يعتبر الكيان الهزيل المُسمى "جامعة الدول العربية" بمبناه الضخم الذي يطل على نيل القاهرة هو مثال حي يجسد الفشل على مر العقود في تاريخ الأمة العربية، وأعتقد أن الأموال الطائلة التي تم إنفاقها على بناء وتشغيل هذا المبنى تعتبر أموالًا ضائعة. فلم يواجه أي كيان سياسي الفشل الذريع الذي واجهته جامعة الدول العربية طوال تاريخها أمام المشكلات التاريخية التي واجهت الأمة العربية، بداية من مشكلة فلسطين وهي مشكلة العرب الأولى مرورًا بحرب يونيو عام 1967، واحتلال أراضي أربع دول عربية، عوضًا عن احتلال القدس وتهويد الأراضي الفلسطينية، وغزوها بالمستعمرات الإسرائيلية، ثم حرب أكتوبر ونتائجها الكارثية التي تمخضت عن عزل مصر عن العرب، ثم الحرب العراقية الإيرانية، وتبديد موارد مادية وبشرية هائلة في حرب مجنونة استغرقت ما يقرب من ثمان سنوات، ثم جاء الغزو العراقي الأحمق للكويت، وتلاه تدمير العراق وكل هذه الأحداث كانت برعاية مؤامرات غربية وإسرائيلية واضحة لكل ذي عينين، بل والمضحك أنها كانت أحيانًا بمشاركة الأموال والجيوش العربية، مثلت كل هذه الأحداث فشلًا ذريعًا للكيان الهش المسمى جامعة الدول العربية. وكانت كلمات ومقترحات العامة الساخرة تطالب بتحويل مبنى الجامعة إلى أغراض أخرى أكثر فائدة مثل تحويل المبنى إلى فندق يمكن أن يدر دخلًا أو يتم تحويله إلى جراج عمومي، بل وبلغت السخرية إلى حد أن طالب البعض بتحويله إلى دورات مياه عامة، بينما سخر آخرون من هذا الكيان وذكروا أن عدم وجود عضوية لإسرائيل الغاصبة هو السبب في هذا الفشل. تعتبر قصص الفشل في حياة جامعة الدول العربية أكثر بكثير من قصص النجاح (إن وجدت مثل هذه القصص من الأساس). ولم يذكر شاعر العرب الشهير نزار قباني في قصيدته المعروفة (متى يعلنون وفاة العرب) شيئًا عن جامعة الدول العربية، ربما لأن هذا الكيان كان قد مات منذ وقت طويل، وربما لأن هذا الكيان هو سبب وفاة العرب.. وهو يقول: وحين أفقتُ .. اكتشفت هشاشة حُلمي فلا قمرُ في سماء أريحا ... ولا سمك في مياه الفرات ... ولا قهوة في عدنْ ... ثم يضيف متوجعًا: أحاول مذ كنت طفلا، قراءة أي كتابٍ تحدث عن أنبياء العرب.. وعن حكماء العرب ... وعن شعراء العرب .. فلم أرَ إلا قصائد تلحس رجل الخليفة من أجل حفنة رزِ ... وخمسين درهم .. فيا للعجب !! حتى يقول في البيت الأخير رأيت العروبة معروضة في مزاد الأثاث القديم .. ولكنني .. ما رأيت العرب !!.. والعامل الأكبر في فشل الجامعة هو أن هذه الدول أو معظمها أقوى من الجامعة وقرارات الجامعة، فدولة المقر هي التي تتحكم في تعيين أمين عام الجامعة، وتقوم بحرمان كفاءات سياسية عربية أخرى من هذا الشرف، ربما كان هذا الأمر مفهومًا عندما كانت مصر تقود العالم العربي، ولم يعد ذلك مستساغًا بعد اتفاقية "كامب ديفيد"، ولم يحدث أي خروج عن هذه القاعدة إلا مرة واحدة عندما تم نقل مقر الجامعة العربية إلى تونس في أعقاب اتفاقيات "كامب ديفيد" التي مزقت الأمة العربية شر ممزق، وكانت نقطة البداية في تحجيم دور مصر وتحطيم أكبر الدول العربية واحدة تلو الأخرى، وهي الفوضى الخلّاقة التي بشرنا بها السفاح "جورج بوش" وأركان عصابته من اليمين المتطرف في الإدارة الأمريكية. كما كانت الدول التي تدفع النصيب الأكبر في ميزانية الجامعة هي الأكثر تأثيرًا، بل إن الأمر الأكثر غرابة من ذلك أن مكافأة نهاية خدمة الأمين العام لجامعة الدول العربية، كما قيل تقوم بدفعها دولة بترولية خليجية، وبالتالي فإن الأمين العام الذي ينتظر مكافأة نهاية الخدمة من دولة معينة لا يمكنه إلا أن يرعى المصالح الذاتية الضيقة لهذه الدولة دون النظر إلى المصالح الاستراتيجية العليا للدول العربية. وبينما يتم اختيار أمين عام الأممالمتحدة وهو كيان دولي من أي دولة، ويمكن أن تكون من الدول النامية، وكانت مصر التي قدمت بطرس غالي أمينًا عامًا هي إحدى هذه الدول. وقصص الفشل في حياة جامعة الدول العربية لا حصر لها... فشل هذا الكيان البائس في إجبار إسرائيل والمجتمع الدولي على استعادة الأراضي والمقدسات العربية المغتصبة، ولا زالت الجولان السورية ومقدساتنا في القدس ومزارع شبعا اللبنانية تحت الاحتلال الإسرائيلي الذي أعلن بكل وقاحة ضم هذه الأراضي إليه وسط صمت عربي مريب. وقد فشلت في التدخل واحتواء الأزمة بين دولتين إسلاميتين وهما العراق وإيران، وبالتالي فشلت في منع نشوب حرب ضروس استمرت ما يقرب من ثماني سنوات أكلت الأخضر واليابس وكبدت العراق ودول الخليج مجتمعة ما يعادل 600 مليار دولار، فضلًا عن مليوني قتيل وملايين أخرى من المصابين والمشردين، بل ورفع العرب شعارات بلهاء تمجد في صدام حسين وتصفه بأنه حامي البوابة الشرقية، قبل أن ينقلب هو عليهم وينقلبوا عليه بعد ذلك. ثم فشلت جامعة الدول العربية مرة أخرى في الحيلولة دون جريمة غزو نظام صدام حسين للكويت. ثم فشل هذا الكيان الذي لا ضرورة له في منع أمريكا والغرب من تحطيم العراق واحتلال أراضيه تحت ذرائع كاذبة، بل والمؤسف أن الدول العربية ساهمت مرة أخرى بجيوشها وأموالها في تحطيم العراق. فمتى يتم دفن الجثمان الذي يرقد على نيل القاهرة؟