يعاني العامل المصري العديد من التحديات الصعبة التي تجعله في بعض الأحيان ينصرف عن مهنته التي طالما عشقها وأفني حياته فيها وبالطبع يتربع علي عرش تلك التحديات غزو منتجات التنين الصيني والطربوش التركي أسواقنا لتضرب العمالة المصرية في مقتل نظرا لتنوع تصميماتها وانخفاض سعر منتجاتها التي تجذب المستهلك فيقبل بنهم علي شرائها. ومن بين تلك المهن التي أصبحت مهددة بالاندثار والاختفاء "المقصدار" ذلك الحرفي الماهر الذي يعتمد علي المقص في تقطيع الأقماش بمقاسات معينة بعد أن يتم رسمها علي الباترونات ويتم تنفيذها بعد ذلك باستخدام ماكينات الخياطة ولهذا لايستطيع أي مصنع ملابس جاهزة أو ترزي الاستغناء عن ذلك »الأسطي«. ولكن بحلول الألفية الثالثة التي نحياها الآن تغيرت كل الاعتبارات والأسس فحكومات النظام البائد عملت علي توسيع أنشطتها التجارية مع دول شرق آسيا وخاصة الصين ففتحت لها الباب علي مصراعيه لتصدير جميع المنتجات التي نتخيلها ولا نتخيلها حتي أصبح كل شيء في حياتنا صناعة صينية وحتي بعد قيام ثورة يناير 2011 التي كانت سببا لفتح شهية تركيا للتعاون الاقتصادي مع المحروسة في ظل تولي الرئيس محمد مرسي الحكم ليعاني عاملنا المصري الويل وينتهي الحال "بالمقصدار" إلي الجلوس في المنزل أو التحول عن صناعته هذه والعمل في مجال آخر لا يمت لمهارته بأي صلة والكارثة أن يتحول كمساعد لمقصدار صيني جيء به خصيصا من دولته ليحل محل المصري!! »آخر ساعة« نقبت عن هؤلاء الحرفيين وتعرفت علي التحديات التي يواجهونها ومايتمنونه خلال الفترة القادمة للحفاظ علي مهنتهم. كان لقاؤنا الأول مع "محمود حنفي" أحد أشهر من يعمل في مهنة المقصدار في مدينة المحلة والمشهورة بصناعة الغزل والنسيج، هذا الأسطي الماهر حباه الله بخفة يد لايضاهيه فيها أحد خاصة أنه ورث تلك المهنة عن والده وتعلمها منذ نعومة أظفاره ولاتحتاج سوي إبداع واختار أن يعمل في أحد تلك المصانع التي تعج بها مدينة المحلة الكبري نظرا لثبات الراتب الشهري الذي يتقاضاه من الحوافز والبدلات. واستطاع محمود أن يثبت كفاءته بين زملائه ويحجز لنفسه مكانا متقدما بين صفوف العمال ويترقي إلي كبير الحرفيين واستمر الحال كما هو عليه لأكثر من عشر سنوات حتي داهمه الخطر الأكبر وهدد بضياع وظيفته. فالملابس الصينية أغرقت السوق المصرية وكثر زبائنها خاصة في مواسم التخفيضات فتلك الملابس علي الرغم من رداءتها وضعف قيمتها إلا أن أسعارها في متناول الجميع وهذا مايجعلها محل إقبال جماهيري وبالطبع تعرض المصنع إلي الركود وهدد بالتوقف أكثر من مرة حتي اهتدي صاحب المحل إلي فكرة جهنمية سبقه إليها الكثيرون وهي أن يسافر إلي الصين يحمل معه عينات من ملابس ذات ماركات عالمية ويطلب من أصحاب المصانع الصيني تنفيذها من خامات رديئة ليأتي محملا بها إلي مصر محققا أرباحا خيالية ويحمي مستقبله من الضياع. وبالفعل نفذ الرجل تلك الفكرة وجني أرباحا طائلة مما جعله يلجأ للاستغناء عن معظم العاملين بمصنعه وكان محمود أحدهم. وبعد أن تم طرده من العمل اهتدي لفكرة العمل مع أحد الترزية ولكن الفكرة لم تفلح فالترزية هم أيضا لم يعد لهم مكان بين المجتمع الذي انقلب لشراء الملابس الجاهزة