التعليم تعلن إجراءات إعادة اجتياز التدريبات بمسابقة 30 ألف معلم الدفعة الأولى    رئيس جامعة طنطا: تحديد أعداد الطلاب المقبولين بالكليات وفقا لاحتياجات السوق    خلال اللقاء التحضيري لمؤتمر الواعظات.. وزير الأوقاف يشيد بعهد تمكين المرأة    لماذا لا تصلي الكنيسة على الموتى في أسبوع الآلام؟.. تعرف على السبب    محافظ قنا يوافق على تخصيص 330 فدانا لاستغلالها مشروعات زراعية    «اقتصادية قناة السويس»: توطين صناعة مواسير الزهر لتقليل الاستيراد    مراسم استقبال رسمية لأمير الكويت بقصر الاتحادية    لقاء هام.. العاهل الأردني يحذر بلينكن من اجتياح رفح    نقل مباراة الزمالك وسموحة إلى برج العرب    المحكمة الرياضة توجه صدمة قوية إلى اتحاد العاصمة بشأن أزمة نهضة بركان    تأجيل محاكمة 4 متهمين بخلية داعش العمرانية    معرض أبو ظبي.. طلاب إماراتيون يروون ذكرياتهم بالقاهرة بجلسة مصر التي في خاطري    مخرج فيلم يوم: صعوبات العيش التي تواجه كبار السن لا تُطاق    غدًا.. «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف الإعانة الشهرية لشهر مايو    موسم الحج 2024، نصائح مهمة لمرضى السكر يجب اتباعها    بدء تسليم وحدات إسكان الشباب في الإسماعيلية 8 مايو.. اعرف التفاصيل    غرق بمياه ترعة.. العثور على جثة شخص في الصف    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    15 مايو.. أولى جلسات محاكمة 4 مسئولين كهرباء في حريق ستوديو الأهرام    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم ل القطاع الخاص 2024    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    زاهي حواس يوضح سبب تجاهل الفراعنة لوجود الأنبياء في مصر.. شاهد    حفل ختام فعاليات مهرجان الإسكندرية ل الفيلم القصير في الدورة العاشرة    بسبب الأزمة المالية.. برشلونة مهدد بفقدان أحد صفقاته    للعام الخامس على التوالي.. بنك مصر يرعى الاتحاد المصري للتنس    أمير الكويت يصل مطار القاهرة للقاء السيسي    تفاصيل زيارة وفد منظمة الصحة العالمية لمديرية الصحة في أسيوط    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    موعد غلق باب التقديم للالتحاق بالمدارس المصرية اليابانية في العام الجديد    كيف تجني أرباحًا من البيع على المكشوف في البورصة؟    رئيس الزمالك يعلن استمرار زيزو وعواد مع الفريق ويشيد بفتوح    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    جهاز مشروعات التنمية الشاملة ينظم احتفالية لحصاد حقول القمح المنزرعة بالأساليب الحديثة    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    ساويرس يوجه رسالة مؤثرة ل أحمد السقا وكريم عبد العزيز عن الصديق الوفي    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    لحظة إشهار الناشط الأمريكي تايغ بيري إسلامه في مظاهرة لدعم غزة    سرعة جنونية.. شاهد في قضية تسنيم بسطاوي يدين المتهم| تفاصيل    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    عشان تعدي شم النسيم من غير تسمم.. كيف تفرق بين الأسماك الفاسدة والصالحة؟    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    حسين لبيب: شيكابالا أحد أعظم كباتن نادي الزمالك عبر التاريخ    رئيس جامعة بنها يفتتح معرض الزهور الأول احتفالا بأعياد الربيع    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    وزير التموين يعلن تفاصيل طرح فرص استثمارية جديدة في التجارة الداخلية    ألقوه من فوق مبنى.. استشهاد فلسطيني على يد قوات الاحتلال في الضفة الغربية    كينيا تلغي عقد مشروع طريق سريع مدعوم من البنك الأفريقي للتنمية    مساعد وزير الصحة: قطعنا شوطًا كبيرًا في تنفيذ آليات مواجهة تحديات الشراكة مع القطاع الخاص    واشنطن: وحدات عسكرية إسرائيلية انتهكت حقوق الإنسان قبل 7 أكتوبر    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    فيديو| مقتل 3 أفراد شرطة في ولاية أمريكية خلال تنفيذ مذكرة توقيف مطلوب    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    حفل زفاف على الطريقة الفرعونية.. كليوباترا تتزوج فى إيطاليا "فيديو"    خطوة جديدة من الزمالك في أزمة فرجانى ساسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن العمال سألونى
نشر في المشهد يوم 25 - 08 - 2015


تعا اشرب شاي
عن العمال سألونى
............. ......
