مع غزارة و تسونامي الإبداع الروائي العربي ..فإننا لابد أن نستدعي الناقد الألماني روبرت ياوس و مصطلحه أفق التوقع Horizon of expectation/ Erwartungshorizont . و نحن نطالع كل رواية جديدة لنرى مساحة التشابه و التمايز مع ما هو سائد ..على مستوى الفكرة و المضمون و التقنيات السردية . وعلى الرغم من الملمح الرومانتيكي للعنوان .. " عندما يعتذر الشروق " والذي ينحصر فيه فضاء الدلالة في مساحات ذاتية شفيفة ..فإن الدلالة الحقيقية للعنوان لا يمكن أن يتوصل إليها قارئ أو ناقد إلا بعد قراءة أكثر من نصف الرواية .. وبذلك فإن المؤلف هشام فياض (يتحرر) من فكرة عتبة العنوان (para text) باعتباره مدخلا لقراءة النص الأدبي ..لقد أصبح العنوان )هنا( مراوغا و ربما مضللا للقارئ و الناقد على السواء . فالعنوان هنا يشير إلى (شروق حقيقي) ..حيث تصاب إحدى الشخصيات المركزية في الرواية وهي الطفلة "ماري " منذ ولادتها بمرض نادر يسمى (طفل القمر) ..لا يستطيع المصاب به أن يمارس حياته في النهار .. اته فحياته إما أن تبدأ مع قدوم الليل أو في الظل ... ويمكن اعتبار ذلك دلالة على رفض (خفي) من المؤلف للنظام الكوني و الإنساني بشكل عام ..فأحداث الرواية – وهنا يظهر ملمح آخر من ملامح التحرر من النمطية ..تتمركز في ألمانيا و تحديدا في مدينة " شتوتجارت" فهي رواية ينتمي (كثير ) من شخوصها و أحداثها و أماكنها إلى سياق ثقافي وحضاري مغاير. و بذلك فإن المؤلف يصر على فكرة التحرر من نمطية تناول القضايا العربية التي تهيمن على المشهد الروائي العربي بمستوياته المختلفة ذاتيا و اجتماعيا وسياسيا كي يشتبك مع " الآخر" الغربي . و قد يتبادر إلى الذهن بعض الروايات العربية التي اقتحمت هذه المنطقة – منطقة الآخر- كرواية قنديل أم هاشم للكاتب ( المصري ) يحيي حقي أو رواية موسم الهجرة للشمال (للسوداني) الطيب صالح أو بعض الروايات الحديثة كرواية "الصرصار" (للبناني) راوي حاج .. و رواية "صدام الحضارات حول مصعد في ساحة فنتوريو" (للجزائري) عمارة لخوص .. لكن ثمة اختلافا كبيرا يقدمه هشام فياض ليثبت رغبته في التحرر مما هو سائد ..فهذه الروايات المذكورة ..تنحصر غالبا في فكرة الصدمة الحضارية للمهاجرين العرب أو فكرة العنصرية الغربية تجاه الآخر الشرقي .. وهي الفكرة التي أشار إليها "كبلنج" بقوله : الشرق شرق و الغرب غرب .. ولن يلتقيا .. أما الفكرة هنا أو الرسائل المتضمنة في رواية "عندما يعتذر الشروق" فإنها تختلف بشكل واضح على الرغم من المحاذير التي يمكن أن تقع فيها مثل هذه النوعية من الروايات .. مثل انحياز السارد bias of the narrator أو عجزه عن تقمص الثقافة و الشخصية الغربية التي ينقلها ..بالإضافة إلى السؤال المشروع عن تناوله لقضايا الجنس و الإباحية و التابوهات المعروفة.. وهي القضايا التي عالجها المؤلف بطريقة الفضح و الانتهاك exposure لا الإشارة .. وبذلك فهو قد نجا من فخ السارد المنحاز .. ليكون ساردا موضوعيا (في كثير من الأحيان ) أما الرسائل التي يمكن أن يحتملها الفضاء الدلالي للرواية ..