في البلاد التي تطبق مباديء ومفاهيم الديموقراطية مثل أمريكا-بغض النظر عن رفضنا لبعض سياساتها في المنطقة-فعند متابعتي للمناظرات التي تمت في التصفيات التي تمت بين المتسابقين في الحزبين الجمهوري والديموقراطي منذ فترة كي تُسفر علي مرشح واحد من كلا الحزبين ليخوض إنتخابات الرئاسة القادمة لاحظت أنه إضافة لما يمتلكه المتسابق من علم علم وتدريب مسبق من خلال تفعيل دور الحزب في توليد كوادر وصف ثان وثالث وهكذا، من المؤكد أن تلك المناظرات سوف تعود بنتيجة إيجابية عليه حيث يتدرب علي سرعة البديهة والطلاقة في الحديث والتمرس علي الخروج الآمن من الأسئلة الصعبة والمُحرجة مهماكانت التحرشات اللفظية تجاهه من قبل الآخر. نسمع ونقرأ عن مراكز لتنظيم دورات لتأهيل كوادر، وبالتاكيد يُصرف عليها الكثير من أموال الدولة من أجل إعدادها كوادر كي تتبوأ مراكز قيادية وبالتالي تنتهج أسلوب علمي وبشكل حضاري تقود للأمام وللأفضل. إلا أن واقعنا الفعلي لا ينعكس عليه ذلك لأن شغل الوظائف القيادية في بعض المؤسسات لا تخضع لمعايير ثابتة ومحددة، بل أحياناً الصدفة والمزاج وأحياناً المحسوبية هي المعيار الاول في ذلك.
كشفت مواقف كثيرة عن أن بعض المسئولين الذين يشغلون وظائف هامة في بعض مؤسساتنا عن أن إختيارهم قد تم غالباً علي عجل أو علي أساس أنهم من "أهل الثقة"، لأن السمة الغالبة لبعضهم هي السذاجة والإندفاع في إصدار تصريحات دون ترو أو تفكير ُمسبق منطقي والذي يعكس غياب الثقافة بشكل عام أو حتي في نطاق مجال عملهم وتخصصهم. أتذكر بعض مواقف لبعضهم حينما واجه بعض الأسئلة المباغتة أو بعض المواقف التي تتطلب الكثيرمن الحنكة والديبلوماسية فكان سلوكه في غير محله وبالتالي لا يتناسب وعراقة مصر، أو بعضهم الذين لا يحسنون التكلم بأسلوب مناسب لوظيفته. لذلك يكمن الخوف في المقولة التي مفادها أنه إذا تقدم الأراذل، تقهقر الأفاضل وغابوا عن الساحة وندخل في منظومة العبث "سمك ، لبن تمر هندي".
البعض ممن يجب ان يكون لديه علي الأقل قدر من الثقافة الموسوعية أو الإلمام ببعض أمور الحياة نُصدم لأن أكثر كلام هؤلاء وأحاديثهم تغلب عليه السطحية والإبتذال والسذاجة المُفرطة وفي بعض الأحيان التفاهة في إختيار موضوعات النقاش وكذلك غياب المفردات الصحيحة .أغلب الظن أن ذلك يرجع الي الحصاد البشع لعقود طويلة من التصحر الثقافي وتدهور مستوي التعليم وغياب التنوع في الرؤي والأفكار لقلة القراءة خارج التخصص الاكاديمي ومن ثم التعصب الأعمي لأي شيء. كتب أحد المفكرين عن أسباب تلك الظاهرة أنها تأتي نتيجة لإصرار البعض وإختيارهم البائس لغيبوبتهم والتي تتمثل في غياب "جدل عام" أمام "فائض صخب ورغي عام". فالكثير في مجتمعاتنا يحب االعيش في خدر الوهم وكسل الجهل لأنه في تصورهم لذيذ ومريح لذا كان دكتور زكي نجيب محمود علي عنهم-في عصره- أنه يجب أن تُوقد ناراً تحت جِنوب هؤلاء الكسالي حتي تستيقظ العيون وتأرق القلوب في هذا العصر المضطرب القلق اليقظان. .
كتب الدكتور جمال حمدان في كتابه شخصية مصر عن تأثير البيئة الفيضية علي طباع المصريين قائلاً "...فالنظام والقانون أصبحا جبناً وإستكانة ووشاية أو سلبية، وروح التعاون التي تربط السكان أصلاً....تحولت الي المحسوبية والمحاباة...أما المزاج فتدهور الي تزلف ورياء وسعي لدي السلطان وكذلك الي وح السخرية المريرة".
لذلك يجب أن يعلم من يتصدر المشهد خاصة المسئولة عن بناء العقول أن غياب وفراغ العقول وتجريفها مقابل حشو وتسميم عقول الشباب بشكل خاص بأفكار أو تفاهات سوف يؤدي بالمجتمع لكوارث لا يعلم مداها إلا الله. علي أن يكون البديل تربية وتعليمهم بشكل صحيح مستفيدين من تجارب البلاد التي تركت الجهل والفقر وأصبحت في المقدمة بفضل قيادات مستنيرة عمادها الوضوح والشفافية والعدل. أيضاً من المهم التخلص من العقد التي ورثناها والتي منها الأنانية وإحتكار الحقيقة وتهميش الآخر.