جاء قرار اإلغاء اتفاق تصدير الغاز المصري الي اسرائيل، الاسبوع الماضي، ليوجه صدمة عنيفة للاسرائيليين، جعلهم اكثر تشاؤما فيما يتعلق بمستقبل العلاقات بين الجانبين. وزاد من وطأة الصدمة امران، يمكن القول انهما اصابا الجانب الاسرائيلي بالشلل، وعدم معرفة كيفية الرد المناسب علي الخطوة المصرية. ويتعلق الامر الاول بالتوقيت، حيث كان من الممكن لاسرائيل ان تتوقع ذلك مع مجيء رئيس جديد لمصر، لكن أن يأتي قرار إلغاء اتفاق تصدير الغاز الي اسرائيل في هذا التوقيت الحرج قبل انتخابات الرئاسة المصرية، وفي ظل احتياج الاقتصاد المصري الشديد لعائدات هذا الاتفاق، فهذا لم يكن في الحسبان الاسرائيلي. الامر الثاني هو ما يمكن تسميته بالاخراج الجيد الذي يتسم بقدر كبير من الاحترافية السياسية لاعلان الغاء هذا الاتفاق، حيث عملت مصر علي ان يكون الالغاء من الناحية الرسمية راجعا الي خلاف تجاري بين شركتين، الامر الذي ينأي بمصر بعيدا عن حملات تشويه السمعة التي كانت ترغب اسرائيل في اطلاقها بدعوي عدم احترام مصر لاتفاقياتها وتعهداتها وما الي ذلك من اقاويل تنال من سمعة مصر وتصرف عنها المستثمرين الاجانب. ويمكن القول ان الكثيرين علي الجانب الاسرائيلي حاولوا استيعاب الصدمة، بينما فشل الآخرون. فقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن العلاقات بين مصر وإسرائيل مستمرة، حتي اذا تم انتخاب رئيس اسلامي لمصر. واكد نتنياهو، في تصريحات لاذاعة الجيش الإسرائيلي، أنه سيعمل علي استمرار العلاقات بين مصر وإسرائيل، حتي في حالة انتخاب رئيس اسلامي لمصر، وانه مستعد للتعاون مع اي رئيس مستعد للتمسك بالسلام. واعرب عن امله في ان يقرر اي رئيس منتخب في مصر احترام معاهدة السلام مع إسرائيل، لان السلام مصلحة مصرية كما هو مصلحة إسرائيلية، علي حد تعبيره. واتهم سفير إسرائيل الاسبق لدي القاهرة، تسفاي مازال، المجلس العسكري المصري بأنه وراء قرار وقف اتفاق الغاز، مشيرا إلي أنه يعادي إسرائيل ويدير صراعا مع جماعة الاخوان المسلمين حول وضع الدستور، مؤكدا ان شركة الغاز المصرية لا يمكن ان تتخذ قرارا خطيرا كهذا دون موافقة المجلس العسكري. وقال - في مقال بصحيفة كالكاليست الإسرائيلية - ان اتفاق الغاز - حتي لو كان بين شركتين خاصتين - يمثل اهمية استراتيجية للدولتين، لافتا إلي ان ميزة الغاز المصري انه كان ينتقل عبر انبوب يبلغ طوله 160 كيلومترا فقط، بينما تقوم كازاخستان بتوريد الغاز إلي اوروبا عبر انبوب طوله 3 آلاف و500 كيلومتر. ووصف إلغاء اتفاق الغاز بانه يمثل ضررا كبيرا بمصالح الدولتين، وقال إنه مدرج في الملحق الاقتصادي لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، والتي منحت مصر 33 عاما من الاستقرار الذي اتاح لها التكفل بمشاكلها الاقتصادية. وقال إن علي المجلس العسكري ان يدرك ان إلغاء اتفاق الغاز اضر بالعلاقات الاستراتيجية بين مصر وإسرائيل، وان الايام القادمة ستبين ما اذا كان الغاء اتفاق الغاز تم بعلمه ام لا. واضاف انه "اذا لم تتراجع مصر عن قرار الغاء الاتفاق، سيكون ذلك انتهاكا لاتفاق السلام، بما يتعارض مع المصلحة المصرية، وهو الامر الذي سيكون من الصعب علي إسرائيل ان تتفهمه". واتهم السفير الإسرائيلي المجلس العسكري بمعاداة إسرائيل، مشيرا إلي سلوكه "الغريب"، علي حد تعبيره، خلال واقعة اقتحام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وتراخيه في حماية خط انابيب الغاز الموجود في سيناء. ووصف قرار الغاء اتفاق تصدير الغاز بانه بمثابة "رشوة" يقدمها المجلس العسكري للشعب المصري الذي تستثيره جماعة الاخوان المسلمين، والتي كانت تعتبر صفقة الغاز مع إسرائيل جزءا من اجواء الفساد التي سادت في عهد الرئيس السابق حسني مبارك. وقال إن قرار الغاء اتفاق الغاز منح المجلس العسكري عدة نقاط في صراعه مع الاخوان حول وضع الدستور ومكانة الجيش وهوية الرئيس القادم. وقال مازال، الذي كان