تمهيداً لافتتاحه رسمياً.. محافظ الشرقية يتابع الاستعدادات النهائية بمركز الشبكة الوطنية للطوارئ    سؤال برلماني عن أسباب عدم إنهاء الحكومة خطة تخفيف الأحمال    أول تعليق تركي رسمي على الصورة الإسرائيلية المسيئة لأردوغان    كانوا في عزاء.. إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب نصف نقل بالمنيا    بعد تصدرها التريند.. تعرف على آخر أعمال نجوى فؤاد    بالفيديو .. بسبب حلقة العرافة.. انهيار ميار البيبلاوي بسبب داعية إسلامي شهير اتهمها بالزنا "تفاصيل"    غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة بجنوب لبنان    بمشاركة مرموش.. بايرن يهزم فرانكفورت بثنائية هاري كين    «إجيماك» تتفاوض مع بنوك محلية للحصول على قرض بقيمة 700 مليون جنيه    إزالة 17 حالة تعد جديدة على نهر النيل بدمياط    واشنطن «غير أكيدة» من وضع قوات كييف...رئيسة ليتوانيا: هذه هي مساعدات أمريكا الأخيرة    أحمد حسام ميدو يكشف أسماء الداعمين للزمالك لحل أزمة إيقاف القيد    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    ختام امتحانات النقل للمرحلتين الابتدائية والإعدادية بمنطقة الإسماعيلية الأزهرية (صور)    رئيس الوزراء الفرنسي: أقلية نشطة وراء حصار معهد العلوم السياسية في باريس    غدا انطلاق معرض وتريكس للبنية التحتية ومعالجة المياه بمشاركة 400 شركة بالتجمع    السر وراء احتفال شم النسيم في مصر عام 2024: اعرف الآن    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    رئيس جامعة جنوب الوادي: لا خسائر بالجامعة جراء سوء الأحوال الجوية    الشرطة الأمريكية تفض اعتصام للطلاب وتعتقل أكثر من 100 بجامعة «نورث إيسترن»    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    وزير الرياضة يشهد مراسم قرعة نهائيات دوري مراكز الشباب النسخة العاشرة    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    الرئيس التنفيذي للجونة: قدمنا بطولة عالمية تليق بمكانة مصر.. وحريصون على الاستمرار    خطة لحوكمة منظومة التصالح على مخالفات البناء لمنع التلاعب    "اكسترا نيوز" تعرض نصائح للأسرة حول استخدام ابنائهم للانترنت    أمن أسيوط يفرض كرودا أمنيا بقرية منشأة خشبة بالقوصية لضبط متهم قتل 4 أشخاص    فوز أحمد فاضل بمقعد نقيب أطباء الأسنان بكفر الشيخ    «صباح الخير يا مصر» يعرض تقريرا عن مشروعات الإسكان في سيناء.. فيديو    التحالف الوطني للعمل الأهلي.. جهود كبيرة لن ينساها التاريخ من أجل تدفق المساعدات إلى غزة    أصالة تحيي حفلا غنائيًا في أبو ظبي.. الليلة    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان.. صور    الكشف على 1670 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الزقازيق بقرية نبتيت    «تملي معاك» أفضل أغنية عربية في القرن ال21 بعد 24 عامًا من طرحها (تفاصيل)    الصين: مبيعات الأسلحة من بعض الدول لتايوان تتناقض مع دعواتها للسلام والاستقرار    حكم واجبية الحج للمسلمين القادرين ومسألة الحج للمتوفين    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    بالصور| "خليه يعفن".. غلق سوق أسماك بورفؤاد ببورسعيد بنسبة 100%    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    وزير التعليم ومحافظ الغربية