طالعت منذ عدة أيام مقالًا لكاتبة متميزة، أنا شخصيًا من قرائها، ولكن لن أذكر اسمها، واسم المقال، لكي أترك لي حيزًا من حرية النقد، فلا تؤول كلماتي بسوء نية، ضدها أو ضد ما كتبت. وكان المقال يتحدث عن المصريين المصطافين أو المصيفين، على شواطئ شرم الشيخوالغردقة، تلك الشواطئ التي تخاطب شريحة من الناس دون غيرها، وليس مسموحًا للفقير، أو ذي الدخل المحدود بالاقتراب والمساس، ولولا ركود حركة السياحة، ما سمحت تلك الأماكن للمصريين البسطاء من دخولها! وبالعودة للمقال، فقد اختارت الكاتبة حبكة وتوليفة جيدة لمقالها، ولغة عربية سليمة وهنا لي وقفة.. فكاتبة المقال قبطية، وإذا جئنا لمعنى كلمة "قبط" وجمعها أقباط، نجدها تعني مصريًا، فأنا قبطية مسلمة، أي مصرية مسلمة، وكاتبة المقال قبطية مسيحية، أي مصرية مسيحية. ما علينا فكاتبة المقال إذن مسيحية الديانة، وكما ذكرت، فإنها استخدمت لغة عربية ممتازة، وهذا أيضًا يحسب لها، فالمعروف أن أصحاب الديانات غير الإسلامية، يعتبرون اللغة العربية، لغة ثانية أو ثالثة، فهي ليست لغتهم الأم، أو لغة كتبهم المقدسة، لذا فقد انتقت من اللغة العربية، كلمات مؤثرة، لتعبر بها عن مدى ضيقها واستيائها، مما رأت، ومما حدث لها من المصيفين "قلالاة الأدب!". أفردت الكاتبة شرحًا ووصفًا للسلوكيات الفجة، والشاذة، وغير المتحضرة، للمصطاف المصري وأسرته، داخل أروقة الفندق، وفي المطعم واستعلائهم على النادل، وعلى حمام السباحة، وكيف أنهم تحرشوا بها لارتدائها "مايوه" حتى نهّرتهم نساؤهم وقالوا بالنص "هي لا صدر ولا ورك حتعاكسو فيها إيه" بحسب ما ذكرت الكاتبة.. فهذا تحرش مرفوض وجميعنا نعاني منه، دون استثناء! نفس النساء اللاتي وبّخّنّ رجالهن، لتحرشهن بكاتبة المقال، لمجرد ارتدائها "مايوه"، هن أنفسهنّ، تحرشنّ بها بطريقة أخرى، بتصويب نظرات حادة، وكلام قبيح لها، أثناء استحمامها معهن بحمام السباحة، وكنّ يرتدين النقاب والعباءة.. وكانت الجملة التالية، للكاتبة في مقالها، أنهم كانوا يقومون بتجميع الأطباق والملاعق في الحقائب! ولأن صاحب النية الحسنة يدخل الجنة، بالتالي لن أربط الجملتين مع بعضهما "المنتقبة والسرقة"، والمؤكد أن الكاتبة، لا تقصد الإهانة أو الإساءة لمن ترتدي النقاب، وأنه ليس علاقة للنقاب بالسرقة، وما حدث أنه ربما خانها التعبير، وترتيب الجملتين على التوالي في مقالها.. وأخيرًا.. نفت الكاتبة أن الفقر، هو السبب في السلوكيات، غير الحضارية التي شاهدتها.. ثم أنهت مقالها بنداء استغاثة لإنقاذ الملاعق والأطباق من المصطافين المصريين! انتهى المقال.. ولكن يبقى لي النقد والتفكر. لاشك أن المقال مصري صميم، وما حدث ليس بهين، ويجب أن نتعلم، ولو لمرة واحدة من أخطائنا، ونتعلم ألا نكررها، لكن المصري بطبيعته عايش بالبركة، ودون حسابات! وليس للموضوع علاقة بالفقر، أو حتى بطبقة اجتماعية بعينها، وأن أغلب الظن، أنهم من الطبقة الاجتماعية الوسطى، ولكن أي مستوى فيها، فهناك ثلاثة أنواع من الطبقة الوسطى بمصر "طبقة وسطى عليا، طبقة