عبد النبى: الشهرة والفرقعة دوافع لبعض المحامين عبد العظيم: "قضايا" هدفها تأديب المعارضين والبحث عن الشهرة غباشى: هناك دعاوى هدفها الصالح العام للمجتمع العوضى: البلاغات مزايدات رخيصة للتقرب من السلطة كثير من البلاغات والقضايا، ترفع ضد العديد من الشخصيات السياسية المعارضة، بتهم مختلفة، فنجدها تتحول لقضايا حسبة سياسية الهدف منها التخلص من المعارضين، أو تصفية خلافات شخصية تكون بين مقدمى البلاغات والسياسيين، إلا أن الملاحظ أن أغلبها ترفع تحت شعار "من أجل حماية المجتمع وحفاظًا عليه"، واللافت أن هذه القضايا ليس جديدة على المجتمع المصرى فقد كانت موجودة عبر الأنظمة السابقة، نرصد فى السطور التالية أشهرها. تهمة قلب نظام حكم "السادات" وانتفاضة الخبز أشهر القضايا، التى تم فيها توجيه تهمة قلب نظام الحكم، عبر أغلب الحكومات بداية من السادات ومبارك وحتى مرسي، كانت قضية انتفاضة 18 و19 يناير 1977، التى قامت بشكل تلقائى من الشعب، اعتراضًا على قرارات وزير المالية القيسونى، برفع أسعار الخبز والسلع الأساسية، واجتاحت المظاهرات القاهرة وعددًا من المحافظات. تمت السيطرة على الأوضاع، لكن أجهزة الأمن اتهمت اليسار والقوى الوطنية ب"قلب نظام الحكم"، بعد إلقاء القبض عليهم وتم تقديم 175 سياسيًا وصحفيًا وطالبًا وعاملاً ومحاميًا للمحاكمة، إلا أن محكمة أمن الدولة العليا حكمت ببراءة المتهمين فى إبريل 1980. "شحاتة المعسل وطبلة".. تهم واجهت "نجم وعلى" لم تخلو الاتهامات من الطرائف، حيث كان الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، من بين الشخصيات التى اتهمت أكثر من مرة بالتخطيط لقب نظام الحكم، ومنها قضية أتهم فيها نجم ورفيق دربه الشيخ إمام عيسى بذلك. كان الشاعر نجم، يلقى قصائده النقدية فى مواجهة السادات، سواء فى الجامعات أو التجمعات العمالية، ومن قصائده الشهيرة كانت «بيان هام»، التى كان يشير فيها إلى شخصية شحاتة المعسل، وبسبب هذه القصيدة، التى تتحدث عن الرئيس الراحل السادات خطاباته وانحيازاته الطبقية، تم اتهامه بإهانة الرئيس وقلب نظام الحكم، بينما اتهم الشيخ إمام بالاعتداء على ضابط. وترافع أحمد نبيل الهلالى، فى القضية مفندًا التهمة قائلاً: القصيدة موضوع الاتهام تتحدث عن شخص دجال اسمه شحاتة المعسل وللرئيس السادات مؤلفات تملأ السوق ولم تقرأ على غلاف إحداها اسم شحاتة المعسل. وقدم الهلالى كتب «البحث عن الذات» و«يا ولدى هذا عمك جمال» وغيرهما، وهى موقعة باسم أنور السادات. وفى قضية أخرى، تم اتهام نجم والشيخ إمام ومعهما محمد على طبال الفرقة والفنان التشكيلى، بتشكيل تنظيم سرى لقلب نظام الحكم، وترافع الهلالى، عن محمد على، ووجه كلامه إلى رئيس المحكمة قائلاً: "موكلى متهم بقلب نظام الحكم، فهل تتصورون عدالتكم ما هى أداة قلب نظام الحكم؟"، فانتظرت المحكمة ليجيب الهلالى، فما كان منه إلا أن توجه إلى منصة النيابة ونقر بإصبعه مقلداً حركة الطبال وقال «الطبلة سيدى الرئيس»، فضجت المحكمة بالضحك. اتهام "نور" بالتزوير بعد "رئاسية 2005" اتهم أيمن نور رئيس حزب الغد بالتزوير، واعتقل فى 29 يناير 2005 بتهمة تزوير توكيلات ألفى شخص، لتأمين حصول حزبه المعارض على الترخيص، وهى تُهمة فى نظر أنصاره "لها أسباب سياسية" . أثار اعتقاله ردود فعل دولية، أبرزها ما صرحت به وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايز، عندما التقت نظيرها المصرى وقتها أحمد أبو الغيط، فى أول زيارة قامت