يفتتحان معرضًا لمنتجات طلاب المدارس الفنية    الصحة: فرق الحوكمة نفذت 346 مرور على مراكز الرعاية الأولية لمتابعة صرف الألبان وتفعيل الملف العائلي    السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية ويجري حوارًا مع الطلبة (صور)    سياحة أسوان: استقرار الملاحة النيلية وبرامج الزيارات بعد العاصفة الحمراء | خاص    خبيرة: يوم رائع لمواليد الأبراج النارية    وزيرة التضامن توجه تحية لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بسبب برنامج المكفوفين    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    بعد فتح التصدير.. «بصل سوهاج» يغزو الأسواق العربية والأوروبية    متصلة تشكو من زوجها بسبب الكتب الخارجية.. وداعية يرد    مستشار الرئيس الفلسطيني: عواقب اجتياح رفح الفلسطينية ستكون كارثية    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    هل يوجد تعارض بين تناول التطعيم وارتفاع حرارة الجسم للأطفال؟ هيئة الدواء تجيب    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القذافي يلحق بموسم سقوط الزعماء العرب والناتو يعتزم نشر قوات دولية لحفظ السلام في ليبيا
نشر في القاهرة يوم 30 - 08 - 2011

في ظل مرحلة الانتقال من الزمن الديكتاتوري الميت إلي زمن انتصار إرادة الشعب العربي، كان الملايين في المنطقة العربية وفي العالم، قد حبسوا أنفاسهم مساء ليلة الأحد 21 أغسطس، حينما نقلت الأنباء فتح العاصمة الليبية طرابلس أمام الثوار الليبيين، الذين بدأوا الانتفاضة ضد حكم القذافي في 17 فبراير الماضي، لينسدل الستار علي " حكم الطاغية " قبل اسبوع واحد فقط من احتفاله بالذكري الثانية والأربعين لتوليه السلطة فيما عرف باسم "ثورة الفاتح من سبتمبر"، وكان سقوط طرابلس في أيدي الثوار في ذاته دليلا علي خواء وهشاشة نظام القذافي، كغيره من النظم الاستبدادية . في ضوء لحظة عربية "ثورية" بامتياز، تتوق فيها شعوب عربية طال زمن الاستهانة بكرامتها إلي حياة العزة والحرية والعيش في ظل دول ديمقراطية حديثة تواكب العصر، وفي كل مرة يسقط فيها زعيم عربي مستبد غاشم، فإن الأنظار تتجه الآن إلي "التالي" له في سلسلة السقوط التاريخي . وفيما تدخل ثورة ليبيا مرحلة ما بعد القذافي، فإن الأنظار تتجه إلي تطورات الثورة السورية، ومرحلة اهتزاز حكم بشار الأسد، تطلُعا إلي لحظة تحرر جديدة لشعب عربي باسل، تسيل دماؤه مدرارا علي درب الحرية والكرامة . يأتي ذلك، فيما تشهد ثورة الشعب السوري نقلة نوعية علي عدة مستويات بدءا بتبلور نشاط المعارضة في الداخل والخارج تجاه التنظيم المؤسسي وتجميع الحركات المعارضة، ومرورا بتصاعد الموقف الدولي الرافض لاستمرار الرئيس السوري بشار الأسد، وموجة من العقوبات الدولية المؤلمة اقتصاديا وتجاريا علي سوريا، وصولا إلي اتخاذ خطوات تمهيدية لنقل الملف السوري إلي المحكمة الجنائية الدولية . وعلي الصعيد العربي، تقدمت الجامعة العربية بمبادرة لحل الأزمة، غير أن الأسد أخذ موقفا هجوميا من المبادرة بدعوي التدخل في الشأن السوري . في مفترق الطرق منذ اندلاع موجة الثورات العربية مع بدايات عام 2011 فيما عرف عربيا وعالميا باسم " الربيع العربي " فإن مسار الانتفاضة الشعبية، التي سرعان ما تتحول إلي ثورة عارمة ضد الاستبداد والحكم الشمولي واستلاب كرامة الشعوب