اختلط الحابل بالنابل.. ووصل العرب إلى حالة من التفسخ وانعدام الرؤية لا مثيل لها، واستسلم الجميع لمخططات التقسيم التي تستهدفهم جميعا دون أية محاولة للمقاومة- لا رسميا ولا شعبيا- وكأننا في غيبوبة!. ماذا يحدث أيها العرب المغاوير؟!!. عندما انتشرت نعمة الحرية في أركان المعمورة.. ثم توقفت عند حدود الدول العربية؛ ظن العالم بنا الظنون، معتبرا- خطأ- أننا مجرد عبيد لا يشعرون بقيمة وأهمية الحرية. وقد وصل هذا الظن إلى العرب أنفسهم؛ لدرجة أنني كتبت ذات مرة- عندما استباح العدو الصهيوني الدماء الفلسطينية دون أدنى رد فعل عربي- كتبت بعنوان (بِتُّ أخجل من عروبتي). وهذا بالطبع كان يأسا مرفوضا ما كان ينبغي أن يكون.. فطبيعة الحياة التي خلقها الله تعالى أن الإنسان بفطرته وطبيعته حر، وأن دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة، وأنه لا يصح إلا الصحيح في النهاية. وقد أدت هذه الحالة من الاستسلام الشعبي العربي للاستبداد إلى تجرؤ الحلف الصهيوأمريكي علينا، لأنه أصبح من السهل جدا التحكم "عن بعد" في كل العرب بالتحكم في حفنة قليلة من الطغاة؛ يستعبدون شعوبهم ويفعلون ما يحلوا لهم دون رقيب أو حسيب، ولكنهم يجيدون الانحناء أمام قادة هذا الحلف، معتبرين أنهم أسيادهم!. وقد حدث- بحمد الله- وفيما يشبه المعجزة، ما لم يتوقعه أكثر الناس تفاؤلا.. عندما انفجرت الثورة الشاملة (الموجة الأولى للربيع العربي)، وسقط الخوف، وتكاثر طلاب الشهادة المستعدون لتسديد مهر الحرية؛ في كثير من الشعوب العربية، وأصيب العالم كله بالذهول من هول هذه المفاجأة. ومما يؤكد أنها كانت ثورة "عربية" خالصة وواقعية من أجل (الحرية)؛ أنها لم تقتصر على دول تعاني من مشكلات اقتصادية، ولكنها امتدت (في بدايتها) كالانفجار شرقا وغربا وشمالا وجنوبا لتشمل دولا نفطية غنية لا ينقصها المال ولا الرفاهية الاجتماعية، ولكن تنقصها الحرية. وكان من الطبيعي لهذه الأمة الثائرة من أجل حريتها أن يتضامن ثوارها تضامن الأخوة عبر الحدود، فوجدنا أعلام الشعوب الثائرة مرفوعة في كل ميادين وساحات الحرية.. مما يؤكد أننا أمة واحدة، فرقها الطغيان والاستبداد، وقسمها العدو الخارجي المتربص بها دوما. وكان من الطبيعي أن يقلق العدو الصهيوني وحلفه الغربي، ليس فقط لأن مقولة "الديمقراطية الوحيدة في الشرق العربي" سوف تسقط، ولكن لأن الشعوب الحرة لا تقبل التفريط في الحقوق.. وما دام رأي الشعب الحر لابد أن يؤخذ في الاعتبار فلن يعد هناك مجال للضغط على الحكام، إذ يصبح الضغط بعد نيل الحرية في الاتجاه العكسي؛ من الشعوب. وهكذا فلم يعد هناك حيز للخضوع للعدو أو مجاملته، كما كان يحدث، وهذا إنجاز كبير لصالح قضية العرب والمسلمين الأولى، وهي القضية الفلسطينية. وكان من الطبيعي أيضا بعد أن هبت نسائم الحرية واكتسبت الشعوب حق حرية التظاهر أن تطفو قضية القدس على سطح الأحداث والاهتمامات الشعبية العربية.. فبدأت (قبل الثورات المضادة) الدعوات للتظاهر ضد العدو وبدء الانتفاضة الثالثة؛ فلسطينيا وعربيا، والمطالبة بإلغاء المعاهدات (التي عقدت بليل في غيبة الشعوب العربية) مع العدو، بل والتحرك الجماهيري عبر الحدود لفرض حق العودة. وليس هناك شك أن القضية الفلسطينية سوف تكون الرابح الأكبر من الثورات العربية، عند اكتمالها وانتصارها.. فتغييب الشعوب واستفراد العدو بالطغاة كان أهم عوامل استعلاء العدو وعبثه بالأنظمة التابعة ونجاحه في فرض سياساته العنصرية، وإلحاق الهزيمة بالعرب