مع تنامي ظاهرة تسونامي الإبداع الروائي العربي في السنوات الأخيرة ، تصبح مهمة الكاتب الروائي صعبة وهو يبحث عن موطئ قدم وسط هذا الزحام الإبداعي . وعلى الرغم من هذا العدد الكبير من الروايات التي تصدر كل عام ، فإن عددا قليلا منها هو ما يستطيع أن يصمد أمام تقلبات الزمن ليحجز مكانا في ذاكرة التاريخ . وفي هذا السياق يخرج لنا الروائي المصري هشام فياض رواية جديدة بعنوان : على "فراش طاغية " تتناول عددا من القضايا العربية الشائكة بنوع من الجرأة في ظل مناخ عربي يفرض كثيرا من القيود على حرية الرأي و الإبداع . و المتابع للمنتج الأدبي والروائي لهشام فياض وخاصة روايته السابقة عندما "يعتذر الشروق" ، يدرك مدى تأثير الثقافة الغربية على أسلوب الكاتب وطريقة تناوله للموضوعات والشخصيات ، فالكاتب أقام عدة سنوات متنقلا بين المدن والعواصم الأوروبية المختلفة و هو ما أتاح له أن يعيد طرح القضايا العربية بطريقة مغايرة . و كما هو واضح فإن عنوان الرواية" على فراش طاغية" يأخذ القارئ بطريقة تلقائية إلى فضائه السياسي ، و ذلك بفعل الإرث الدلالي الشائع لكلمة طاغية ليس في الثقافة العربية فقط بل في الثقافة العالمية بشكل عام، وقد تناول أفلاطون Plato شخصية الطاغية في بعض مؤلفاته و منها كتاب الجمهورية republic ، وتناوله كثير من الكتاب و الفلاسفة. فالدلالة السياسية لكلمة طاغية و أمر صحيح لكن يتضح بعد عدد قليل من الصفحات أن الكاتب يمارس غواية مراوغة القارئ و خداعه ، وأن المعنى السياسي للعنوان يصبح مجرد هامش أو ربما قضية ثانوية بجوار المعنى الاجتماعي و الأخلاقي الذي يمثل القضية المركزية في الرواية، وهذه المفارقة – مفارقة نقل دلالة كلمة طاغية من الفضاء السياسي إلى الاجتماعي متمثلا في الرجل الزوج و هو يمارس طغيانه ضد المرأة ، هذه المفارقة الدلالية هي التي أكسبت الرواية في بدايتها قيمة فنية و جمالية لافتة للانتباه ، لكنها ما تلبث أن تفقد دهشتها و حيويتها و نحن نقلب صفحات الرواية وذلك نتيجة لكثرة تكرارها . تفتتح الرواية بتسلم وسام عبد العزيز بطل الرواية جائزة الشيخ زايد في الآداب عن روايته " الصعود إلى أسفل" في مدينة أبو ظبي ليتوجه إلى مطار دبي (ليستقل) الطائرة المتجهة إلى العاصمة الرومانية بوخارست للقاء صديقته روكسانا الرومانية ليقضيا معا وقتا ممتعا ، وبعد جولة سياحية سريعة في رومانيا يفاجأ وسام بأن الغرفة رقم 34 التي سينام بها في فندق "بيريول ريشي" هي غرفة كانت مخصصة للرئيس الروماني الطاغية تشاوتشيسكو ، وأن هذا الفراش الذي سينام عليه في ليلته هذه هو الفراش ذاته الذي كان ينام عليه الطاغية الروماني . ولأن وسام عبد العزيز بطل الرواية روائي مرموق ورئيس تحرير إحدى الصحف الكبرى ، فقد أصر على كتابة مقاله الأسبوعي في الصحيفة عن تجربته ووصف مشاعره و هو ينام على فراش ذلك الرجل الذي اندلعت ضده هو وزوجته مظاهرات عارمة في رومانيا عام 1989 .. وانتهت محاكمته الصورية بإعدامه هو وزوجته . وبعد نشر مقالته التي تحمل عنوان (على فراش طاغية) و (التي أرسلها من رومانيا ) إلى إحدى عشيقاته ( علياء عودة ) مديرة مكتبه ، أخذت تنهال عليه عدة رسائل على بريده الإلكتروني الخاص للتعقيب على تلك المقالة السياسية ...