ونهب ثرواتها، يتوقف علي قدرة القوي المعارضة علي بلورة تحركها الثوري، وتأطيره في "هياكل تنظيمية " قادرة علي تجميع وحشد طاقتها الشعبية، وتنسيق تحركاتها علي طريق إثبات الرفض الشعبي الكامل للحكم المستبد والحاكم الشمولي، وقيادة الفعل الثوري، ومخاطبة العالم كممثل للقوي السياسية المنتفضة . في النموذج الليبي، مثّل تشكيل " المجلس الوطني الانتقالي " في مرحلة متقدمة نسبيا من زمن الثورة، نقلة نوعية مهمة و نقطة تحول في مسار الثورة الليبية، إذ بالرغم من مشكلات التجميع والسعي لاحتواء الخلافات، فقد عبَّر المجلس عن أهداف الثورة الليبية، ونجح في عقد شبكة اتصالات مع الأطراف الدولية، وحصل علي اعتراف عدد معتبر منها، وتمكن من قيادة حركة الثوار وصولا إلي لحظة دخول العاصمة طرابلس، والإشراف علي تنفيذ العملية التي أخذت اسم " فجر عروس البحر " . ونظرا لخصوصية الحالة الليبية، واقترانها بالتدخل الدولي العسكري تحت غطاء الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي، فإن عملية دخول العاصمة طرابلس تمت من خلال التنسيق بين مجموعات الثوار وحلف الناتو الذي قام حتي منتصف أغسطس بعدد من المهمات والطلعات التي وصلت إلي 7459 مهمة هاجم خلالها آلاف الأهداف، مما انهك القذافي وقواته، وساهم في إسقاطه أخيرا . وقد تبدي في النموذج الليبي أهمية الدور الذي قام به المجلس الوطني الانتقالي، حيث بدأت الاتصالات الدولية به لتنظيم تدابير مرحلة ما بعد سقوط القذافي، واعترفت بالمجلس عشرات الدول، وعادت ليبيا من خلاله إلي الجامعة العربية، ويشارك المجلس الليبي في الاجتماعات الدولية التي تعقد بشأن ليبيا ومنها مؤتمر الدوحة الذي عقد منذ أيام لبحث مساعدة ليبيا، ومؤتمر أصدقاء ليبيا في باريس في أول سبتمبر لدعم المسار الليبي بعد القذافي وتدبير الاحتياجات المالية اللازمة . في هذا السياق، يمكن اعتبار أن وجود المجلس الانتقالي لقيادة الثوار في ليبيا جعل النموذج الليبي يتميز حتي عن حالتي مصر وتونس، حيث تشكلت في ظله العشرات من التنظيمات المدنية في مدينة بنغازي، لخدمة قضايا خدمات الجنود والجرحي، ومعالجة الكثير من قضايا المرحلة، كما انتعشت بنغازي في ظله بالمناقشات العامة وحرية الكلمة لبحث مستقبل ليبيا والليبيين . أما في النموذج السوري، وبالرغم من بدء الانتفاضة الثورية منذ منتصف مارس الماضي، فلم يجر بعد إعداد الهيكلة التنظيمية بالصورة التي تجسد حركة المعارضة الشاملة وتمثلها أمام العالم بصورة قوية ومعبرة، فمن ناحية أعلن ناشطون ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد تأسيس " الهيئة العامة للثورة السورية " لتضم كل تجمعات المحتجين داخل سوريا والمعارضين في الخارج «44 مجموعة»، وقال بيان التأسيس " إن هذه الهيئة أسست بعد اندماج كل تجمعات الثورة داخل سوريا وخارجها، لتكون ممثلا للثوار في كل أنحاء سوريا ". وجاءت هذه الخطوة مواكبة لتحرك آخر، تمثل في لقاء أطراف المعارضة السورية في اسطنبول بتركيا، في 21 22 أغسطس، في محاولة لإعداد "بديل للنظام" وعدم السماح بوجود فراغ دستوري بعد سقوط النظام، وبمشاركة نحو 60 ناشطا يمثلون مجموعات سوريا في المنفي، علي أن يتم التواصل مع ناشطي الداخل السوري عن طريق الانترنت ووسائل الاتصال الأخري، وبهدف إعلان " مجلس وطني " مؤلف من 150 شخصية، علي غرار