بارك الله فى ثورة 25 يناير وفى الشعب المصرى الذى أشعلها ليفتح الباب لزيادة الوعى الجماهيرى، وليصبح الشعب حارسًا يقظًا وأمينًا على مصالح البلاد. وقد نجحت الثورة فى فضح تآمر النظام المخلوع وتفريطه فى مصالح الوطن لصالح الأجانب، سواء بالترغيب والرشا أو بالترهيب والتدخل فى شئوننا. ومن قضايا التفريط المهمة التى اقترفها هذا النظام قضية "الصناعات الرديئة"، التى حذرنا منها تكرارًا دون أن يسمع إلينا أحد من المسئولين المفرطين.. وهى قضية غاية فى الخطورة، وتحتاج إلى وقفة جماهيرية يشارك فيها العلماء والكتاب والمثقفون لحماية الوطن فى زمن التدليس والعولمة. فبانتشار الوعى البيئى وإدراك الشعوب الواعية لمخاطر التلوث الصناعى.. ومع تزايد الصناعات المعتمدة على التقنيات العالية المتقدمة التى لا تحتاج إلى الكثير من الأيادى العاملة؛ بدأت الدول الصناعية تعيد النظر فى نوعية المصانع المسموح ببقائها على أراضيها.. وقاموا بفرز وتصنيف المصانع لتحتفظ الدول المتقدمة بالصناعات النظيفة غير المؤذية للإنسان والبيئة، والتى تحتاج إلى عمالة أقل وكفاءة أعلى، وتلك التى يمكن أن نطلق عليها "ما قل حجمه وارتفعت قيمته". أما الصناعات الرديئة، المؤذية للبشر، الملوثة للبيئة، المنتجة للنفايات الخطرة، المستهلكة للطاقة (الإنسانية أو الطبيعية).. فقد بدأ الغرب يقذف بها إلى الدول المتخلفة؛ التى تفرح بتنمية قدراتها الصناعية وتوفير فرص عمل لأبنائها، ولا تلتفت إلى عواقبها المدمرة. وعلى الرغم من أن فكرة التخلص من الصناعات الرديئة معروفة لدى الطرفين (الشمال الذى يسعى للتخلص منها مع ضمان استيراد منتجاتها، والجنوب الذى يحتفل بها ويفرح بفكرة التصدير للدول المتقدمة!) فإن الطرف الأقوى- الذى أدمن الابتزاز وسرقة موارد وخامات الدول المستضعفة- لا يلقى بهذه الصناعات الرديئة دون مقابل، أو بثمن بخس.. ولكنه يزينها ويروج لها، بل يفرضها فرضًا بأساليب الترغيب والترهيب، وشراء ذمم المسئولين، ونشر التقارير المزيفة، ومنح القروض التى تثقل كاهل الدول المستضعفة بالديون وفوائدها. ومع وصول "المصانع الرديئة" إلى الدول المتخلفة؛ تبدأ وسائل إعلامها المنافقة فى دق طبول السعادة والفرح رافعة شعارات ومصطلحات خادعة مثل النقلة الحضارية الكبرى، واقتحام الصناعات المتطورة، وعصر النهضة والإنجازات غير المسبوقة.. وغير ذلك مما كنا نسمع مثله من وسائل إعلام النظام المخلوع، ويعتبر خداعًا للشعوب التى تكتوى بنار هذه النهضة الصناعية المغشوشة، والتى ربما لا تناسب هذه الدول من جميع الوجوه. فكيف نتقى شر هذه الصناعات الرديئة؟ وما هو السبيل لإحداث تنمية صناعية دون الوقوع فى هذا الفخ؟ إن أول ما يجب الانتباه إليه هو ضرورة الحذر من التقارير والدراسات المزيفة التى تصدرها بيوت الخبرة الأجنبية التى يُظن- بعقدة الخواجة- أنها محايدة.. إذ غالبًا ما توظف هذه البيوت لأغراض سياسية ولخدمة الحكومات الاستعمارية (الحديثة). وهذا يتطلب أن تكون لدينا بيوت الخبرة الوطنية المزودة بالإمكانات الحديثة والخبراء الأكفاء، ومصادر المعلومات اللازمة لإعداد الدراسات المتكاملة. والحقيقة أننا نملك كل ذلك، ولا تنقصنا إلا الإرادة الواعية التى يمكن أن توظف هذه الإمكانات المبعثرة وتمنحها الثقة، وتصنع منها منظومة متكاملة تخدم بعضها بعضًا. وعندما تتوافر لدينا الدراسات الوطنية الموثوق بها والتقارير الصادقة غير المغرضة، فلن تكون هناك ثغرة ينفذ منها الدجالون والسماسرة من عملاء الغرب والشركات متعدية الحدود، الذين يروجون للصناعات الرديئة. يترتب على سياسة الاعتماد على النفس وتوظيف الخبرات الوطنية أن تتأثر مشروعاتنا الصناعية بحضارتنا الأصيلة وقيمنا الإسلامية التى تمنعنا من تلويث البيئة أو استنزاف الموارد الطبيعية، أو تعريض الإنسان وغيره من المخلوقات للأخطار من أجل زيادة الإنتاج والمكاسب الأنانية التى لا تلقِ بالاً للأجيال القادمة. وتتطلب هذه السياسة الوطنية للنهضة الصناعية التى ننشدها أن تكون لدينا سياسة جديدة للبحث العلمى، سياسة توظف الإمكانات البشرية العظيمة التى نملكها لصالح خطة طموحة للتنمية، سياسة تضع فى اعتبارها الخطط المستقبلية وتحدد دور كل باحث وكل مركز بحثى فى تنفيذها.. سياسة تمنع توجيه ثمار جهود باحثينا لخدمة الغرب؛ الذى يعيد تصديرها لنا فى صورة منتجات، بأغلى الأسعار. ولا يعنى ما أسلفنا من حديث عن الصناعات الرديئة أننا نعترض (من حيث المبدأ) على إنشاء مصانع جديدة فى مصر.. ولكننا نعترض على سطحية الدراسات التى لم تلق بالاً للإنسان والبيئة، وعلى ترك هذه الأمور فى أيدى الجاهلين من أهل الثقة مع استبعاد أهل الخبرة. يجب أن نمتنع عن إقامة أى مصنع يلوث بيئتنا مهما كان الثمن.. ويكفى ما يعانيه الإنسان المصرى من مصانع الإسمنت التى أفسدت هواءنا وأضرت براءتنا وصحتنا.. وساهمت فى توفير الهواء النقى للدول التى قذفت بها إلينا.. ونحن للأسف فرحون كالبلهاء "بتصدير الإسمنت للدول المتقدمة"!. وليتنا نسمع من المرشحين لرئاسة الجمهورية أفكارهم وبرامجهم للنهوض بمصر دون الوقوع فى هذا الفخ، لكى نختار الرئيس القادم ونحن على بينة من الأمر. همسة: ليت إعلام الفلول الذى لا يزال يسيطر على البلاد يستحى ولو قليلاً أو يقلل من (الاستهبال).. فقد انتخب الشعب نوابه بكل حرية، وحدد بالتالى من يجب أن يتخذ القرار ومن يحدد الخطط والأولويات وغيرها، ولكننا لا زلنا نرى ونسمع من يسعون لتجاهل نواب الشعب فى اللجنة التى سوف تضع الدستور، فيقول الخبثاء بالمانشيتات العريضة إن (القوى الوطنية) تعترض على نسب تشكيل اللجنة. أين هى هذه القوى الوطنية؟.. هل من لفظهم الشعب فى الانتخابات هم القوى الوطنية دون المنتخبين؟!. إن القوى الوطنية التى نعرفها الآن هى تلك الحائزة على ثقة الشعب.. دون غيرها. [email protected]