لكن المفاجأة أن تلك الرسائل الإلكترونية كانت من نساء يعانين من طغاة آخرين ، هؤلاء الطغاة هم أزواجهن الذين أهدروا كرامة المرأة العربية و أن كل واحدة منهن تنام على فراشة ذلك الطاغية (زوجها) لا ليلة ولا ليلتين بل سنوات طويلة . كانت الرسائل تأتي من بلدان عربية مختلفة من مصر ولبنان و المغرب و الحزائر ، وهي دلالات تبين أن القضية عامة و متجذرة في المجتمعات العربية نتيجة للإرث الثقافي الذي تم تطويعه بطريقة مغلوطة لممارسة ذكورية متسلطة و رجعية ضد المرأة كما تقول الرواية . و بعد سرد العديد من وقائع النزوات المختلفة و المشاهد الإيروتيكية للبطل وسام عبد العزيز ، نفاجأ بأن كل الرسائل الإلكترونية التي كانت تأتيه تعقيبا على ذلك الطاغية تشاوتشيسكو هي من زوجته هو نادين الطوخي خريجة كلية الطب جامعة عين شمس والتي كرست كل حياتها للترقي في درجاتها العلمية مهملة بيتها وبنتيها التوأمتين .. وربما في هذا إشارة ضمنية لتقصير بعض النساء في القيام بدورهن المنوط بهن ، لكنها إشارة غير واضحة ، فالمسؤولية من وجهة نظر الرواية تقع على عاتق الرجل الشرقي الذي يعاني من ازدواجية الخطاب الثقافي فهو ينادي بحقوق المرأة ، لكنه يمارس أنواعا مختلفة من القهر داخل البيت ، و يمارس أيضا درجات من الانحلال الأخلاقي و العلاقات الجنسية خارجه. يحتل الجنس في رواية على فراش طاغية مساحة كبيرة ، ويجعله الكاتب محركا و موجها لكثير من أحداث التاريخ .و يحرص هشام فياض في كثير من رواياته على تضفير الواقع و الحاضر بالتاريخ قصصا و أحداثا و أساطير ، و تتجلى ثقافته الواسعة بذلك الحشد لتلك الشخصيات التاريخية مثل موسوليني وهتلر و لينين و جيفارا دراكولا و الدولة العثمانية و معاركها في أوروبا، مع استدعاء مكيافيللي و شكسبير وبعض شخصياته ك ماكبث ، بالإضافة إلى الحضارة الفرعونية وبعض نماذج التراث الإسلامي وغير ذلك من أدوات لدعم بنية العمل الروائي .كما يتناول بعض وقائع الفساد في المجتمع مثل مافيا تجارة الأعضاء و اغتيالها لكل من يحاول كشف فسادهم ، وهي قضية مطروحة بطريقة نمطية في كثير من الروايات ، كما تناول الكاتب قضية الإرهاب و الجماعات الإسلامية والفضائيات التابعة لهم. وتعرض أيضا لثورة يناير والسادات ومبارك بجرأة شديدة . وقد استخدم الكاتب بعض التقنيات المألوفة في العمل الروائي كتقنية القصة داخل القصة (Frame Story) ، لكنها أضعفت من بنية العمل الروائي بسبب أنها تدور حول نفس الموضوع و هو الزوج الطاغية الخائن لزوجته حتى عندما حاول الكاتب تقديم أنماط مختلفة من الأزواج الخائنين وحالات الخيانة، كما استخدم الكاتب تقنية السارد بضمير الغائب (Third person narrator) ، وهي التقنية الأكثر شيوعا . جاءت لغة الرواية بطريقة متوازنة بين السرد و الوصف و الحوار ، بعيدة عن التصوير المتكلف ما أكسبها صدقا وواقعية ، مع بعض الهنات اللغوية كقوله ص 225 : إن للمرأة حقوق والصواب حقوقا ، وغير ذلك من الهنات اليسيرة . وفي النهاية فالرواية جيدة الفكرة تتمتع بجغرافيا مكانية شاسعة لكن توهجها الدرامي أخذ في الانطفاء شيئا فشيئا مع تكرار الأحداث و توقع ردود الأفعال و استاتيكية الشخصيات .