ما قامت به المعارضة الليبية . غير أن " اللقاء التشاوري "للمعارضة السورية في اسطنبول لم يتمكن من إعلان" المجلس الوطني "وقرر المشاركون بدلا من ذلك تأليف لجنة رباعية لمتابعة الاتصالات مع الأطراف في الداخل والخارج، وفي ظل حالة انقسامية واضحة، عاد الفرقاء السوريون وأعلنوا " المجلس الوطني السوري"، مع ارجاء مسألة تشكيله النهائي إلي حين . وتضم المعارضة السورية الإخوان المسلمين والليبراليين العلمانيين والقوميين والأكراد والزعماء المحليين ونشطاء الشباب الذين يقودون الاحتجاجات . ونسبيا أفرزت الانتفاضة قياداتها من الشباب والنشطاء، لكن المشكلة تتمثل أساسا في أن المعارضة السورية لم تتمكن بعد من تشكيل "الكتلة الشعبية" التي تجبر الأسد علي التزحزح عن موقفه مثلما كان في حالتي تونس ومصر، ويبدو أن خلافات تنشب تباعا بين معارضي الداخل والخارج، وقد أُعلن مؤخرا في القاهرة تنظيم جديد لمعارضي الخارج تحت اسم "اتحاد الأحرار السوريين" تحت رعاية حزب الوفد المصري، بهدف تشكيل مبادرة لكل القوي والتيارات السياسية والفكرية والشعبية السورية وكملتقي تشاوري في القاهرة يضم النخب العلمية والسياسية الذين يمكن أن يجتمعوا علي هدف موحد . وبعد سلسلة من الخلافات، استشعر المعارضون الضرر من تأخر تشكيل تنظيم ممثل لهم، فأعلنوا من أنقرة في 30 أغسطس تشكيل "المجلس الانتقالي" من 94 عضوا، غير أن معارضي الداخل اعتبروا أن هذه الخطوة مجرد "قفزة في الفراغ" . وبوجه عام، يمكن القول إن كلا من الأسد والقذافي يقفان علي قمة هرم من جماجم الضحايا (50 ألف في ليبيا، وأكثر من 2500 في سوريا)، وبينما يختبئ القذافي في أحد الجحور، فإن الأسد يفقد شرعيته تباعا، وينشق عنه التابعون (إعلان النائب العام في حماه انشقاقه وجنود وضباط من الجيش) ما يفقد الأسد أوراقه يوما بعد يوم، لتبدأ رحلة الهبوط لنظام أدمن طاعون العنف والقهروتزييف الإرادة واختلاق الانتصارات الإعلامية الكاذبة . أما عن "العلاقة التبادلية" بين الثورات العربية هنا وهناك فقد أصبحت مباشرة وواضحة، فسقوط القذافي يفتح الباب علي مصراعيه لدفع قوي الثورة في سوريا لتقترب لحظة سقوط الزعيم العربي التالي الذي يرجح أن يكون بشار الأسد، بل إن شواهد عديدة تنبئ بأن نيران الثورات العربية تساهم في إنضاج بعضها بعضا، وتساعد علي بلورة الحركة الشعبية الناهضة في المناطق الملتهبة بالثورة، وتغذي القوي القابلة لبدء الانتفاضة الشعبية في مناطق لا تزال في مرحلة "الاختمار الثوري" . أبعاد دولية يصعب الفصل التام بين مسار ثورات "الربيع العربي" من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية من ناحية، وتأثيرات البعد الدولي علي مستوييه الإقليمي والعالمي من ناحية أخري . وفي غمار اللحظة التي نمر بها حاليا ونحن نشهد سقوط حكم القذافي الذي تمسك بالسلطة حتي اللحظة الأخيرة، فإن عنصر التدخل الدولي يبدو بارزا علي عدة مستويات : أولا: تسارعت في الآونة الأخيرة قوة وتأثير التدخل العسكري الأمريكي والغربي في نطاق حملة الأطلنطي علي القذافي، وقبل سقوط القذافي أعلنت واشنطن أن أيامه في السلطة باتت معدودة، وصولا إلي لحظة هروب القذافي واختبائه، وانطلاق الشعب الليبي في الاحتفال بحريته واستعادة كرامته والتخلص من الحاكم المستبد، وهنا تساءل البعض .. هل يعني ذلك أن ينفتح الباب في الأجواء العربية للحديث عن "أهمية" عنصر طلب المساعدة الدولية للتخلص من براثن الحاكم الطاغية ؟ وهل ستكون الخطوة التالية للثوار في سوريا هي طلب المساعدة والعون الدولي من القوي الكبري ومجلس الأمن الدولي لوضع حد لحاكم دموي مستبد لم يتوان لحظة واحدة عن استخدام الأسلحة الخفيفة والثقيلة لإبادة شعب، كل جريمته أنه يطالب بالحرية والكرامة والديمقراطية؟ أليست النتيجة التي تم التوصل إليها في ليبيا تفتح الباب لاستجماع "التأييد الشعبي" لطلب التدخل بمستوييه الإقليمي والعالمي في سوريا؟ ولا يخفي هنا أن دوائر أمريكية وأوروبية تسعي لتجميل صورة التدخل الدولي، وإضفاء الصبغة الإنسانية علي هذا التدخل . ومن الملاحظ أنه بعد أيام من سقوط القذافي، بدأت تتردد في دمشق أصوات للمعارضة تطالب بتدخل عسكري لحلف الناتو لوقف العنف المستمر ضد المدنيين، وطالب متظاهرون في حمص بحظر جوي علي سوريا، ورفعوا لافتات عليها «SOS »بمعني الحاجة لإغاثة إنسانية، وطالب آخرون بدخول قوات عربية تحت لافتة تطلب " قوات درع الجزيرة " الخليجية . ثانيا: يؤكد الرئيس السوري بشار الأسد علنا أنه لاخوف من التدخل العسكري الغربي في سوريا معتبرا أن تداعيات العمل العسكري في سوريا ستكون أكبر بكثير مما يتحملونه، ولذلك يدعو الأسد لما يسميه التفرقة بين التهويل والحرب النفسية والحقائق، وهو لا يأبه بمجلس الأمن مؤكدا أنه " لا يخضع لأحد "، ويحذر تركيا من لعب دور "المعلم" لسوريا، ويعد شعبه بما يسميه القانون الانتخابي الشفاف، بالرغم من استمرار آلة الحرب السورية علي مدار الساعة في حصد ضحايا الحرية من شباب الثورة السورية الباسلة . يأتي هذا بينما تتعالي وتتسع " الجبهة الدولية " التي تطالب برحيله وتشمل واشنطن وبروكسل ولندن وباريس وبرلين وطوكيو، فضلا عن دول عربية تطالبه صراحة بوقف القمع والعنف الدموي الصريح ضد الشعب السوري، وتسحب سفراءها من دمشق . وفي مواجهة الرافضين والمعارضين للأسد هناك جماعة المدافعين عنه (موسكو، إيران، العراق نسبيا، حزب الله، أطراف لبنانية منتفعة) فإيران علي سبيل المثال تدعم حليفها الأسد علي اعتبار أنه مناهض لأمريكا وإسرائيل، وأن سقوطه سيعني مباشرة جعل طهران في مرمي الهدف الأمريكي الإسرائيلي، ومع ذلك ثمة أصوات إيرانية ارتفعت مؤخرا تدعو طهران لإعادة النظر في دعمها للأسد علي طول الخط، مع تصاعد المؤشرات علي قرب سقوطه، حفاظا علي مصالح إيرانية بعيدة المدي، ويلاحظ مؤشرات قوية علي تغيير مرتقب في موقف إيران، ومطالبة طهران للأسد بالاستجابة لمطالب الشعب السوري. ثالثا: يعد مجلس الأمن الدولي قرارا دوليا، يستلهم الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لفرض عقوبات اقتصادية علي سوريا، ومحاكمة رموز سياسية في المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية . لكن علي الجانب الآخر، هناك دوائر غربية تؤكد أن ثمة خطة «غير معلنة» لتدخلات دولية في سوريا، «ليست بالضرورة عسكرية مباشرة»، حيث يجري تصويب وتحسين التدخل الدولي في سوريا بالاستفادة من أخطاء الناتو في التجربة الليبية . كذلك شكل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لجنة دولية للتحقيق في حملة القمع التي تشنها سوريا علي المحتجين رابعا: علي المستوي الإقليمي المباشر، ثمة تطورات علي جانب كبير من الأهمية، وصلات قوية فيما بينها . فمع التركيز الدولي الشديد لمطالبة الأسد بالرحيل، ثمة دلالات
