عشنا وشفنا اليوم الذي أصبح فيه الكذب حلالاً، كما أصبح فيه الصدق والأمانة حراماً.. انقلبت موازين الحياة في مصر، فضاعت القيم وذهبت الأخلاق وحلت محلها المصالح والمغانم والمكاسب. قد يقال إن العمل السياسي في أغلب الأحوال يكون به بعض الأكاذيب والخداع، هذا بالطبع من أجل تحقيق مصالح الشعب وخدمة للأهداف العليا للبلاد.. ولكن، هل من المعقول أو المتصور أن يكون الكذب والخداع وسيلة لبعض الذين يرتدون عباءة الدين ويتظاهرون بمظاهر التدين، من الذين يعرفوا بدعاة الدين السياسي؟.. هل يقبل من مثل هؤلاء الكذب والخداع باسم العمل السياسي؟.. الكذب أصبح هذه الأيام هو القاعدة، أما الصدق فهو الاستثناء، لقد ضاعت القيم والأخلاق سعياً وراء المكاسب الشخصية. في بداية الأمر حينما انتشرت ظاهرة الكذب بين البعض، ظننت أن هذا الكذب بمناسبة شهر إبريل، باعتبار أن عامة الناس قد اعتادوا في مثل هذا الوقت من كل عام علي طرائف الكذب المعروف بكذبة إبريل.. ولكن، حين عدت بذاكرتي قليلاً، فقد تلاحظ لي أن هذا الكذب لا علاقة له من قريب أو بعيد بهذه الطرفة.. لقد لاحظت أن هذه الأكاذيب كلها كان الغرض من ورائها المكاسب والمغانم الشخصية ليس إلا.. قد يدعي البعض تبريراً للكذب، بأن الظروف والملابسات في الحياة تغيرت، وبالتالي يمكن الكذب من أجل تحقيق بعض المصالح العامة من وجهة نظر البعض.. ولكن مع الأسف الشديد، فإن المبادئ تتجزأ ولا تتغير، فهناك القيم وهناك الأخلاق ومن المفروض أن كل هذا يأبي الكذب. يقول الله تعالي في كتابه العزيز (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُون) «صدق الله العظيم». فإذا كان الله سبحانه وتعالي يمقت الكذابون.. إذن، فهل من المقبول أن يخرج الكذب من بين بعض الذين يتمسحون بالدين، الذين يطلق عليهم دعاة الدين السياسي؟.. هل يقبل منهم الادعاء بأنهم قادرون علي إنقاذ مصر باسم الدين؟.. هل الله سبحانه وتعالي وعدهم بذلك؟.. ألم يسمع هؤلاء قوله تعالي (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون).. ثم ما قولهم في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام «أربعٌ من كنَّ فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتي يدعها.. إذا حدث كذب.. وإذا وعد أخلف.. وإذا خاصم فجر.. وإذا عاهد غدر». وإليك عزيزي القارئ بعض من الأكاذيب التي خرج علينا بها البعض من أصحاب الاسلام السياسي في الأيام الماضية: - قالوا إنهم لن يرشحوا أحداً لرئاسة الجمهورية، ثم سرعان ما رشحوا منهم أكثر من مرشح. - قالوا إنهم لا يسعون إلي تشكيل الحكومة، وكانوا أول من أيد حكومة الدكتور الجنزوري، واليوم يطالبون بعزل الحكومة وتشكيل حكومة وفقاً لأهوائهم. - قالوا في استفتاء مارس عام 2011 إن من يقول «نعم» سيدخل الجنة ومن يقول «لا» سيدخل النار، كذباً وخداعاً وصولاً للحكم. - قالوا إنهم لن يترشحوا علي مقاعد مجلس الشعب بنسبة تزيد علي 30%، ثم فوجئنا جميعاً وقت الانتخابات بأنهم ينافسون علي جميع المقاعد بنسبة 100%. - قالوا إن الجمعية التأسيسية للدستور ستكون مشاركة بين جميع طوائف الشعب لا مغالبة، ومع ذلك حصلوا فيها علي الأغلبية الساحقة التي تحقق لهم مغالبة أي فصيل آخر. - وما حدث بالنسبة للجمعية التأسيسية للدستور حدث أيضاً بالنسبة للجان مجلس الشعب، فقد حصلوا علي رئاسة كل لجان مجلس الشعب بلا استثناء. - خرج علينا أحدهم مدعياً الاعتداء عليه من قبل اللصوص الذين سرقوا منه مبلغاً مالياً كبيراً، ثم فوجئنا بعد ذلك أن ما به من إصابات بسبب إجراء إحدي عمليات التجميل. - أقسم آخر علي أن والدته لا تحمل غير الجنسية المصرية، ثم فاجأتنا اللجنة العليا للانتخابات بأن والدته تحمل الجنسية الأمريكية بخلاف جنسيتها المصرية. لقد ناديت وآخرون غيري مراراً وتكراراً، بأنه يجب علينا أن ننأي بالدين عن العمل السياسي، لما يكتنف العمل السياسي من كذب وخداع ومؤامرات.. ولكن مع الأسف الشديد، البعض من أصحاب الدين السياسي أبوا إلا أن يقحموا الدين في الحياة السياسة، رغم ما يكتنفها من زلات وسقطات لا تتفق مع مفهوم الدين الإسلامي الحنيف، فوجدنا الآن من بيننا من يستحل الكذب ويحرم الصدق.