قالوا قديما إن الحاجة أم الاختراع، ومنذ 40 عاماً كتب الراحل أحمد بهاء الدين مقالا مثيرا للتأمل فى مجلة «صباح الخير» عنوانه «طفل بلا حرمان.. طفل بلا خيال»، وهذا يذكرنا بالذراع المقطوعة لتمثال أفروديت (إلهة الجمال)، كأن النقصان هو الجمال، والوفرة هى ابتذال الأشياء ونسيان قيمتها، وربما لهذا يمكننا تفسير مدى تحضر وإنسانية الإنسان من خلال الحكم على الطريقة التى يتصرف بها فيما زاد على حاجته. المحتكرون يلقون بمحاصيل القمح فى المحيط، والأنبياء يقتسمون كسرة الخبز مع الجياع، ومع دوران عجلة الاستهلاك وطفرة التقدم الصناعى فى العالم، غابت مفاهيم الصيانة وإصلاح القديم، وارتفع شعار «استهلك وارم» لترتفع أهرامات القمامة والكراكيب، وحاول البعض تصريف ملابسه ومقتنياته البالية بطرق تجارية فاخترعوا أفكارا مثل «المزاد»، أو التبرع للفقراء والمحتاجين، أو أسواق المستعمل مثل «الكانتو» و«وكالة البلح»، بالإضافة إلى الأفكار العصرية مثل «الأوبن داى» للتخلص مما زاد على حاجتهم. بدأت قصة التخلص من القديم قبل 80 عامًا فى سوق الكانتو بأول شارع الأزهر، عندما اشترى التجار مخلفات الجيش الإنجليزى من ملابس وأحذية ليبيعوها إلى الفقراء، وبعد أن خرج الإنجليز من مصر أسس التجار سوقًا جديدة للمستعمل فى وكالة البلح، أما «الأوبن داى» فهو أسلوب جديد عبارة عن سوق ليوم واحد تنظمها عادة ربات بيوت فى منازلهن لعرض حاجاتهن الخاصة أو حاجات جيرانهن، أو مشترياتهن من الخارج، أو هدايا لسن فى حاجة إليها أو متعلقات قديمة. والأسلوب القديم المتجدد فى التخلص مما زاد هو التبرع به إلى الجمعيات الخيرية والمساجد والكنائس، التى تقوم بتجديده لإعادة بيعه بأسعار مخفضة للفقراء والمحتاجين واستثمار عائداته فى توسع نشاطاتها الخيرية. وعن المزادات باعتبارها أشهر الوسائل التى يتخلص بها الناس مما يزيد على حاجتهم، ويقتنى من خلالها ناس آخرون ما يحتاجون أو ما يلبى رغبة الاقتناء لديهم تقول خبيرة الأنتيكات نادية صديق: «المزادات أنواع لكنها فى كل الأحوال تجمع بين من يريدون التخلص من أشياء ومن يريدون اقتناءها، وبين هذا وذاك نشأت تجارة ضخمة يشارك فيها هواة وتجار ومثمنون محترفون، وبعيدا عن تفاصيل هذه التجارة يجب على كل مشارك فى المزاد أن يعرف ماذا يحتاجه من قطع فى المزاد، حتى لا يقع ضحية لغريزة الاقتناء وهوس الشراء دون ضرورة، كما أن من يبيع يجب أن يعرف قيمة ما لديه حتى لايفرط فى تحفة تاريخية قيمة متصورا أنها خردة بلا قيمة».