لا تخفي لسعي أطراف إقليمية ( لإشعال الموقف في سيناء )، ومحاولة جر مصر لصراع جانبي خطير، وفتح جبهة تغير من الحسابات الإقليمية وتوازناتها في المرحلة الراهنة . أما التصعيد الآخر الذي ربما نشهد له تطورات لاحقة فيتمثل في الأنباء التي ترددت عن سعي تركيا لإنشاء منطقة عازلة علي الحدود مع سوريا للحيلولة دون تدفق المزيد من اللاجئين السوريين إلي أراضيها وقد بلغ عددهم حتي الآن 41 ألفا، ويعني إنشاء المنطقة العازلة توغلا عسكريا بدرجة ما من جانب القوات التركية عبر الحدود مع سوريا . وعموما، وبالنظر إلي تطورات الموقفين التركي والإيراني، فيبدو أن الدولتين تعدان نفسيهما لمرحلة ما بعد سقوط الأسد . خامسا: تبدو أربع جولات من العقوبات الأوروبية علي سوريا ذات تأثير شديد علي الاقتصاد السوري حتي ولو أنها لم تمس حتي الآن قطاع النفط السوري . وقد تم إخضاع 35 شخصية بينهم الأسد لقرار تجميد الأصول المادية وحظر الحصول علي تأشيرات، واستهداف شركات لها صلة بالجيش السوري متورطة في قمع المتظاهرين، وقد تحولت العقوبات إلي الجانب الاقتصادي والشخصي والسعي لإحالة هرم السلطة إلي المحكمة الجنائية الدولية . ومن جهة العقوبات الأمريكية، فقد منع التعامل في النفط السوري، وجمدت ودائع الدولة السورية في المؤسسات الخاضعة للقانون الأمريكي، لكن لم تفرض واشنطن حظرا علي التعامل مع القطاع المصرفي باستثناء المصرف التجاري السوري وفرعه اللبناني، كما لم تمنع المعاملات التجارية علي أنواعها مع سوريا . وتقول المصادر السورية إن الأمر المقلق حقا هو أن تفرض أوروبا حظرا علي استيراد النفط السوري باعتبار أن معظم هذا النفط يذهب إلي أوروبا، حيث يؤدي ذلك إلي خنق الاقتصاد السوري . وقد توصل ممثلو الاتحاد الأوروبي إلي توافق حول إضافة أسماء 15 شخصية سورية جديدة علي لائحة العقوبات الأوروبية ضد نظام الأسد . وتعود الصادرات النفطية السورية إلي أوروبا عليها بحوالي 7 ملايين دولار يوميا، ومن دون هذه العائدات، ستسارع سوريا إلي استنفاد احتياطياتها الأجنبية والبالغة 17 مليار دولار والتي كانت بحوزتها وقت اندلاع الانتفاضة، وقد أوقف الاتحاد الأوروبي التعاون بين بنك الاستثمار الأوروبي وسوريا، وكانت معظم القروض مخصصة لمشاريع تنموية وتحديث البنية التحتية ووسائل النقل وتمويل صفقات طائرات أوروبية لسوريا، وفي 30 أغسطس، أعلن الاتحاد الأوروبي التوصل إلي اتفاق مبدئي لحظر استيراد النفط السوري، علما بأن الاتحاد يشتري 95 % من صادرات النفط السورية . آفاق .. واحتمالات 1- في سجل الثورات العربية التي يجري حاليا تأريخها واقعيا علي الأرض بكل ما تنطوي عليه من شواهد وخبرات ودروس، أصبح هناك ما يسمي بالنمط الليبي، في إشارة إلي ثورة بدأت سلمية، وواجهتها السلطة بعنف وشراسة واستخدام كل أنواع الأسلحة لقمع إرادة الجماهير، مما دفع الشعب إلي التسلح، وبالتالي تعسكرت المواجهة بين الثوار والحكم، وصولا إلي لحظة إسقاط الطاغية مدحورا أمام الإرادة الشعبية . وعلي الجانب الآخر من النهر، يجري طرح التساؤل الحرج : هل ستؤدي الأحداث الدموية في سوريا إلي "عسكرة " المواجهة أم تحافظ ثورة سوريا علي سلميتها حتي لحظة بلوغ أهدافها ؟ من المؤكد أن هذه الفكرة طرحت علي أجندة المعارضين والمحتجين حينما قرر نظام الأسد مواجهة الانتفاضة الشعبية بالقوة، وتمادي في استخدام الأسلحة بكل أنواعها ضد المتظاهرين، غير أن الاتجاه الغالب، حتي الآن علي الأقل، هو الحفاظ علي سلمية الثورة السورية حتي لا تتأثر القدرة علي التظاهر والخروج إلي الشوارع، وحتي لا تؤدي المواجهة المسلحة إلي زيادة عدد الضحايا، وكذلك لتجنب تطور المواجهات في الشارع السوري، وأيضا لأن الحفاظ علي سلمية الثورة يكسبها تعاطف الرأي العام داخليا وخارجيا، وتعاطف المجتمع الدولي في مواجهة قوة غاشمة وسلطة استبدادية، تواجه المدنيين بالحديد والنار، ومع ذلك فإن الأيام القادمة مفتوحة علي عدة احتمالات مع تصاعد الاشتباكات المسلحة بين قوات الأسد والمنشقين عليه من الجنود السوريين . 2- أما الجانب الآخر الذي يعقد "الصلة" بين النموذجين الليبي والسوري فيما يتعلق بمسار الثورة ومصيرها فهو عنصر"التدخل الدولي"، وهنا لا يمكن تجاهل التلميحات التي صدرت عن بعض أعضاء حلف الناتو حول احتمالات اضطرار الحلف للتدخل عسكريا في كل من اليمن وسوريا، وعزم الناتو نشر قوات دولية في ليبيا لحفظ الأمن والسلام، وما يجري من مشاورات بين أعضاء الحلف حول توصل مجلس الأمن الدولي إلي قرارات محتملة في هذا الصدد . وطبعا، بالنسبة لسوريا يجري الحديث عن " تركيا " التي تشارك سوريا بحدود برية تصل إلي 800 كم، فضلا عن امتلاك تركيا لجيش متنوع ومتطور ومجهز جيدا . ويبدو أن الحديث عن "تدخل عسكري غربي" في سوريا قد تجاوز مرحلة التلميحات لدرجة أثارت المخاوف لدي روسيا، مما دفع ديمتري روجوزين سفير روسيا لدي حلف الأطلسي (الناتو) للتحذير بأن توجيه ضربة عسكرية إلي سوريا، سيعني مباشرة شن الضربة العسكرية التالية علي إيران بسبب استمرارها في انجاز البرنامج النووي . وتردد بعض الدوائر أن الحديث شديد اللهجة الذي وجهه الرئيس الروسي ميدفيديف إلي الرئيس السوري بشار الأسد لمطالبته بالكف عن ممارسة العنف ضد المتظاهرين، كان يحمل في طياته تحذيرا للأسد حول " المصير الأسود " الذي ينتظره في حال استمراره في القمع الدموي للمدنيين، ومؤخرا، هددت روسيا الأسد بمساندة قرار مجلس الأمن ضد سوريا في حال استمراره في استخدام العنف ضد المتظاهرين . ولم يخفف من هذه المخاوف بالتدخل الدولي في سوريا إعلان الأمين العام لحلف الأطلسي اندرس فوج راسموسن بأنه لا نية للحلف لشن هجمات عسكرية علي سوريا، كما يتزايد يوما بعد يوم قلق النظام الإيراني الحليف للأسد من مغبة التدخل العسكري الغربي في سوريا، و"اللحظة" التاريخية المريعة التي ستشهد فيها المنطقة إعلان سقوط نظام بشار الأسد. ولابد هنا من ملاحظة المغزي وراء جولات ميدانية يقوم بها السفير الأمريكي في دمشق، في شوارع سوريا لإبلاغ السوريين تضامن أمريكا معهم ودعمهم . 3- ويلقي سقوط القذافي ظلالا مرة أخري علي مسار الثورة السورية، فيما يتعلق بوجه الشبه في الحالتين في مرحلة " ما بعد السقوط " . ولا يخفي أنه علي المستويين الإقليمي والعالمي، هناك مخاوف متزايدة من فوضي ما بعد السقوط، وهي حالة يسعي الجميع لتجنبها وحصر تداعياتها . وقد أعطي حلف شمال الأطلسي تكليفا رسميا بالتخطيط لليبيا بعد سقوط القذافي، وأعلن مسئول في إدارة أوباما أن عددا من أعضاء المجلس الوطني الانتقالي الليبي سيستمرون في التشاور مع مسئولين