دخلت الصناعة على مدى العقود الثلاثة الماضية نفقًا مظلمًا على يد شلة رجال أعمال الحزب الوطني المنحل؛ حيث وصلت لمرحلة الاحتضار، خاصة مع استمرار المسلسل الهزلي لرجال الصناعة من تهريب البضائع، وإغراق السوق المحلية بالمنتجات الأجنبية، حيث تجاوزت القيمة المهربة منها 65%؛ هروبًا من سداد رسوم الجمارك والضرائب؛ والاتجاه نحو الصناعات الخفيفة مثل الشيبسى واللبان وتعبئة اللب في قراطيس (!!)، والاكتفاء بتجميع المعدات الثقيلة مثل السيارات والمحركات والإلكترونيات، وليس تصنيعها من أجل أن تكون منتجًا مصريًا خالصًا؛ لهثًا وراء الربح السريع والسهل في ذات الوقت؛ وهو كان سببًا في استنزاف الصناعة المصرية، ووأد المنتج المحلي، أو طرحه سَقَطًا قبل أن يولد، جراء ضربه في مقتل، عن طريق تدمير قدرته على النفاذ للأسواق العالمية، والآن أصبحت الضرورة التي تمر بها البلاد في مرحلة التحول والنمو ملحة، وباتت تفرض على رجال الأعمال عمومًا، ورجال الصناعة على وجه الخصوص الوفاء بما عليهم من مسئوليات اجتماعية لهذا الوطن بأن تحولوا للصناعات الثقيلة كثيفة العمالة لبناء مصر الجديدة، وتحويلها من دولة نامية إلى دولة صاعدة ذات صناعة متقدمة على غرار دول شرق آسيا، ومجموعة أمريكا اللاتينية. تحولت مصر من دولة يقوم اقتصادها على الزراعة فقط إبان العهد الملكي باستثناء صناعة الغزل والنسيج، إلى دولة زراعية وصناعية في العصر الجمهوري، وقد شهد عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر نهضة صناعية كبرى؛ حيث أنشأ أكبر قاعدة صناعية في العالم الثالث شملت جميع أنواع الصناعات الثقيلة التي استوعبت العمال والمتخصصين، والمتوسطة والخفيفة، وبلغ عدد المصانع التي أنشئت في عهد الرئيس عبد الناصر 900 مصنع لمختلف الصناعات سواء كانت إنتاجية أو استهلاكية، كان منها الصناعات الثقيلة كثيفة العمالة ويأتي على رأسها صناعة الغزل والنسيج، ومصانع الحديد والصلب بحلوان، ومجمع الألومونيوم بنجع حمادي والصناعات البترولية، والصناعات الحربية، والأدوات المنزلية، والمراجل البخارية، كما كانت هناك الصناعات الخفيفة التي تستخدم في مناحي الحياة اليومية وكانت تشكل نسبة 80% من الصناعات الوطنية المصرية مثل صناعة الورق والصابون وأدوات المطبخ، وكان الرئيس عبد الناصر يفتخر بأنه يرتدي منتجات مصانع المحلة، ويستخدم الأجهزة الكهربائية المصرية، حيث أدرك الرئيس عبد الناصر وقتها أن القطاع الخاص لن يقوم بتصنيع يحقق الاكتفاء الذاتي، ومن ثم قام بإنشاء القطاع العام لتطوير الصناعات المدنية الثقيلة مثل صناعة السيارات والكيماويات والحديد والصلب، كما أنشأ المصانع الحربية، واستقدم المتخصصين الألمان لتطوير صناعة مصر الحربية، وتم الاتفاق مع الهند على تصنيع الطائرات، حيث يتم تصنيع المحرك بمصر، والجسد بالهند، وانطلقت الطائرة بعد نجاح التجربة. هذا وقد بدأت المنتجات المصرية نزول السوق، وأخذ المصريون في شرائها بدلاً من المنتجات الأجنبية، وقامت مصر بتصدر الفائض من منتجاتها الصناعية للخارج؛ حيث صدرت الأقمشة والأسمنت والحديد والسيارات. بدأ الفساد يدب في أوصال الاقتصاد المصري مع بداية الانفتاح والاتجاه نحو بيع ثروات البلاد ومقدراتها بأبخس الأثمان لشلة التابعين والفاسدين، والاستمرار في مسلسل