الهدف الأكثر أهمية الذي عقدت في ظله قمة كوبنهاجن للمناخ، والتي بدأت اعتبارا من السابع من ديسمبر الجاري، وتستمر حتي الثامن عشر، هو الإقرار(بمسئولية الإنسان) عن ظاهرة الاحتباس الحراري للكرة الأرضية، والآثار الضارة التي يعاني منها العالم في هذا الصدد، وذلك في ظل سؤال يؤرق الجميع وهو : كيفية العودة إلي عالم صحي، خال من التلوث، وبه أكبر مساحة ممكنة من الخضرة مثلت المشاركة الأمريكية في القمة نقطة تحول في مسار الجهد الدولي لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري عززه مساهمتها مع الدول الكبري بدفع 10 مليارات دولار للدول النامية لمساعدتها علي التصدي لتداعيات ارتفاع درجة حرارة الأرض. (سياسيا) للتوصل إلي اتفاقية دولية بشأن المناخ الدولي. وعلي الرغم من مشاركة 192 دولة، من بينهم 100 زعيم ورئيس حكومة، وقيام 15 الف شخص بالمفاوضة في هذا الشأن، فإن الموقف لم يخل من اتهامات متبادلة، بالتقصير في مكافحة التغيرات المناخية، وتحذير الخبراء من أن الموقف وصل إلي درجة من (الخطورة ) التي تجعل مسألة الاتفاقية الدولية قضية محورية، خلال وقت أقصاه النصف الأول من عام 2010، لتحل محل بروتوكول كيوتو الذي ينتهي العمل به مع نهاية عام 2012. قلق عالمي وقبيل بدء قمة الأممالمتحدة حول المناخ في العاصمة الدانماركية كوبنهاجن، وانعكاسا لاهتمام عالمي بالقمة التي طال انتظارها، تعددت المؤشرات التي تعكس قلقا وتوترا عالميا مبررا إزاء ظاهرة الاحتباس الحراري، وتطلعا من العالم شماله وجنوبه، إلي اتفاق ينقذ سكان الأرض من مخاطر محققة. فمن ناحية، وقع عشرون خبيرا من مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة إعلانا في جنيف، يحذر من أن ضعف أوفشل مفاوضات قمة كوبنهاجن، سيعد شيئا مما يمس حقوق الإنسان، وذلك في إشارة قوية إلي أن المعاناة الأكبر لمشكلة تغيرات المناخ العالمي، هي من نصيب فقراء العالم بالدرجة الأولي، لأنهم هم الذين يعيشون أصلا في ظل أنظمة بيئية متداعية، وأنماط حياة تقليدية ، أشد ارتباطا بالأرض ومواردها. ومن الملاحظات المهمة أن القلق العالمي بشأن المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض، بلغ ذروته خلال الفترة الراهنة في مناطق أمريكا اللاتينية، ودول آسيا الوسطي (78%). مخاطر محققة في قمة كوبنهاجن، صرح وزير التنمية المستديمة الفرنسي جان لوي بورلو بأن العالم يحتاج (حتي يواجه مخاطر المناخ العالمي) لإنفاق 30 مليار دولار سنويا، لمدة عشرين عاما. وفي السياق، حذرت المنظمة الدولية للهجرة من أن التغيرات المناخية قد تتسبب في تشريد ما يتراوح بين 52 مليونا، إلي حوالي مليار شخص علي مدار العقود الأربعة المقبلة. وكانت دراسة بريطانية حديثة قد أكدت أن ثاني أكسيد الكربون هو السبب غير المباشر لأكثر من 50% من حجم ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الأرض أكثر مما هو معتقد. ويري العلماء أنه يجب ترشيد استهلاك ثاني أكسيد الكربون حسب معدلات بيئية محددة. (تأكد احتواء الجو علي 380 جزءاً بالمليون من غاز ثاني أكسيد الكربون بعد أن كانت تصل إلي 275 جزءا بالمليون قبل الثورة الصناعية). ويؤكد رئيس الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ أنه من المتوقع أن يتزايد ارتفاع درجات الحرارة بحلول عام 2100 ما بين درجة مئوية، إلي 4. 6 درجة مئوية (وهناك تقديرات أخري من درجة إلي 8 درجات) وهو ما يعني أن النتائج ستكون خطيرة في أجزاء مختلفة من العالم، ومن ذلك الضغوط علي المياه، والتأثيرات السلبية علي الأنظمة البيئية، وانقراض عدد كبير من الكائنات الحية، والتأثيرات علي الأمن الغذائي، وتهديد أرواح البشر، والفيضانات الساحلية. وبمناسبة انعقاد قمة كوبنهاجن، أكد ميشيل جارو رئيس منظمة الأرصاد العالمية أن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين هو الأكثر حرارة علي الإطلاق، وان التسعينات من القرن الماضي كانت أكثر دفئا من الثمانينات، وأن عام 2009 سيصنف علي الأرجح علي أنه خامس أكثر الأعوام حرارة منذ بدء تسجيل بيانات المناخ الدقيقة في عام 1850. من هذا المنطلق، فإنه من المؤكد أن المسئولية الملقاة علي عاتق قمة كوبنهاجن هي مسؤلية خطيرة، ترقي إلي مهمة انقاذ الأرض وسكانها، إذ إن ارتفاع مستوي مياه البحار والمحيطات تمتد تأثيراته إلي تهديد الموارد الأساسية اللازمة لاستمرار الحياة (الغذاء والمياه الصالحة للشرب) وذلك إذا ما تدهور الموقف، وساءت حالة الأرض إلي درجة انتشار الجفاف، وضياع المحاصيل، وغرق مناطق آهلة بالسكان، وانتشار الفقر، هذا، بالإضافة إلي مخاطر انتشار أنواع من الأمراض والوفيات (زيادة معدلات الإصابة بسرطان الجلد بنسبة 26%، وأمراض العيون، وضعف الجهاز المناعي). وفي هذا الإطار، فإنه من الممكن أن تؤدي تغيرات المناخ إلي تغيرات جغرافية واسعة النطاق. ذلك أن هناك توقعات بتراجع الأمطار في منطقة البحر المتوسط، ومن ثمة تزايد خطر انقراض نحو 30% من الأنواع النباتية والحيوانية، وابيضاض الشعاب المرجانية، وزيادة الأضرار الناتجة عن الفيضانات والعواصف، وتراجع المحاصيل الزراعية، وخاصة الحبوب، وظهور أمراض أكثر ضراوة، وغرق مساحات من المناطق الساحلية. وبناء علي ذلك، فإن الهدف الذي يسعي إليه الجميع، وتتطلع إليه من (الاتفاق المأمول) في ظل قمة كوبنهاجن هو محاولة وقف ارتفاع درجة حرارة الأرض درجتين مئويتين في المعدل، مقارنة مع المستويات التي كانت موجودة قبل العصر الصناعي. كان الاتحاد الأوروبي قد اعتمد فكرة الحد من ارتفاع الحرارة درجتين مئويتين منذ فترة، وفي يوليو الماضي، اتفقت مجموعة الثماني في قمة لاكويلا في ايطاليا، وكذلك في منتدي الاقتصاديات الكبري، علي السعي لتحقيق هذا الهدف. معضلة كوبنهاجن المطلوب من الدول الكبري الصناعية هو خفض انبعاثاتها من الغازات، الأمر الذي يعني تحميل ميزانياتها بتكاليف، لاترحب بالطبع بمواجهتها. ويصطدم التوافق الدولي علي هدف خفض الدرجتين المئويتين بصعوبات كبيرة علي طاولة المفاوضات، فالبقاء تحت هذا المستوي يتطلب تخفيض مجمل الانبعاثات العالمية المسببة للارتفاع الحراري إلي النصف بحلول عام 2050، وهذا يعني أن المستوي الأقصي للانبعاثات ينبغي أن يتحقق في 2015، علي أن يبدأ بالتراجع في 2020. وتصر الدول النامية، والناشئة علي أن الدول الصناعية هي التي يجب أن تتحمل (المسئولية التاريخية) في ظاهرة الارتفاع الحراري، وتطالبها بخفض كبير في انبعاثاتها الغازية. وفي ظل غياب إجراءات كافية، فإن الكثير من الدول الصاعدة في منتدي الاقتصادات الكبري، ومنها الصين التي أصبحت أكبر ملوث عالمي، ترفض في الوقت الحالي اعتماد هدف تقليص الانبعاثات إلي النصف بحلول 2050. كما ترفض الهند والبرازيل وجنوب افريقيا خفض الانبعاثات (بحلول 2050) بذريعة أن هذه القاعدة تعني المساواة بين الدول الصناعية الكبري (التي تمثل السبب الأول في المشكلة) والدول الناشئة (التي تتحمل الجزء الأكبر من المعاناة). وفي كوبنهاجن، قدمت وثيقة مشتركة (الصين البرازيل الهند جنوب أفريقيا) للإعراب عن رغبتهم في التوصل إلي اتفاق بحلول يونيو 2010، وحددت الدول الأربع المسئولة عن 30% من الانبعاثات الكربونية في العالم يونيو المقبل موعدا لإنهاء المحادثات بشأن نص قانوني للاتفاق. ويعبر خبير بريطاني عن هذا المأزق الدولي بقوله "إن العالم سيكون أكثر حظا إذا لم يتوصل إلي اتفاق في كوبنهاجن، لأنه في هذه الحالة سيعود إلي نقطة الصفر، بينما إذا توصل إلي مجرد اتفاق، فإنه سيكون عقيما" مبدأ (الحياة أولا) وفي حقيقة الأمر فإنه ما لم تتفق الولاياتالمتحدة والصين علي أسس (توافقية) في هذا الصدد، فإنه من المستبعد التوصل إلي اتفاقية دولية للمناخ. وهناك مشكلة خاصة بالولاياتالمتحدة، فإنه حتي لو تم التوصل إلي اتفاق، فإنه سيبقي رهنا بموافقة وتصديق الكونجرس الأمريكي عليه، وهو ما يعد ليس من قبيل الأمور المضمونة. وفي مناسبات سابقة، كان هناك من يتحجج في الولاياتالمتحدة بما يطلق عليه (نمط الحياة الأمريكي) وهوما يخرج في نظر الأمريكيين عن حدود أي نقاش. علي أن المسألة المناخية في العالم تتصل بصورة، أو بأخري بما إذا كان (أصحاب القرار) في كل دولة في العالم يمنحون الأهمية (للسوق) كأولوية، أم أنهم الآن قادرون علي تغليب فكرة (الحياة أولا). فحتي الآن تدافع كل دولة عن مصالحها الخاصة، وقدراتها في توليد الأرباح واستخدامات الطاقة (فالأرض سلعة والهواء سلعة) كما يقول ريكاردو بيتريلا، ويبقي مصير الحياة والبيئة رهنا بالمنطق الرأسمالي في جوهره.