المستوردة والمصنعة بمصانع"بير السلم"لينتهي الحال بالأسطي إلي البطالة وينضم لقائمة العاطلين المصريين. ولم يكن محمود وحده المجني عليه من توحش التنين الصيني وتوغل التجربة التركية في مصر بل إن سيد تعرض لنفس الخطر فقد كان حلم حياته منذ أن تخرج من المدرسة الثانوية الفنية أن يزاول تلك المهنة خاصة بعد أن تنامي إلي سمعه المميزات والرواتب العالية التي يحصلون عليها وبالفعل جاءت اليه الفرصة علي طبق من ذهب حينما عرض عليه أحد الترزية في مصنع للتريكو العمل كمساعد مقصدار لحين تعلمه أصول المهنة وبالفعل التحق بتلك المهنة وأبدي تفوقا ملحوظا علي جميع أقرانه الا أن الرياح تأتي بما لاتشتهيه السفن فصاحب المصنع قرر استقدام عمالة صينية للعمل بمصنعه نظرا للكفاءة التي يتميزون بها ودراستهم الجيدة للسوق المصري وتم الاستغناء عن المقصدار المصري ليحل محله الصيني ويستمر سيد كمساعد له وبعد فترة من الوقت استقدم الأسطي الصيني شقيقه كمساعد له بدلا من سيد الذي صدم بموافقة صاحب المصنع علي ذلك ولأنه لايحب قطع الأرزاق فألحق سيد بالعمالة التي تقوم بتعبئة وتغليف المنتجات القادمة من الصين ونزع الاستيكر الخاص بها ووضع الاستيكر المصري بدلا منه دون وجود رقابة علي ذلك خاصة في ظل وجود مافيا لتهريب تلك الملابس عن طريق الموانيء المصرية ودون دفع الضرائب الجمركية. وبعد أن دققنا ناقوس الخطر عن إمكانية اندثار مهنة المقصدار استعرضنا وجهة نظر أصحاب مصانع الملابس. يقول شمس بيومي (صاحب مصنع ملابس): لاشك أن المنتجات التركية والصينية أثرت علي السوق المصري والعامل علي حد سواء سواء أكانت مهنة المقصدار أوغيرها من المهن المرتبطة بصناعة الغزل والنسيج فهناك طوفان من الملابس الصينية المهربة لم تنجح الدولة حتي الآن في محاربتها ؛ فالبضائع عندما تدخل من خلال فواتير وهمية فهذا يؤدي لمنافسة غير متكافئة، إضافة لقرار استيراد الأقمشة من الخارج كان سببا رئيسيا في تدهور تلك الصناعة. ويضيف شمس: وقد كانت تلك العوامل سببا في عزوف بعض العمال عن العمل إضافة إلي تدني أجورهم واستقدام العمالة الآسيوية بدلا منهم وقد كانت مهنة المقصدار إحدي تلك المهن ولكن ينبغي أن نشير إلي كسل بعض أصحاب تلك المهنة وعدم تطويرهم من أدائهم كما أن بعضهم يبذل أقصي مافي وسعه للعمل في إحدي دول الخليج العربي طمعا في راتب أعلي يؤمن به مستقبل أبنائه وقد يكون هذا هو أحد أسباب اندثار المهنة. واتفق معه رجب السيوفي صاحب مصنع ملابس فقال: أن المصانع تتحمل خسائر كبيرة نتيجة لعمليات الإغراق وخاصةً أن المصانع تحد من إنتاجها ولا تعمل بكامل طاقتها نتيجة لتشبع السوق بالملابس المستوردة وقيام العديد من المصانع بالسفر إلي الصين وتصنيع المنتجات هناك بأسعار أقل توفيرا للنفقات ثم إغراق السوق المصري بها مع رفع الأسعار بطريقة مبالغ فيها منتهزين فرصة انعدام الرقابة عليها. وطالبً السيوفي بوضع آليات تنظم السوق وتحافظ علي المنتج، والقضاء علي التهريب سواء من خلال الجمارك أم التلاعب في فواتير المنتجات المستوردة مع رفع كفاءة العامل المصري كالمقصدار من خلال تنظيم دورات تدريبية ليطور من عمله ومواكبة أحدث القصات العالمية ومساعدته وابتكار أخري جديدة.