فيمكن إيجازها في الآتي : الرسالة الأولى : تلك الوجوه ذات البشرة الشقراء أو السمراء .. تخفي تحتها عوالم من القبح .. و القسوة التي لا حدود لها و التي تمثلت في الاستعانة بعصابات المافيا من أجل الانتقام و القتل بدم بارد .. والغش و الخداع بين البشرللحصول على كل المتع و إشباع الرغبات والشهوات الممكنة .. (المنصب- المال- الجنس) دون وازع أخلاقي فالتركي المسلم "أوسيم" يفضح علاقة غير شرعية بين أخته المسلمة " أيتين " بالألماني المسيحي "روبرت" الذي ورط "أسيم" في جريمة سرقة كي يتخلص منه .. فينتقم " أسيم" بفضح أخته " أيتين " و"روبرت" ( مدير أعمال السيد "فلهام") أمام أسرة "فلهام" و أمه " كريستيانا التي لا تتورع عن الانتقام من من " روبرت" مستدلة بنصوص دينية من الإنجيل ..فيشهر " روبرت" إسلامه ليتزوج من " إيتين" .. ويلجأ لى عصابات مافيا في تركيا من أجل خطف الطفلة الصغيرة "ماري"ابنة " فلهام " للحصول على فدية ملايين الماركات الألمانية .. وينجح في ذلك .. ويصبح رجل أعمال كبيرا و سياسيا بارزا .. ويقضي على "فلهام " و هكذا تتحكم عصابات المافيا في الهيمنة على الفضاء السردي حتى نهاية الرواية حين يقتل بعض رجال العصابات "روبرت" انتقاما منه لقتله بعض رجالهم نتيجة لتسببهم غير المباشر في موت ولديه بعد إدمانهما المخدرات . الرسالة الثانية ..هي أن الأديان لم تنجح في تهذيب الجنس البشري .. و أن المسيحي كالمسلم كاليهودي أكثرهم متوحشون غشاشون زناة .. و أن التدين هو عملية شكلية يتم من خلاله توظيف النصوص الدينية من أجل تحقيق رغبات و نزوات خاصة . الرسالة الثالثة هي أن العالم العربي يعيش خارج الواقع ..غارقا في أوهام الماضي العريق ..(مدعيا ) أن التقدم الغربي هو عربي بالأساس من خلال السطو على المنجز الحضاري العربي ...و أن العرب (كذابون) .. فالمصري صلاح الدين – و لا يخفى- الدلالة الرمزية للاسم ..كذاب و محتال ..لديه استعداد لارتكاب كل الموبقات من أجل السفر إلى أوروبا هربا من حالة التخلف ...و السائق يكشف خداع المرشد السياحي .. طمعا في السفر هو الآخر . لكن هذه المصارحة قد تصل في بعض الأحيان إلى جلد الذات .. بل و التعصب ضد الثقافة العربية على الرغم من التماسنا العذر للمؤلف . الرسالة الرابعة تتعلق بفكرة التناقض في المعايير الغربية ... فهؤلاء الذين يمارسون التوحش و الانتقام دون حدود .. نفاجأ بهم في بعض الأحيان يخافون من خدش مشاعر إنسان آخر بكلمة أو إشارة .. ويتعاطفون مع طفلة مريضة بمرض القمر .. ويحالون بشتى السبل توفير حياة تناسبها . الرسالة الخامسة أن الحب هو الملاذ الوحيد للخروج من هذا المأزق البشري و الإنساني .. فحب ماري و دانيال ثم زواجهما ..جعلهما يمثلان نقطة الضوء الوحيدة في الرواية على الرغم م أن الدين قد فرق بينهما بعد اعتناق " ماري " للإسلام . وعلى الرغم من أن كلا منهما سار في اتجاه عكس الآخر في نهاية الرواية .