وسطى "وسطى"، و طبقة وسطى دنيا".. والطبقة الوسطى بمستوياتها، هي الشريحة الاجتماعية الأكبر بالبلاد، رغم أنها آخذة في التآكل، والانقراض، لتلحق عن قريب بالطبقة الدنيا! نظرًا للسياسات والإجراءات الاقتصادية الخاطئة والمجحفة، التي تتخذها الدولة، ضد المواطن البسيط! أما إذا كانت السلوكيات مرجعها الفقر، فالإجابة بالطبع لا، فأي فقير هذا، مهما كانت درجة مستواه المادي، ونسبة توفيره من الفتات، أن يكون عنده (النفس) أن يصيّف في شرم أو الغردقة، فمن المؤكد أن لديه أولويات أهم بكثير من السفر والمصيف، وأن مجرد التفكير في قضاء عطلة الصيف، هو نوع من أنواع الترف والرفاهية، الفقير في مصر لم يصل إليه بعد! حتى لو كانت السفرية "ببلاش" وعلى حساب وزارة السياحة أو هيئاتها.. وهكذا أكون استثنيت أن الفقر ومستوى الطبقة الاجتماعية هما السبب في المظهر غير الحضاري الذي بدأ على سلوكيات المصطافين بشرم الشيخ، فيبقى لدينا "الدين"، وبخاصة الدين الإسلامي، وهذا ما نوهت عنه الكاتبة بطريق غير مباشر، واتضح أكثر من خلال التعليقات التي ذيّلت مقالها، فكان أغلب المعلقين مسيحيي الديانة، يباركون ما كتبت، ويلقون باللوم والمسئولية على (الوهابية، والسلفية والدولة السعودية)!! وهنا أشفقت على نفسي وحالي، من أن أدلى بدلوي، فيصيبني وابل من السباب والشتائم، واتهامات بالعمالة والخيانة والجهل، والتكفير.. فآثرت الصمت.. ولكن السؤال.. إلى متى سنعلق أخطاءنا على الوهابية؟ وما دخلها فيما وصلنا إليه؟ وما دخل الدين؟ وما شأن السعودية؟!.. وإذا كانت الوهابية والتي منذ القرن الثامن عشر الميلادي، حركة إصلاحية دينية، نادت بعودة صحيح الدين الإسلامي، وعدم التبرك بالأولياء، والأضرحة، فإذا كانت كذلك، فما شأنها في حكم ارتداء المايوه، لغير المسلمة أو حتى للمسلمة، هل بيدهم مفاتيح الجنة والنار! وأما إذا كانت غير ذلك.. فما أيضًا شأنهم بمايوه كاتبة المقال، والمنتقبة، والتي كانت تفترسها بنظرات حادة وكلمات قبيحة، بالبلدي كدة ما شأنهم ب(غيرة الستات تلك)! وما شأنهم بالتحرش، وتدني الأخلاق، وسرقة الملاعق، والسلوكيات غير السوية التي ظهر بها المصطافون المصريون!! وهل لو كانت الكاتبة، بصحبة مجموعة من الراهبات، هل كانت ستوجه لهن نقدًا، أو نرى تعليقًا يدين ويرمي باللوم على الكنيسة مثلًا؟ الإجابة... بالنفي .. لا كلماتي ليست دفاعًا أو هجومًا، وما فعلوه المصيفون غير مقبول، ولكن للمنتقبة الحق في التنزه، والاستمتاع بخيرات بلدها. وهذا من الإنصاف، فلماذا نمنعها ونسخر منها، والأفضل ترك الدين الإسلامي، ولا نقحمه في تدهور أخلاقنا، وأنه السبب فيما وصلنا إليه من انحدار، وأن نترك قبر محمد بن عبد الوهاب في حاله ولو لفترة من الوقت، هو وابن تيمية وغيرهما، ونصلح من أنفسنا بدلًا من التعويل على رجال الله وحده أعلم بحالهم.. كلماتي الأخيرة لكاتبة المقال... هناك شواطئ للعراة، وأخرى لم تتلوث بعد بالمنتقبات، ولصوص الملاعق والشوك والسكاكين.. اذهبي إليها وستكونين هناك أكثر متعةً واستجمامًا.