كانت صدمتى كبيرة حين قصدت ذات يوم أحد محلات الأحذية الجلدية التى تحظى بعلامة تجارية معروفة ، ووجدت رفوفه قد اكتظت بالمصنوعات الجلدية الصينية ، إلتفتت إلى صاحب المحل معاتبة ، أجابنى أنه يضمن لى جودة هذه البضاعة وأنه لو اعتمد على السوق المصرى وحده فلن يربح شيئا يذكر.
كانت هذه الواقعة منذ سنوات ورغم أننى إعتدت عليها إلا أننى لا أنفى إصابتى بنفس الصدمة حين ذهبت مؤخرا إلى منطقة المناصرة لأجد المنتجات الخشبية الصينية وقد غزت السوق المصرى وإحتلت الصدارة ، حتى حى الأزهر ذى الطابع الشعبى لمست فيه تغيرا لا يخفى على أحد فقد أقيمت به المولات المتعددة الطوابق وإحتلها الباعة السوريون بمنتجاتهم السورية الصنع عن آخرها.
الحقيقة أن ذلك كان مثار دهشتى و غضبى على رجال الأعمال فى الوقت نفسه ، فقد كنت أرى أن ما يحدث خيانة فى حق الوطن والعمالة المصرية ، فنحن نعانى من البطالة والكساد ومع ذلك نشجع على ازدهار المنتجات الأجنبية بشكل مستفز ، والأغرب أن حجتنا فى ذلك - أى فى مسألة البطالة - أننا نعانى من الكثافة السكانية فى حين أنها كثافة لا تذكر بالمقارنة مع تعداد دولة كالصين التى إكتسحت بمنتجاتها أسواقنا والأكثر غرابة أن حجتنا الأخرى هى عدم الإستقرار السياسى والإقتصادى فى حين أننا نضرب المثل بدولة مثل سوريا فى الفوضى و إنعدام الأمن والإستقرار مما يؤثر سلبا بالطبع على الإنتاج ومع ذلك فقد إجتاحت هى الأخرى الأسواق العربية لا المصرية فحسب.
الصدمة الأكبر انتابتنى حين قرأت أن أحد المستثمرين قد قام بفسخ عقده مع الجانب المصرى لأن وزارة القوى العاملة ألزمته أن يستعين بالعمالة المصرية فى تنفيذ مشروعه ، بينما أصر هو على إستقدامها من دول شرق آسيا ، فلما تأزم الموقف تراجع عن مشروعه وعاد إلى بلده ، بالطبع كان مبعث دهشتى هو أن تشغيل العمال المصريين أوفر له بكثير من إستقدام الأجانب.
لم أجد إجابة شافية عن هذه التساؤلات إلا حين قررت أن أقوم ببعض الإصلاحات فى بيتى مؤخرا.
كان الإتفاق مع العمال هو الخطوة الأسهل فى هذه الرحلة الشاقة ، فما أن سألت عن نقاش حتى إنهالت على وفود لأختار من بينهم من يروق لى وكذلك الحال بالنسبة للنجار أو السباك أو الكهربائى ...... الخ ، ثم بدأت فصول المهزلة عند أول لقاء جمعنى بالعامل المحترم بعد أن تقاضى العربون و ضمن بقاءه فى المكان ، فلا إحترام للمواعيد و لا إتقان لأبسط قواعد المهنة ولا مراعاة للأدب أو الأصول وبكل صدق أستطيع أن أزعم وأنا مرتاحة الضمير تماما أنه لا أمانة أيضا.
فذهبت عنى الدهشة و تأكدت أن البطالة التى ندعيها ما هى إلا بطالة زائفة، المتسبب الأول فيها هم أبطالها بكل أسف.
حينها تأملت السيدات الصينيات وهن يطفن على البيوت غير عابئات بحرارة الجو أو الحقائب الثقيلة التى يحملونها وتكاد تئن منها ظهورهن ومع ذلك فالإبتسامة لا تفارق وجوههن مهما طال الجدال حول السعر أو حتى إن لم تتم عملية الشراء من الأساس ، وتذكرت البائع السورى الذى أجبرنى على شراء لوحة يدوية الصنع لم تكن تلزمنى بذوقه وسماحته وجودة بل وروعة المنتجات التى يعرضها، وعندما عدت إليه مرة أخرى لأستبدلها إستقبلنى بالحفاوة نفسها دون ضجر أو تأفف بل وحرص أن يطلب منى أن أرسل له صورة الحائط الذى ستوضع عليه تلك اللوحة فى رسالة، حتى يتسنى له التفكير فى شئ أنسب إن وجد.