من الولايات المتحدة وبريطانيا والأردن والإمارات، وربما دول أخري، في غضون أيام، للمشاركة في التخطيط ورسم ملامح اليوم التالي لرحيل القذافي، فيما أكد المسئول أن الفكرة المثارة تتعلق بتشكيل قوة قوامها 1000 2000 فرد للتمركز في ليبيا لضبط الأوضاع بها، وذلك علي خلفية فكرة يرددها مسئولون أمريكيون وأوروبيون مضمونها أن حركة المعارضة في ليبيا غير جاهزة بعد لتولي الحكم، وبسبب القلق من سقوط أسلحة كيماوية وأسلحة أخري قيل إن القذافي يملكها، في أيدي عناصر تسيء استخدامها . ومن هنا كان كشف الناتو تأييده فكرة نشر قوات حفظ سلام دولية في ليبيا، بل ومشاركة جنود غربيين بملابس مدنية مباشرة في عمليات التمشيط لتعقب القذافي في طرابلس. علي نفس المنوال يعلق الكاتبان الغربيان مارك هوزنبل ولورا ماكانيس علي حالة سوريا بالقول إن المعارضة في سوريا أكثر انقساما وأقل تنظيما من المعارضة في ليبيا، ومع أن هناك فكرة مؤداها أن الغرب تأخر كثيرا في المطالبة برحيل الأسد، غير أن ذلك كان بسبب ضرورة أن تنجز المعارضة خطوات مهمة علي طريق الحشد والضغط علي النظام، مع توقعات بأن الصراع في سوريا قد يستمر لبعض الوقت، وأن بشار ليس في وارد التخلي عن السلطة قريبا، غير أن سقوطه بات متوقعا بدرجة أكبر، وقد يعقب ذلك حكومة ضعيفة يهيمن عليها السُنة، وقد تتحول سوريا إلي ساحة للفوضي أو لمعارك، تدخل فيها أطراف إقليمية .. حزب الله، السعودية، إيران، وقد يزداد الموقف تعقيدا، خاصة مع رفض دمشق التعاطي مع المبادرة التي طرحتها الجامعة العربية وتتضمن سحب الجيش من المدن وبدء تنفيذ إصلاحات سياسية . 4- تبدو التحديات التي تواجه الليبيين بعد سقوط القذافي متعاظمة في ظل تطورات متصاعدة . فمن ناحية، هناك الصراع أو التنافس الدولي علي "كعكة الاستثمار" في ليبيا، الدولة النفطية التي لديها احتياطيات واستثمارات داخل وخارج ليبيا تقدر بمليارات الدولارات . وبالطبع تسعي الدول التي ساعدت في إسقاط القذافي (فرنسا بريطانيا ايطاليا الولايات المتحدة) للحصول علي نصيب الأسد من هذه الاستثمارات، ومن النفط الليبي . من ناحية أخري، يبدو مستقبل ليبيا رهنا بحفاظ المجلس الانتقالي علي وحدته، وقدرته علي قيادة الموقف الأمني والسياسي في ظل مرحلة لا تزال تتسم بعدم الانضباط، ومن المؤشرات المبشرة أن دخول الثوار العاصمة طرابلس لم يصاحبه أعمال انتقامية علي نطاق واسع كما كان متوقعا، ولم تجر عمليات إقصاء واستئصال ضد قوي مناوئة، حيث حرص المجلس الانتقالي علي دعم عملية تصالحية، بقدر الإمكان، لتجنيب ليبيا التجارب العربية البائسة في هذا الصدد. كذلك من المبشر بدء الحديث عن تشكيل حكومة مؤقتة، والشروع في الإعداد من أجل " العملية السياسية " وتشكيل مجلس تأسيسي في غضون 8 أشهر، وإجراء الانتخابات، وإعداد الدستور الليبي، وهي خطوات تنتظرها صعوبات كبيرة نظرا لحداثة ليبيا فيما يتعلق بممارسات سياسية لم تعهدها في ظل حكم القذافي علي مدي اكثر من 40 عاما، وبالرغم من إعلان باريس ودول غربية وعربية عن بدء تدبير الأموال لدعم المجلس الانتقالي في ليبيا لحل المشكلات الحياتية لليبيين، فإن تأخير هذه الخطوة يمكن أن يؤدي للإضرار بقدرة المجلس علي الاستمرار وإنجاز المهمة الكبري لإعادة بناء وإعمار ليبيا .

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.