في البلاد المتحضرة والتي يحكمها العقل المؤسسي ومن ثم غادرت غيبوبة فراغ العقل، من الطبيعي والمألوف أن يقوم المستشارون أو المفكرون بها برسم الخطط ووضع السياسات التي تنتهجها المؤسسات التي يعملون فيها، ومن ثم يعقبها القرار من المسئول التنفيذي ليبدأ التطبيق، لكن في بلادنا يحدث عكس ذلك بحيث يقول صاحب القرار ويُملي توجيهاته أولاً والتي غالباً ما قد تكون وليدة اللحظة والظرف الحالي، أونظراً لغياب الرؤية المستقبلية أو العقبات التي يُحتمل مواجهتها ونتيجةً للسرعة أوالسطحية في التفكير. القرارات السريعة التي يتخذها المسئول بالتأكيد سوف تأتي بنتائج سلبية، هذا بالإضافة إلي خلق أجيال من مستشاري أو مفكري تلك المؤسسات يغلب عليهم ثقافة التبعية والخنوع والإستكانة والتزلف وكذلك الهرولة في التصديق علي كلام المدير المسئول وإعتباره-نفاقاً-أفكار لم تخطر لأحد عبقري مثله من قبل ومن الإبداع، لذا أصبحنا نسمع كلام من بعض الصفوف الثانية في تلك المؤسسات مثل "نحن في إنتظار تعليمات سعادة المدير" أو "حسب تعليمات السيد الوزير فلان" وهكذا. قطعاً لم توجد في مجتمعاتنا مقولة "كلام المدير أو الرئيس، هو رئيس الكلام" من فراغ فهي تعكس حالنا وواقعنا المعكوس والمأساوي. تلك السياسات التي تنتهجها أغلب مؤسساتنا ساهمت في إيجاد أو خلق ثقافة الفهلوة والفبركة وكذلك التلفيق أو الترقيع في معظم إداراتها واعمالها، فأوجد مناخ وتربة خصبة لا ينمو أو يترعرع فيها سوي الغوعائيين والمدعين محدودي الكفاءات والأفاقين أو تجار الفرص الإنتهازيين، والذين تصدروا المجالس في تلك الإدارات وتراجع أو غاب أو بالإحري تواري الأكفأ والأفضل والذي بغيابهم تتأخر أو تفشل، بل تخسر أو تنهار بعض تلك الإدارات.