أنا لا أملك " لاب توب" أو ما يسمى بالكمبيوتر الشخصي المتنقل .. لذا عندما سافرت عشرة أيام كاملة بعيدا عن جهازي الكبير الثابت .. كانت تلك بالنسبة لي مأساة .. رغم كون أحد مميزات الفندق الذي نزلت به هو مجانية الانترنت .. و هي ميزة لا تتوافر في فنادق أخرى .. في الريسبشن هناك انترنت لاسلكي و في الغرف الكابل موجود لكن مشكلتي كانت .. أين سأضع الكابل ؟؟!؟؟ انا لا أملك لاب توب لم أتصور أن تلك ستكون مشكلة ايه يعني عشرة أيام من غير انترنت !! كلا لم أستطع .. كان الموبايل هو وسيلتي للدخول .. إلى ذلك العالم الذي اكتشفت أني ببساطة قد أدمنته و خصوصا الفيس بوك انا أدون من أربع سنوات .. من خلال التدوين صارت لي صداقات مع مدونين مثلي ... بشر مثلي .. يكتبون .. يقرأون .. يسمعون الأغاني .. و يتشاركون في كل هذا عن طريق تلك الرقعة الواسعة التي تقابلوا من خلالها .. تلك المساحة الرحبة التي نقلتنا إليها الأسلاك و التوصيلات و تكنولوجيا القرن الواحد و العشرين كان معي برحلتي .. امرأة احبها .. و أحب الكلام معها .. فهي دكتورة في الأدب المقارن بجامعة السوربون امرأة تخطت السبعين .. و تقاعدت .. و مازالت حياتها الكتب .. و حياتها الأكاديمية أصقلتها .. وجعلتها كنز متحرك بالنسبة لمتعطشة إلى المعرفة مثلي إستفزها للغاية إدماني للنت .. للفيس بوك .. إنغماسي في تلك الشاشة الصغيرة التي أمامي .. فقط كي أتواصل مع هؤلاء .. هؤلاء الذين لم أقابل .. لم اصافح أيديهم .. .. لم اعاشرهم .. لم نتشاجر .. أو نتناقش .. أو نأكل معا عيش و ملح فقط نتواصل .. نتواصل إفتراضيا .. و يهتم كل منا بالآخر .. و نحمل لبعض مودة !!!! و هو ما لم تفهمه هي .. أبدا .. اي عالم هذا الذي نعيش به .. عالم إفتراضي بالنسبة لها زائف و غير حقيقي .. كيف تتطور العلاقة بين بعض منا إلى صداقة .. إلى إهتمام حقيقي .. إلى تبادل أرقام التليفونات .. و احيانا سعي إلى اللقاء !! على أي أساس !! المثل القديم يقول لك تعرف فلان ؟؟.. آه .... عاشرته ؟؟ .. لا ... يبأي متعرفوش .. أين هذا المثل في عالمنا الافتراضي هذا في جلستنا بالساعات امام شاشة.. نترك كل شيء بالدنيا لنقابل بشر .. لا نلمسهم .. لا نراهم و قد لا نسمعهم قلت لها ببساطة ربما .. ربما نكون جيلا يشعر بوحدة .. وحدة وسط من حوله ... من حوله الذين لم يفهموه .. لم يشاركوه كما تنبغي أن تكون المشاركة ربما تكون تلك الشاشة هي تلك البوابة السحرية التي مر كل منا من خلالها .. ليجد آخر .. آخر وحيد مثله .. آخر يشبهه .. يفهمه .. يشاركه و يتواصل معه قد يبدو ما نفعله بالنسبة للبعض .. يائسا .. و بائسا و غير مقبول لكن هذا هو واقعنا .. و ذلك هو زمننا .. و تلك هي وسائلنا أعرف شاب أحب فتاة على الانترنت .. فتاة من بلد أخرى .. و صمم على الزواج بها و أقنع من حوله .. و لا أظن هذا حدث بسهولة .. على أن يذهب ليتزوجها .. فورا .. دون خطوبة .. دون معرفة .. فالحب و المعرفة و كل شيء تم عن طريق الانترنت عندما رأيت الفتاة بعد أن تزوجها .. فهمت .. فهمت لماذا أحبها .. فأنا أعرفه حق المعرفة.. و هي فتاة متميزة .. رأيتها بعيونه و فهمت حتى الحب .. من الممكن أن يحدث إفتراضيا في هذا العالم الإفتراضي .. الغريب بالنسبة للجيل الماضي ليس الحب فقط هو ما يحدث على الانترنت كل شيء صار من الممكن حدوثه على الانترنت ذلك العالم الذي لا يفهم البعض أنه بالنسبة لكثيرين لا يعد افتراضيا لأنه العالم الوحيد الذي يمارسوا فيه أشياء لا يوجد عندهم عالم آخر لممارستها ذلك العالم الذي أنقذني أنا شخصيا من ذلك الشعور القاتل بالوحدة .. لكن هوسي به نبهني إلى وجود خلل ما بحياتي .. خلل يجب إصلاحه ففي النهاية أحد عيوب هذا العالم المعروفة أنه قد يعزلك عن العالم الآخر .. العالم المحيط و على الرغم من أنك لا تشعر أبدا نفسك وحيدا و أنت تتواصل من خلال تلك الشاشة و الساعات تمضي بلمح البصر إلا إنك في واقع الأمر تعيش عزلة ما عزلة بالنسبة للمحيطين .. عزلة إفتراضية و ما يحدث للبعض أنهم عندما يحاولون التواصل مع البشر المحيطين .. يفشلوا ففي النهاية هناك خط رفيع جدا فاصل .. بين قدرتك على إحداث التوازن .. و غرقك التام ......... لكن ما نعرفه جميعا حقا الآن .. أن دخول الفيس بوك مش زي خروجه سواء كنت مدمنا .. وحيدا .. أم مزدحما بالبشر و الأحداث