بها للقاهرة، وقالت له إنها تأمل أن ترى "حلاً سريعًا لمسألة اعتقال د. أيمن". أفرِج عنه بعدها بكفالة مالية مع استمرار التحقيقات، وفيما تتهمه الحكومة، على لسان صحفييها، بأنه رجل أمريكا ووجهها الجديد فى مصر، وهى تهمة كفيلة بحرق ورقة الرجل الذى تنتظره حياة سياسية حافلة، يقول نور: "ليس عندى أى معلومات عن هذا الموضوع، ولم أطلب من أحد أن يدافع عني، وفيما يتصل بالتأييد أو التعاطف الدولى، فأنا مع التعاطف الدولى، لكننى ضد التدخل الخارجي". "صلاح دياب وعادل صبرى" آخر ضحايا البلاغات منذ أيام تقدم محام، ببلاغ للنائب العام، يطلب فيه منع رجل الأعمال، صلاح دياب، مالك صحفية المصرى اليوم، التى غرمت ب150 ألف جنيه أثر عنوانها المثير"الدولة تحشد الناخبين"، ومالك محلات "لابوار"، من مغادرة البلاد وضبطه وإحضاره، وكذلك رئيس حى غرب القاهرة، وذلك بتهمة تعلية لعقار، وبناء 2 دور مخالف، فوق عمارته بالزمالك. وكان لرئيس تحرير موقع مصر العربية عادل صبرى، أمر مماثل من البلاغات، حيث ألقت قوات الأمن القبض عليه مساء الثلاثاء الماضى، بتهمة فتح الموقع بدون ترخيص من الحى، يأتى ذلك بعد أيام من تغريم الموقع نفسه 50 ألف جنيه أثر تقرير مترجم عن الانتخابات الرئاسية. سياسيون: دوافع شخصية تحرك هذه البلاغات يقول مختار غباشى، المحلل السياسى، ونائب رئيس المركز العربى للدراسات السياسية والاستراتيجية، إنه حاول كثيرًا تحليل ما يحدث فى هذا النوع من القضايا ومعرفة الدافع الحقيقى وراء تقديمها، لكنه لم ينجح فى ذلك، خصوصًا أن مثل هذا النوع من القضايا التى يقوم بها أشخاص معينة، وفى توقيتات وظروف معينة، سواء بدوافع شخصية أو بإيحاء من الدولة لهم، فالواقع لدينا تفسيرات كثيرة جدًا لكن يصعب تحديدها والتطرق إليها. وأضاف غباشى، خلال تصريحات خاصة ل"المصريون"، أنه خلال هذه الفترة يتزعم بعض المحامين هذا الأمر، مثلما كان يحدث فى السابق عند انتشار ما يعرف بقضايا الحسبة الدينية، فمثل هذا النوع من الأشخاص عليهم علامات استفهام عديدة هم فقط القادرون على الإجابة عليها. وأوضح المحلل السياسى، أن هذا النوع من القضايا بالفعل يتم النفع من ورائه، لكن ليس كما يجب أن يكون، فالنفع الحقيقى وراء ذلك لابد أن يكون للمجتمع والبلد والغيرة على الدين والوطن، لكن ما نراه الآن هو فقط منفعة شخصية للشهرة فقط. وأشار غباشى، خلال تصريحات خاصة ل "المصريون"، إلى أن هذا الموضوع شائك للغاية، وخطره كبير بالأخص خلال هذه الفترة ومع محاربة الإرهاب، وأن كل شخص يقوم برفع قضية معينة ضد شخص ما، مدعيًا أنه ارتكب جرمًا معينًا، وتأخذ به المحكمة لابد وأن يكون هناك تفسير منطقى من الجهات المعنية. أوضح الدكتور فؤاد عبد النبى، الفقيه الدستورى، أن المادتين 198 و98 من الدستور، تنصا على أن المحامى شريك للقضاء فى إقامة العدالة، وإنشاء دولة سيادة القانون، بموجب ذلك يحق له عندما يرى أن هناك مخالفة ما من أى نوع، يقوم بتقديم بلاغ رسمى للنيابة العامة، ودستور 2014 أعطى للمحامى الحكومى حصانة وأصبح سلطة قضائية، وذلك لم يحدث من قبل. وأضاف عبد النبى، خلال تصريحات خاصة ل"المصريون"، أن الدستور رغم أن هناك مخالفة فى المادة 182 مكرر من قانون العقوبات تنص على أن كل من يقوم بتقديم بلاغات أو بيانات ومعلومات كاذبة عن عمد أو سوء نية تهدد السلم العام وتؤدى لإثارة الفتنه بين المواطنين والإضرار بالصالح العام للدولة يقدم للمحاكمة، وذلك يؤدى إلى حالة من الرعب لكل من يتقدم