الفساد وإهدار المال العام وبيع الأراضي وتسقيعها من قبل رجال أعمال النظام السابق، وإغلاق المصانع، وتعقيد إجراءات المصانع والمؤسسات الأجنبية، وتعرض الصناعة الوطنية لمنافسة غير عادلة بسبب اتباع سياسات متآمرة لتدمير الصناعة الوطنية، وأصبحنا نستجدي غيرنا في أبسط ما نحتاج إليه مما يتم استهلاكه في الحياة اليومية. "المصريون" التقت مجموعة من الخبراء للتعرف على مسئولية رجال الأعمال في المرحلة الراهنة نحو الصناعات الوطنية، حتى تصبح مصر قوة ناهضة ذات مستقبل واعد. د/ رابح بسطا: الصناعات القائمة تحتاج إلى تغيير جذري وآن وقت التحول نحو الصناعات الإنتاجية يقول الدكتور رابح رتيب بسطا -عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي الإحصاء والتشريع- إننا نحتاج إلى تضافر كل القوى الوطنية، وكافة رجال الأعمال الشرفاء في دفع عجلة الإنتاج للأمام، من أجل المساهمة في التنمية الاقتصادية؛ بحيث تدفع إلى زيادة الإنتاجية، ومن ثم زيادة العمالة، والإقلال من البطالة، خاصة ونحن بعد ثورة 25 يناير في حاجة ماسة إلى بناء الدولة العصرية المتقدمة، لافتًا إلى أن هذه الصناعات القائمة حاليًا تحتاج إلى التغيير الجذري؛ على اعتبار أنه يجب على رجال الصناعة أن يتجهوا نحو الصناعات المتقدمة والكبرى، مستنكرًا اقتصارهم على الصناعات الصغيرة، تحت زعم أن البلاد في حاجة أيضًا إلى المشروعات الصغيرة؛ منبهًا أنه لا بد من تحمل المسئولية الاجتماعية، وعدم النظر إلى الربح السريع، والسهل؛ وإنما ينبغي مراعاة مصلحة البلاد العليا، بما يحقق التوازن؛ فتكون الصناعات الخفيفة جنبًا إلى جنب مع المشروعات الثقيلة، موضحًا أن عجلة الإنتاج في هذا الوقت والتقدم الحقيقي يحتاجان إلى الاتجاه نحو المزيد من الصناعات المتقدمة، وخاصة التي تقوم على التكنولوجيا الحديثة، كما أن الظروف الراهنة تقتضي الحفاظ على بقايا قطاع الأعمال العام، على أن تبدأ مرحلة تطويره الحقيقية؛ بما يحقق القيام بالعديد من المشروعات الإنتاجية التي يهملها القطاع الخاص، الذي يحتاج أيضًا إلى تشريعات جديدة من شأنها أن تتيح له القيام بدوره المنوط به، وإعطائه الفرصة للمساهمة في بناء الجمهورية الجديدة، لكي يثبت جدارته ومكانته بجانب قطاع الأعمال العام، الصناعات الإنتاجية تؤدي إلى النهوض بالإنتاج مثل صناعات النسيج، مواد البناء،السيارات،البرمجيات المتقدمة، والصناعات التكنولوجية. د/ حمدي عبد العظيم: أطالب رجال الصناعة بالتوسع في الطاقات الإنتاجية، والقيام بدورهم في إنعاش الصناعات الثقيلة أكد الدكتور حمدي عبد العظيم -الخبير الاقتصادي- أنه ينبغي عليهم الاهتمام بالصناعات التي يحتاجها المواطن المصري، ويتم استيرادها من الخارج، لافتًا إلى أن التوسع في الصناعات الغذائية أصبح ضرورة حتمية على رجال الصناعة، على اعتبار ضرورة تحقيق الأمن الغذائي، ويحمل البلاد فاتورة باهظة بسبب استيراد حوالي 60% من احتياجاتنا من الخارج، كما هذه الصناعات تتميز بأنها كثيفة الأيدي العاملة، مما يفتح فرص عمل لمواجهة غول البطالة، مشيرًا إلى ضرورة تشجيع المشروعات الصغيرة؛ حتى تتمكن من تغذية المصانع الكبيرة، كأن تتعاقد مع شباب المشروعات الصغيرة على توريد مستلزمات المصانع من خامات وغيره، وبهذا أيضًا تتحقق ضمانة لتسويق