"يُمسي علي حر ويصبح علي بارد" مثل عربي يعكس حقيقة من يتكلم بكلام حماسي سواء بين الناس في تعاملاتهم العادية أو في إجتماعات رسمية داخل المؤسسات، أو موجه من مسئولين الي المواطنين، السمة الرئيسية هي رطانة وكلام في كلام-مكلمة-ممزوجة بالفهلوة والعنترية والمزايدة في القدرة علي الإنجاز، والنتيجة "طحن بلا دقيق" لأن عندنا البون شاسع بين سهولة القول وصعوبة الإنجاز. كلام المسئولين هو الذي نقصده ونستهدفه هنا حيث يترتب عليه وعود واماني يعيشها ويصدقها المواطن وقد تؤدي به في النهاية إلي الشعور بالإحباط حينما لا يري أي منها قد تحقق، فبعض المسئولين عندما يتكلمون تكاد حروف كلماتهم تشتعل بحرارتها وحماسها والثقة عند النطق بها، بينما عند التنفيذ يتملمصون ويتهربون من كلامهم ووعودهم وكما لو أنهم لم يقولوا شيئاً، وقد يصل الأمر الي أن بعضهم قد يُبرإخفاقه في تحقيق ما وعد به المواطنين في انهم لم يهيئوا المناخ المناسب لسيادتهم كي يحققوا ما قالوه من كلام ووعود، يذكرنا بمالمشهد الذي يتكرر في مجتمعنا وهو خداع رجل لفتاه-في الغالب في عمر والدها-حينما يعدها بالقصور والخدم والحشم وغيره مما تحلم به الفتيات، ثم وبعد أن تقع في الفخ ويقضي الرجل وتره منها، تصحو الفتاه المخدوعة علي كابوس مرعب وأكذوبة كبيرة، حقاً وكما يقول البعض عن الساذجين: طيبون أولئك الذين يعتقدون أنهم يمنحون شيئاً، وأكثر منهم طيبة أؤلئك الذين يصدقون أنهم قد أخذوا شيئاً.
الذين يقولون مالا يفعلون سواء من الأفراد او المسئولين وخاصة المتذاكين منهم، لا يدرون أن كلامهم ووعودهم حينما تتكرر بلا نتيجة لن تنطلي مرة أخري علي أحد، فالكلام يجب أن يعكس فكرة أو حقيقة موضوعية وعلمية-ليس مرسلاً أو فهلوة-بما يحمل في صلبه من طريقة لتطبيقه أو تحقيقه علي أرض الواقع، فالشفافية ثم الشفافية والصدق حتي لا تتسع مساحة فراغ الرؤية عند مسئولينا بحيث تصعب ملئها، لأنه وكما قال أحد المفكرين أنه لن يملأ فراغ الرؤية الذي أصاب مصر منذ خمسون عاما آمال جوفاء، تحملها عناوين رنانة مقروءة أو مسموعة.
الوعود الكاذبة أصابت من الناس الذين من المفترض أن رزقهم ورأس مالهم يعتمد علي مصداقيتهم، أولئك هم التجار وأصحاب الحرف المختلفة وآخرين، غالبية هؤلاء أصبحت بضاعتهم الكلام الممزوج بالوعود الخادعة والكاذبة وشعارأغلبهم الهبش والفهلوة والطلسأة والإبتزاز كما لو أنها المرة الأولي والأخيرة مع من يتعامل معهم. هل المناخ الذي نعيش فيه هم الذي أدي بنا الي ذلك وأفرز من يبيعون لنا الوهم بحيث أصبح الصادقين في مجتمعنا عموماً عملة نادرة، البعض من المفكرين يفسر ظهور تلك الخصال في أي مجتمع حسب ما يسوده من أمور مثلاً يقول عبد الرحمن الكواكبي "إن الإستبداد مفسدة كبري تدعو الناس إلي الإنحطاط والتسفل، ويضطر الناس الي إستباحة الكذب والتحيل والخداع والنفاق والتذلل وإلي مراغمة-تبلد-الحس وإماتة النفس ونبذ الجد وترك العمل....الي غير ذلك من الخصال الملعونة".