قيمة الفكر وتؤدي للعلو واحترام القيم الإنسانية النبيلة. أما الفن الهابط الذي يخاطب الغرائز ويعتمد علي الإسفاف والسطحية وما يسمي لغة السينما الجمهور عايز كده أو مغازلة شباك التذاكر في بلد يعاني شبابه عدم القدرة علي العمل وتوفير مسكن أو الزواج يعتبر نوعا من تضييع شباب الأمة والانحراف بفكر الشباب للبناء والحضارة ونحن نؤكد دوما في قاعة المحاضرات وللجميع أن الدين والفن من مشكاة واحدة. لأن الدين يبحث عن الحق. والفن يبحث عن الجمال. والله عز وجل هو الحق. وهو جميل يحب الجمال. وليس ثمة خصومة ولا تعارض بين الإسلام والجمال او الابداع الفني. وإن هذه النظرة التي تري تعارضا بين الإسلام والابداع تعود الي الجهل الفاحش والاعراض عما في كتاب الله المقروء ¢القرآن العظيم¢ وكتاب الله المنظور ¢الكون¢ من آيات الزينة والبهجة والجمال والروعة والتناسق البديع وإلي ضيق الافق والقصور عن ادراك ما فطر الله الانسان عليه من تعدد الجوانب. وعمق الاحساس والشعور. والنزعة الجمالية الكامنة في روح الانسان ولكن كل هذا مشروط بأن يتم تقديم الفن في صورة لائقة وغير خادشة للحياء والقرآن الكريم قدم لنا صورة فنية بديعة لما حدث بين سيدنا يوسف عليه السلام وامرأة العزيز دون إثارة أو ابتزال لهذا فعلي الفنانين والمبدعين مراعاة القيم والأخلاقيات الإسلامية وهم قدمون لنا فنونهم وإبداعاتهم المتميزة . وينهي الشيخ عاشور كلامه قائلا: الإسلام لم يحرم الفنون بل إن الشيخ محمد الغزالي رحمه الله أكد في فتوي صريحة أن الإسلام لم يحرم الغناء كأحد مظاهر الحضارة الحديثة. مادام شريف المعني طيب اللحن. وقال: "ما نحارب إلا غناء هابط المعني واللحن. كما نحاربه إذا اقترن ببعض المحرمات من خمر وفحش. فلم يرد حديث صحيح في تحريم الغناء علي الإطلاق وقد رأيت في السنة أن النبي. صلي الله عليه وسلم. مدح صوت أبوموسي الأشعري وكان حلوا. وقد سمعه يتغني بالقرآن فقال له: "لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود". ولو كان المزمار آلة رديئة ما قال له ذلك. ويقول الدكتور عبد المقصود باشا عضو المجلس الاعلي للشئون الإسلامية أن المشهد الفني في العالم العربي للأسف الشديد لا يسر عدو ولا حبيب كما يقول المصريون فالقنوات الفضائية الهابطة انتشرت بشكل مبالغ فيه للأسف الشديد وهي تعمل ضد منظومة القيم والثقافة والأخلاقيات لدرجة أنها حتي لا تحقق الحد الأدني من القيم المعرفية أو الخلقية أو التربوية. لكنها مع ذلك باتت قوة مؤثرة في سلوك الشباب ونمط تفكيرهم وتوجهاتهم والملاحظ ان الإنتشار الفضائي السريع حيث تظهر قناة جديدة كل فترة بسيطة وقد أدي إلي قيام القائمين علي الفضائيات علي استخدام أساليب جديدة ومتطورة فنية كانت أم تجارية بغض النظر عن ملائمتها لقيمنا الدينية والثقافية بهدف استمالة شريحة الأطفال والشباب واليافعين دون أن يضعوا في حسبانهم أن هذا التوسع في تجارة التسلية الموجهة للشباب يخفي الكثير من المخاطر والسلبيات . ولابد أن يراعي القائمون علي العملية الفنية أن هناك حدودا فاصلة بين الإبداع الذي حفزنا عليه الإسلام وبين الإبتذال الذي ترفضه كافة الشرائع السماوية.