دون مبرر. ومع عودة الحرية للعرب، فلن يكون هناك ما يمنع الوحدة بين الدول العربية، أو على الأقل التكامل والتوافق الإيجابي على ما فيه الخير للعرب.. فنحن شعب واحد ونفكر بطريقة واحدة. وعندما يحدث ذلك فلن يكون للعدو الصهيوني مكان أو مكانة في هذه المنطقة، فسياسة التطبيع التي كانت مرفوضة شعبيا ستبدأ في السقوط رسميا.. والحد الأدنى الذي يسهل الاتفاق عليه عربيا وهو مقاطعة العدو ومن يتعامل معه سوف يكون متاحا. ويخطئ من يظن أن العدو الصهيوني يستطيع العيش في فلسطين وسط هذا الجو المشحون بالعداء والمقاطعة الاقتصادية، فالمغتصبون الصهاينة يحبون الحياة الدنيا وزينتها، ولا يمكن أن يصبروا على حياة اقتصادية بائسة، أو على حياة فيها أدنى احتمال لمخاطر الموت أو الإصابة.. خصوصا وأن أغلبهم يحتفظ بجواز سفره الأصلي ويستطيع العودة إلى موطنه إن وجد أن هناك "احتمال" لمستقبل غير مريح له ولأسرته. وكان من الطبيعي ألا يقف الحلف الصهيوأمريكي مكتوف الأيدي، فسارع بالعمل على اختراق الدول الثائرة ومحاولة إحداث الفتنة؛ لتهيئة الأجواء للتدخل وإجهاض هذه الثورات أو سرقتها. ويعرف المخططون للحلف الصهيوأمريكي نقطة الضعف العربية؛ وهي وجود تناقضات اجتماعية نتيجة وجود شيع وقبائل وأعراق مختلفة.. استطاع الإسلام أن يصهرها ويوحدها ضمن أمة عربية واحدة، فقاموا بالإيقاع بين هذه الطوائف وإشعال الحروب بينها.. لينتهي الأمر في النهاية بتقسيمها؛ وإذا حدث ذلك فسوف تستمر حروب هذه الطوائف بسهولة شديدة.. فيتم القضاء علينا دون أي جهد من أعدائنا!!. ولكن من غير الطبيعي أن ينحاز بعض الحكام العرب إلى هذا الحلف، ويعملون على إجهاض الربيع العربي!. ويعتبر موقف بعض الأنظمة العربية المتناقض جدا في غاية الغرابة؛ إذ لا يدري المتابعون للشأن العربي هل هم مع الثورة العربية التي تبشر بنهضة عربية غير مسبوقة، أم أنهم ضدها؟. فهؤلاء الحكام يتظاهرون بدعم الثورة في دول، ثم يدعمون الثورة المضادة في دول أخرى!. من الذي يخطط لهم؟، وما هي أهدافهم؟، ولصالح من استخدام كل وسائل الإغراء والتهديد والمكر السيء حماية للعدو الصهيوني في نهاية الأمر؟!!. لقد كشفت محرقة حلب الأخيرة وما قبلها؛ وانحياز بعض الأنظمة العربية علنا إلى الحلف الصهيوني الأمريكي الذي انضمت إليه روسيا- والذي يعمل أولا وأخيرا لصالح الصهاينة-، كشفت أسرار هؤلاء العملاء.. فهم يحاربون الثورات العربية ويدعمون الثورات المضادة خوفا من تمدد الربيع العربي ووصوله إليهم وانهيار عروشهم الهشة؛ وهذا مفهوم. ولكن من غير المفهوم أن يدعموا عدوهم الذي لا حياة له إلا بالقضاء عليهم!.. ومن غير المعقول أنهم يحبون اليهود الصهاينة الذين لا يحبهم أحد في الدنيا كلها، أو أنهم يكرهون أنفسهم بكره إخوانهم الفلسطينيين!. القضية إذاً تتعلق بالاستقلال.. فهذه الأنظمة المتصهينة (غصبا عنها) مخترقة، والمخابرات الصهيوأمريكية تستخدم ملفاتهم القذرة في تهديدهم وإرغامهم على العمل ضد أنفسهم!، على اعتبار أننا أمة واحدة. ونذكر هؤلاء بأن الدائرة سوف تدور عليهم كما حدث لملوك الطوائف بالأندلس.. ونذكرهم بأن العدو الصهيوني يعاديهم كما يعادي الفلسطينيين، وأنه لم يؤجل خططه التوسعية بالوطن العربي إلا لانشغاله بالمقاومة المبدعة التي تقض مضاجعه، وتجعله لا ينام.. فاللص لا يستطيع النوم في البيت الذي سرقه مادام أصحابه على قيد الحياة. ألا لعنة الله على الصهاينة؛ العرب والعجم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.