منتجات المشروعات الصغيرة، ومن هنا يلعب رجال الأعمال دورًا وطنيًا في تشغيل الشباب، وإنجاح المشروعات الصغيرة، لافتًا إلى أن فترة الستينيات قامت الدولة بتحمل عبء المشروعات الثقيلة؛ حيث أممت ومصّرت المشروعات الأجنبية، وبالتالي سيطر القطاع العام، لافتًا إلى أنه ينبغي على القطاع الخاص القيام بهذا الدور، وخروج الدولة من النشاط الاقتصادي، واستنكر الخبير الاقتصادي اتجاه القطاع الخاص إلى المضاربة في العقارات، والمشروعات الاستهلاكية، مبتعدًا عن المشروعات الإنتاجية، مطالبًا رجال الأعمال بالدخول في هذه الصناعات التي تقوم على الطاقات الإنتاجية مثل التوسع في صناعة السيارات؛ حتى تكون لدينا سيارة مصرية خالصة من الألف إلى الياء؛ حتى لو استدعى ذلك دخول مجموعة من رجال الصناعة في مشاركة لتوفير رأس المال اللازم لهذا الإنجاز، وكذلك الصناعات الوطنية الأخرى مثل الأسمنت، الحديد، الأسمدة، الألومنيوم، عن طريق التوسع بإنشاء مصانع إضافية في أنحاء الجمهورية للقضاء على ظاهرة الاحتكار، حتى نتمكن من توفير الاحتياجات، وتكون الأسعار في متناول المواطنين. د/ ماجدة شلبى: وضع استراتيجيات بعيدة المدى لمواجهة الانهيار الصناعي ضرورة حتمية.. وعلى رجال الأعمال تحمل المسئولية الاجتماعية كمواطنين تقول الدكتورة ماجدة شلبي -أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية- إن هناك مسئولية اقتصادية، وأخرى اجتماعية على رأس المال، مما يعنى أن رجال الأعمال، وشركات الصناعة على وجه الخصوص ينبغي عليهم تحمل المسئولية الاقتصادية والاجتماعية تجاه مرحلة التحول التي تمر بها البلاد، فعليهم أن يأخذوا في الاعتبار الاهتمام بالطاقات الإنتاجية، ويتجه الاهتمام نحو إنشاء طاقات وصناعات جديدة؛ بحيث تكون واعدة، وتدفع بعملية التنمية الاقتصادية نحو الأمام، بما يحقق النمو الاقتصادي، ويزيد من الصادرات، كما ينبغي أن تتمتع هذه الصناعات بقدرة تنافسية عالية، تمكنها من النفاذ لأسواق الصادرات العالمية، كما لا يقتصر دور رجال الصناعة على إقامة صناعات هامة واستراتيجية قادرة على النفاذ للأسواق العالمية والمنافسة في السوق العالمية التنافسية المفتوحة، وإنما ينبغي أيضًا مراعاة المسئولية الاجتماعية لرأس المال التي ينبغي أن تقوم بدعم وتطوير الموارد البشرية، من خلال عمل مراكز تأهيل وتدريب، وتوفير خدمات الصحة للعاملين في هذا القطاع، توفير الضمان الاجتماعي، واعتبرت الخبيرة الاقتصادية هذه المسئوليات جزءًا لا ينفصل بعضها عن البعض الآخر، وإنما هي حلقات متكاملة ينبغي أن يقوم بها رجال الصناعة، وخصوصًا في مرحلة التحول التي ينبغي أن نقوم فيها بوضع استراتيجيات جديدة لدعم الصناعة المصرية؛ لكي تستطيع مصر أن تتحول من دولة آخذة في النمو إلى دولة صناعية جديدة، كما ينبغي أن تكون هناك إدارات تقوم بعمليات البحث والتطوير لكل جهاز إنتاجي في مصر، بحيث تتمكن هذه الوحدات من ابتكار أنواع من التكنولوجيا بصفة مستمرة، والفن الإنتاجي المتطور الذي يمكن من إنتاج منتج عالي الجودة، منخفض التكلفة، هذا المنتج هو الذي يكون قادرًا على المنافسة العالمية، مشددًا على أنه في ظل تفشي ظاهرة البطالة، أصبحت هناك ضرورة ملحة إلى التحول إلى الصناعات كثيفة العمالة، مع مواكبة التطور العالمي والاهتمام