سفيرا لإسرائيل لدي القاهرة خلال الفترة من 1996 حتي 2001، إنه "اذا نجح الاخوان المسلمون في وضع دستور جديد ذي صبغة اسلامية، وفاز مرشحهم بانتخابات الرئاسة، سوف تتعرض العلاقات المصرية الإسرائيلية لاختبار قاس للغاية". إلغاء السلام اما السفير الإسرائيلي الاسبق لدي الولاياتالمتحدة وفرنسا، مائير روزان، فقال إن إلغاء اتفاق الغاز يعني إلغاء اتفاق كامب ديفيد، ويصرف المستثمرين عن الاستثمار بمصر باعتبارها دولة لا تحترم العقود والمعاهدات. واضاف روزان، الذي كان المستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلي اثناء التوقيع علي معاهدة كامب ديفيد، ان مصر ستدفع ثمنا فادحا لانتهاكها اتفاقية السلام، وان علي إسرائيل ان تفكر مرتين قبل التوقيع علي اي اتفاق مع اية دولة عربية. هيستيريا من ناحية أخري، قال المستشرق الإسرائيلي الدكتور جي باخور إن إلغاء اتفاق الغاز لا يشكل انتهاكا لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، مطالبا الحكومة الإسرائيلية بالتوقف عن اطلاق تصريحات تزيد من توتر الاجواء وتزعزع العلاقات الهشة بين البلدين. واضاف باخور - الذي يعمل خبيرا في مركز هرتسليا متعدد المجالات في إسرائيل - في تصريحات لصحيفة "جلوباس" الاقتصادية الإسرائيلية، ان اتفاقية السلام تلزم مصر ببيع النفط والوقود لإسرائيل، وقد نفذت مصر ذلك، لكن سريان هذا الالتزام انتهي منذ 10 سنوات، علي حد قوله. واكد ان الحديث يجري هنا عن موضوع تجاري بحت، بعيدا عن الشأن السياسي، لان شركة "إي إم جي"، المسئولة عن توريد الغاز لإسرائيل، لم تدفع للحكومة المصرية مستحقاتها منذ عدة اشهر، لافتا إلي ان مصر حصلت علي اموال كثيرة من هذا الاتفاق، وهي بحاجة إلي هذه الاموال، لانها تعاني ازمة اقتصادية حقيقية، تجعلها علي وشك الافلاس. واكد علي ثقته بالتزام مصر باتفاقية السلام مع إسرائيل، مشيرا إلي ان السلفيين وجماعة الاخوان المسلمين اكدوا ذلك اكثر من مرة. ووصف رد الفعل الإسرائيلي بانه نوع من الهيستيريا النابعة من عدم فهم الواقع، ووصف ذلك بانه "سيئ للغاية"، مطالبا إسرائيل بالهدوء، لان العلاقات السياسية والامنية الهادئة بين الجانبين طيبة للغاية، علي حد تعبيره، مدللا علي ذلك بصفقة تبادل الجاسوس ايلان جرابيل، والوساطة المصرية لتنفيذ صفقة تبادل الاسري مع الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، واتفاق وقف اطلاق النار في غزة. واستبعد باخور احتمال اندلاع بين مصر وإسرائيل، وقال ان لا مصلحة لمصر في شن حرب كهذه، واضاف: "ان مصر لا تملك مالا لشراء الخبز لشعبها الشهر القادم". وطالب المسئولون المصريون بعدم تحويل كل موضوع بين مصر وإسرائيل إلي "هيستيريا". من جانبه، قال استاذ الاقتصاد بالجامعة العبرية، البروفيسور ايتان شاشينسكي، انه لا يعتقد ان الغاء اتفاق الغاز خطوة درامية من الناحية الاقتصادية، وتوقع ألا تؤدي إلي ارتفاع اسعار الكهرباء في إسرائيل. لا نحتاج غازكم ونقلت صحيفة معاريف الإسرائيلية عن مسئول بوزارة المالية الإسرائيلية قوله إنه لا يوجد ما يدعو لقلق إسرائيل من قرار مصر بالغاء اتفاقية تصدير الغاز، واضاف: "لا داعي للخوف، فبنهاية العام الجاري سيبدأ الإسرائيليون في الحصول علي الغاز من حقولهم المكتشفة مؤخرا امام شواطئ الدولة". وقال المسئول الإسرائيلي - الذي لم تكشف الصحيفة عن هويته - إن كل تقديرات وزارة المالية فيما يتعلق باسعار الكهرباء والمواد الخام المنتجة منها، خلت من امكانية الحصول علي الغاز من مصر. واضاف: "كان واضحا لنا انه ستكون هناك مشاكل قاسية فيما يتعلق بالغاز المصري، وأن الامر بات محل شك، ولذلك لم نضعه في اعتبارنا". واشارت الصحيفة إلي ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير المالية الإسرائيلي يوفال شتاينيتس مع رئيس شركة نوبل اينيرجي، جاك ديفيدسون، اتفقوا علي بدء استخراج الغاز من الحقول الإسرائيلية بنهاية العام الجاري.