لغة الرواية تميزت لغة الراوية بالحرفية الشديدة .. و التوازن بين السرد و الوصف و الحوار ..و التناغم بين اللغة و الشخصيات وبين اللغة و المواقف ..و قد اتضحت قدرة المؤلف باعتباره شاعرا في استخدام لغته الشاعرة في بعض الأحيان .. وخصوصا في الوصف ..وصف القصر و الأماكن و الغابة .. ومختلف الأماكن في ألمانيا و الجزائر و واحة سيوة . الإيقاع السردي يتميز الإيقاع السردي أو time paceفي الرواية .. بالسرعة في معظم الأحيان و ذلك لكثرة الأحداث و تلاحق المواقف .. فروبرت مثلا يذهب إلى تركيا و يعلن إسلامه و يتعرف على رجال المافيا ويصبح رجل أعمال في صفحة واحدة تقريبا ..على الرغم من أن ذلك يستغرق سنوات ..و بذلك فإن زمن السرد أقل بكثير من زمن القصة في كثير من الأحيان . تقنيات السرد الزمن في الروية هو الزمن المألوف أو linear time فتصاعدت الأحداث chronically وبذلك ابتعد المؤلف عن فكرة التداخل الزمني و التنقل بين الماضي و الحاضر و المستقبل .. وابتعد عن تقنية تيار الوعي stream of consciousness .. ولذلك ..جاءت فكرة الاسترجاع أو flash back نادرة .. وكذلك المونولوج و الحوار الداخلي استخدم المؤلف تقنية من تقنيات المفارقة تعرف ب المفارقة الدرامية الساخرة أو dramatic Irony و هي أن يعرف القارئ ما يخطط للشخصية قبل الشخصية ذاتها .. مثل المكيدة ضد روبرت لأخذ كل أمواله و استدعائه من قبل كرستيانا موهمة إياه بأنه سيكون شريكا لفلهام ..فقام بتحويل كل أمواله لفلهام . و مثل مشهد روبرت و هو يعلن إسلامه في مسجد اسطنبول و المصلون يكبرون .. دون أن يعلموا بأنه مجرم ولص و جاء لتركيا من أجل التعامل مع عصابات المافيا . و مثل مشهد صلاح الدين (في واحة سيوة )عندما استدعاه الشيخ عمران .. وكان صلاح الدين يتصور أنه استطاع خداع ماري ليتزوجها ويهاجر خارج مصر . بينما استدعاه الرجل ليفضح كذبه أمام ماري . الوصف في الرواية .
على الرغم من براعة الوصف في الرواية و تميز لغته الشاعرة إلا أنه كان وصفا حسيا .. لظواهر الأشياء من الخارج (قصر – غابة – مبنى ..)..دون التوغل في عمق النفس البشرية و استنطاقها باستثناء بعض الحوارات الداخلية بين روبرت و ذاته .. فمثلا مشهد ذهاب دانيال إلى لشيخ عمران فجرا من أجل سؤاله عن الإسلام الذي فرق بينه و بين حبيبته و زوجته ماري ..هذا لمشهد كان في حاجة لتكثيف درامي و وصف نفسي عما يدور في داخله بطريقة أكثر عمقا . بعض الهنات على الرغم من قبض المؤلف على للحظة الدرامية و قدرته على الاحتفاظ بتركيز و انتباه القارئ حتى النهاية .. فإنه قد أفلتت منه براعة السرد في أحيان قليلة ... وبخاصة تلك التي تتحدث عن الشبهات ضد الإسلام التي حولت بعض الفقرات إلى خلافات فقهية .. و كأن القاريء يطالع بعض كتب الفقه .. وكذلك الحديث عن الهوية الإسلامية و أزمة الاندماج عند المهاجرين العرب و المسلمين في المجتمعات الغربية ... جاءت كأنه مقالات صحفية تتناول الأزمة . الهنات اللغوية قليلة ..مثل لا ينوي على شيء .. والصواب لا يلوي على شيء .. وهنات أخرى إملائية . و الرواية بانوراما ثقافية طبية و تاريخية و جغرافية و دينية ...تشي بثقافة المؤلف الموسوعية ..و هي تمثل إضافة إلى مشهد السرد العربي .