بمثل هذا النوع من البلاغات خصوصًا لو كان شخصًا عاديًا غير محام. وأضاف عبد النبي، أن البعض يقوم بتلك اللعبة كنوع من المصلحة الشخصية، ففى هذه الحالة هناك بعض المحامين يقومون بالتلاعب ببعض نصوص القوانين، لأن المواطن العادى لديه هذه الصلاحية لرفع مثل النوع من البلاغات، لأنه يعد ابن من أبناء البلد ومن حقه الدفاع عنها، لكن فى حالة واحدة عندما تكون القضية تمس مصلحة البلد أو تهدد أمنها العام. وأردف، هناك بعض الأشخاص يُدفع بهم لرفع هذه القضايا، ويدفع لهم وهم أداة سخرية لجهات معينة لتلبية مصالحها، أو انتهت حياتهم، وهؤلاء قلة مكروهة وسط الناس لا يحترمون أنفسهم ولا وطنهم ومعروفون جيدًا لدى الجميع، وهم متربصون ضد مصلحة البلاد. وأشار الفقيه الدستورى، إلى أن هناك فئة أخرى، انتشرت مؤخرًا وهم من يتظاهرون بأن الدافع وراء ذلك المصلحة العامة وتحقيق العدالة، لكنهم فى الحقيقة يبحثون عن الشهرة والفرقعة لزملاء المهنة الواحدة، والتملق والتقرب للنظام والمصالح الشخصية، والدليل على ذلك هناك عدة قضايا عامة شائكة تهدف لمصلحة البلد، لم نر واحدًا منهم يتقدم ببلاغ واحد "قطعت ألسنتهم جميعًا". حازم عبد العظيم، الناشط السياسى المعارض، ورئيس لجنة الشباب بحملة «السيسى رئيسًا» عام 2014 سابقًا، رأى أن هناك شقين لهذا الموضوع، الشق الأول، له علاقة بأخلاقيات المجتمع عندما يظهر كليب يحتوى على مشاهد خارجة، وهذا النوع يسعى إلى الشهرة والتلميع وتسليط الأضواء حوله والتقرب من السلطة وهكذا. والشق الثانى، سياسى وهو ما يسمى ب "الهباش"، حيث إن لكل فترة سياسية لها هباشها، الذى يقدم ما يقارب من 15 بلاغًا فى أقل من عام، تحول الكثير منها للقضاء وحجته الأمن العام. وأوضح عبد العظيم، خلال تصريحات خاصة ل"المصريون"، أن هذا النوع من البلاغات عادة يكون كارت تحذير ضد المعارضين، وفى بعض الأوقات من يخالفون القانون من وجه نظرهم، مثل ما حدث مؤخرًا مع رئيس تحرير جريدة "المصرى اليوم"، البعض يرى أن ما حدث معه ظلمًا بينًا، والبعض الآخر يرى أن ما نشره يعد تجاوزًا ويهدد الأمن العام. يرى طارق العوضى، المحامى والحقوقى، أن هذه القضايا تعد نوعًا من أنواع المزايدة الرخيصة، والدافع الوحيد جراء ذلك الحصول على رضا النظام، وتوصيل رسالة لهم بأنهم "تحت الطلب" على حد قوله.. للتقرب من السلطة. وأوضح العوضى، خلال تصريحات خاصة ل "المصريون", أن هناك خلطًا وجهلاً كبيرًا بين الناس، فى معرفة الفرق بين حق النقد وحق الرأى والتعبير والجرائم, ففى النهاية الدستور نفسه ينص على حق الرأى والتعبير، وذلك يوجد فى كل المجتمعات الديمقراطية، وحق التبليغ عن الجرائم هو حق مكفول للجميع. وأضاف المحامى الحقوقى: "للأسف نقوم بإساءة استغلال الحق بالبلاغات الكاذبة وتحميل الواقعة أكبر من حجمها، والمفترض أن يكون الغرض الوحيد وراء الشخص الذى يتقدم بهذا النوع من القضايا دافع الغيرة على الوطن، إذا حدث خطأ كبير أو شطط فى الرأى والقضاء المصرى مستقر على ذلك منذ سنوات طويلة جدًا". وأكد العوضى، خلال تصريحاته ل"المصريون"، أنه فى المرحلة الأخيرة وتحت دعاوى محاربة الإرهاب، حدث خلط بمفاهيم كثيرة فيما يتعلق بالحقوق والحريات بشكل عام، والجميع يتحدث عن هذا بما فيهم إعلام النظام، الذى يؤكد دائمًا أننا بحاجة لفتح المجال العام ومشاركة أوسع، واحترام الرأى والرأى الآخر، من أجل صناعة التنمية الحقيقة والتخفيف من حدة الاحتقان السياسي، فطبيعة المرحلة الحالية تحتاج لذلك.