وعندما تساءلت فى نفسى اين ذهب العامل المصرى ؟ أين المدارس الصناعية التى أنشأها محمد على باشا وأخرجت أجيالا من أمهر العمال على مستوى العالم كما درسنا فى التاريخ؟ وجدت الإجابة ببساطة شديدة هى أن معظم هؤلاء أصبحوا من الماضى ، وحل محلهم مجموعة من المرتزقة الذين يبحثون عن الرزق السريع ، فمعظم العائلات الفقيرة تدفع بأطفالها إلى سوق العمل فى سن صغير فإن وجدت العائلة رزقا معقولا لابنها فى مجال معين فلا بأس ، و إن ظهر لها بعد ذلك أن هناك رزقا أوفر سيأتى من جهة أخرى ونشاطا آخر غير الذى كان يزاوله، فلا ضير أن يترك عمله غير آسف ولا مأسوف عليه ويتجه من فوره لممارسة هذا النشاط ، و بالطبع وبنفس المنطق إن وجد بعد ذلك نشاطا ثالثا أكثر ربحا فأهلا وسهلا ، فأنى يتسنى له التعلم والإتقان إذن ؟
لم يعد أحدهم يقول لمعلمه كما قال سيدنا موسى للخضر عليه السلام ستجدنى إن شاء الله صابرا ؟ والمحظوظ منهم هو الذى يربح بغير (علام) فيمتهن مهنة الدليفرى أو سائق توكتوك أو منادى سيارات وما أربحها من أعمال ، فلا عجب أن ينشأ جيل كامل لا يعلم عن مهنته سوى قيمة المقابل المادى المنتظر منها وليته يستحقه.
الأكثر مرارة من كل ذلك أن كثيرا من هؤلاء إن ضمنوا قوت يومهم، استغنوا عن العمل بل ولا يكلف أحدهم نفسه عناء الرد على الهاتف إن إستنجد به صاحب العمل أو أحد الزبائن لتأخره فى إتمام عمله وربما يغلقه نهائيا إن رآك زبونا ثقيلا مصرا على أن تزعجه برنين هاتفه ، و رحم الله أياما كان العامل يذهب فيها بإلحاح و أحيانا بدون أجر إلى مكان عمله فقط ليتعلم مهنة يتكسب منها.
إن كان هناك حل فى رأيى فهو أن تحظى هذه المهن بإهتمام من وزارة التربية والتعليم و ممارسة مزيد من الرقابة لتجريم عمل الأطفال سواء من الدولة أو المجتمع المدنى مع تهيئة المجتمع ليتقبل أصحاب هذه المهن من غير ثمة عجرفة أو تكبر ، ليعود الشعار : العمل شرف .. العمل واجب ... العمل امانة .... العمل عبادة ، وذلك سواء فى وسائل الإعلام أو من خلال الدراسة أو الدراما ، وخاصة الأخيرة، فقد دأبت معظم الأعمال الدرامية - إن لم تكن كلها - فى هذه المرحلة على تقديم بطل المناطق الشعبية على أنه الفتوة الذى يعيش "بالدراع" و المطواة وزجاجة البيرة والسجائر – الملفوفة - لا يكاد أي منها يفارق يده ، و للأسف لم أر هذا المشهد تليفزيونيا فحسب وإنما رأيته مصادفة من أطفال قالوا لى بإنبهار أنهم يتصرفون مثل محمد رمضان فى فيلم "الألمانى" وكانت هذه هى المرة الأولى التى أسمع فيها إسم هذا الفيلم والفنان الذى قام ببطولته رغم أنه من الواضح جدا أن له شعبية طاغية بين فئات هذا الجمهور تجعلنى أثق فى أهمية دور الدراما إن وجهت على النحو الصحيح.
فى دولة كإسرائيل يتعلم الطفل هذه المهن منذ نعومة أظافره فى المدرسة كما كنا نتعلم نحن مادة "التدبير المنزلى" ولك عزيزى القارئ أن تتخيل مدى شغف طفل صغير وهو يقوم بالكشف على سيارة أو صنبور مياه أو جهاز كهربائى ثم يعمل على إصلاح اللازم وتشغيله.
بمنتهى الصدق وبعد التعامل مع عشرات الأشخاص من خلال هذه التجربة المؤلمة ، سألتنى إحدى الجارات أن إرسل إليها أحدهم أجبتها بإخلاص: ما أنصحكيش ....... رحم الله والدى الذى "مانصحنيش" بدخول كلية الهندسة التى كنت أتوق للالتحاق بها للسبب نفسه.
المشهد لا سقف للحرية
المشهد لا سقف للحرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.