بعمليات البحث والتطوير، كما أنه ينبغي وضع استراتيجيات بعيدة المدى تعمل على تغيير مرحلة التراجع الكبير في قطاع الصناعات، من خلال توجهات جديدة، واهتمامات مختلفة تناسب مرحلة الصعود، مثل الدولة الصناعية الناهضة في جنوب شرق آسيا ومجموعة أمريكا اللاتينية، وتركيا والهند والصين التي أصبحت تستحوذ على أكثر من 40% من حجم الصادرات العالمية، لافتة إلى أن هذه الدول نشطت في ظل آليات السوق الحر، بالاعتماد على القطاع الخاص، مع تهيئة المناخ الجاذب للاستثمار الأجنبي المباشر، وهذا يحتاج إلي توفير الاستقرار السياسي، والاقتصادي، مع مراعاة أن يكون للدولة دور جديد، في ظل المذاهب الفكرية الحديثة لم تنجح الدولة في أن تكون منتجة، ولكن لها أدوار أهم في مراقبة الأسعار والأسواق، والقيام بالدور التنظيمي في سن التشريعات التي تحمي حقوق الملكية، والتعاقدات، وتمنع الممارسات الاحتكارية، وتهيئة مناخ الأعمال المناسب من خلال تفعيل مبادئ الحكومة، والقضاء على الفساد والرشاوى، وتوحيد الجهات التي يتعامل معها المستثمر، منبهة أن دور الدولة أصبح تنظيميًا ورقابيًا، وليس تدخلاً في النشاط الاقتصادي، وإنما في ضمان الكفاءة التخصصية المثلى لشتى أنواع الموارد، حتى لا يكون هناك إهدار للموارد الاقتصادية والبشرية. د/ حسن عودة: الحكومة ليس لديها رؤية واضحة لمتطلبات المرحلة، واستبعد التعويل على المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال من جانبه، استبعد الدكتور حسن عودة -الخبير الدولي في إصلاح النظام المحاسبي والموازنات الحكومية- اتجاه رجال الأعمال من تلقاء أنفسهم لتلبية احتياجات الدولة والمواطنين؛ موضحًا أن رجل الأعمال يتجه نحو المشروعات التي تحقق له ربحًا، وإنما هذا دور القائمين على مصلحة البلد، فهم الذين يتحملون تحديد نوعية الاستثمارات والمشروعات التي ينبغي على القطاع الخاص المساهمة فيها، مؤكدًا ضرورة قيام الدولة بتوجيه استثمارات رجال الصناعة من خلال الحوافز، وتسهيل إجراءات إقامة المشروعات الثقيلة التي تخدم الاقتصاد الوطني، والمساعدة في تصدير منتجاتهم، ثم دراسة كيفية فتح مجال ممارسة هذه المشروعات، واستبعد الخبير الدولي فكرة الاعتماد على قيام رجال الأعمال في الفترة الراهنة بمسئولياتهم الاجتماعية تجاه رأس المال في الدول النامية، لافتًا إلى أن هذه الأمر يمكن التعويل عليه في مرحلة تالية تكون فيها هذه الشركات قد حققت أرباحًا، وتوسعت في نشاطاتها، ومن ثم يمكن أن توجه مخصصات معينة للمسئولية الاجتماعية، وحول الصناعات التي ينبغ توجه استثمارات القطاع الخاص إليها في الفترة الحالية أشار الخبير المتخصص في عمليات الإصلاح إلى ضرورة دراسة ما تحتاج إليه البلد من صناعات، فلو أننا أردنا تحديد أوليات النهوض الاقتصادي فلابد من وجود توفير الصناعات التي تقوم عليها البنية الأساسية للدولة مثل صناعة الحديد، والأسمنت، وتحديد ما هو متوفر منها، وما هو غير موجود، وما يخضع للاحتكار، حتى أستطيع عمل توازن تجاري وصناعي بمنح تراخيص جديدة، وإعطاء حوافز معينة؛ لفك السلع المحتكرة، مطالبًا الحكومة بعمل دراسة وافية، وتقديم رؤية واضحة لاحتياجات مصر في المرحلة الراهنة، ومن ثم نستطيع تقديم الحلول الناجحة بناء على الدراسات التي تحدد متطلبات المرحلة.