في زخم الحديث عن استئناف المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين واسرائيل، يجري اطلاق بالونات اختبار من هنا وهناك، لبحث الوجهة التي يمكن ان تسفر عنها هذه المفاوضات، فتحدث البعض عن اعتبارها مجرد إضاعة للوقت، طالما انها لن تتقيد بصورة نهائية ينبغي التوصل اليها، وهناك من يعتبرها طوق نجاة لأشخاص بعينهم، وهناك من يتحدث عن انها ستسفر عن دولة فلسطينية مؤقتة، مع تسليم الفلسطينيين مساحة 40% من الضفة، وإخلاء عشرات المستوطنات. ويقول يوسي بيلين، وزير العدل الاسرائيلي الاسبق، والمحسوب علي تيار السلام في اسرائيل، إن الحل المحتمل هو خطوة مؤقتة، تتمثل في انسحاب اسرائيلي من مساحة تتراوح بين 20% و40% من الضفة الغربية، مع اخلاء لبضع عشرات من المستوطنين من منازلهم، واقامة دولة فلسطينية او "دولة قيد الانشاء" في حدود مؤقتة، تعترف بها إسرائيل. ويصف بيلين ذلك، في مقال له بصحيفة "يسرائيل هيوم"، تحت عنوان "مفاوضات مباشرة علي تسوية جزئية" بأنه خطوة قد يكون رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قادرًا علي المبادرة بها، وان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد يكون قادرا علي ان يتعايش معها، وبالنسبة للرئيس الامريكي باراك أوباما ستكون أفضل من استمرار الوضع الحالي. ويؤكد بيلين ان أبومازن لا يريد المحادثات المباشرة مع نتنياهو، لأنه يعلم انها لن تؤدي إلي اتفاق دائم منشود، بينما سيربح نتنياهو من هذه المحادثات، لأنها ستمنحه الحصانة من الانتقاد الدولي، لأنه سيبدو ظاهريا كمن يجري مفاوضات مهمة. وفي هذه الأثناء ستستمر اعمال الاستيطان، بينما يبدو ابو مازن امام العالم العربي كشخص لا لزوم له، وهو ما يعني ان المحادثات ستنتهي بإحباط وأزمة. ويشكك بيلين في رغبة نتنياهو وابو مازن في التوصل الي اتفاق جاد وتسوية دائمة، فيقول: "لو كانت هناك فعلا إرادة متبادلة للوصول الي تسوية دائمة، لوجد الطرفان نفسيهما منذ زمن بعيد في ذروة محادثات سرية، في نهايتها كانا سيفاجآ العالم بحل. لا توجد محادثات سرية كهذه لأن جانبا واحدا ليس مستعدا لأن يدفع ثمن السلام والجانب الآخر يفهم هذا". ويشير إلي أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وحدها هي التي تريد التسوية وتدرك العلاقة التي تربط بين تحقيق السلام في الشرق الأوسط والقدرة علي إخراج القوات الأمريكية من افغانستان والعراق. ويصف اسرائيل في عهد نتنياهو بأنها تريد السلام، ولكنها غير مستعدة له، وبالتالي تفضل السعي لإلقاء التهمة علي غيرها. بينما يصف ابو مازن بأنه مهتم بالسلام، "وموافق علي السلام في صيغة كلينتون او مبادرة جنيف، ولكنه يصل إلي الطاولة دون السيطرة في غزة، ومع منظمة فتح عرجاء". ويؤكد يوسي بيلين أن اوباما لن يفرض علي نتنياهو اتفاق سلام، وأن بوسعه فقط ان يفرض عليه فك الحصار عن غزة، ولكن ليس بوسعه ان يفرض عليه حل مشكلة اللاجئين، كما ان غزة لن تعود غدا إلي كنف السلطة الفلسطينية، ويتهم حماس بأنها ستحاول تفجير كل اتفاق يتحقق بين أبومازن وإسرائيل". وبينما يقول إن موافقة لجنة المتابعة في الجامعة العربية لمنح أبومازن ضوء أخضر للانتقال إلي محادثات مباشرة، جلبت فرحة مبكرة جدا في إسرائيل، حذر من أن فشل المحادثات سيؤدي إلي إحباط أكبر بكثير. في المقابل، لا يستبعد الوزير الإسرائيلي الأسبق عوزي برعام، الذي كان سكرتيرا عاما لحزب العمل الاسرائيلي، ان يرفض أبومازن الدخول إلي مفاوضات مباشرة، مؤكدا ان لديه مبرراته، مشيرًا إلي ان قرار الجامعة العربية السماح لأبو مازن بالسير نحو مفاوضات مباشرة منح نتنياهو انتصارا سياسيا. ويبدو برعام كمن يرفض المماطلات حين يؤكد في مقال له بصحيفة "يسرائيل هيوم" ان شروط التسوية المحتملة واضحة للجميع، ويعرفها نتنياهو ووزير خارجيته افيجدور ليبرمان ووزير دفاعه ايهود باراك ايضا. ويعتقد برعام ان نتنياهو نجح في تأكيد رغبته في السلام لكل من مصر والأردن والولاياتالمتحدة واوروبا، ولذلك يأخذون بيد نتنياهو ويضغطون علي ابو مازن لقبول المفاوضات المباشرة، لكن برعام يغفل إصرار مصر علي الحصول علي ضمانات بألا تتحول المفاوضات إلي إضاعة للوقت هذه المرة ايضا. ويقول: "صحيح ان هناك تضاربًا بين مواقف معظم الأحزاب التي تسكن الائتلاف الحالي (في الحكومة الاسرائيلية) وبين التسوية المرتقبة، التي تنص علي تقسيم القدس والعودة الي حدود 1967 مع تبادل للأراضي، إلا أنه لا نتنياهو، ولا ليبرمان ولا يعلون سينجحون في الحفاظ علي مواقفهم والتقدم نحو التسوية في نفس الوقت". ولم يفت برعام ان يوجه انتقادا لاذعا لحزبه "العمل"، مؤكدا انه دفع ويدفع ثمنا انتخابيا عميقا ومتواصلا علي شراكته في حكومات إسرائيل، في ظل شطب الصيغة الفكرية - السياسية التي ميزته، مطالبا إياه بالخروج من ائتلاف حكومة نتنياهو، لأنها تواصل تطوير المستوطنات. ويصف الوزير الإسرائيلي الأسبق بناء المستوطنات بأنها "الخطأ التاريخي الأكبر لحكومات إسرائيل"، مطالبا حزب العمل بالخروج من حكومة نتنياهو فورا حتي ينفجر جدل جماهيري حول طبيعة التسوية التي يريدها الاسرائيليون. من جانبه يري المحلل الإسرائيلي يوئيل ماركوس ان نتنياهو اثبت انه اول رئيس للوزراء في إسرائيل يقوم بتجميد الاستيطان منذ عام 1967، وانه ينبغي استثمار ذلك للسير نحو الملفات المهمة في المفاوضات مع الفلسطينيين. ويقول في مقال له بصحيفة هآرتس ان الضوء الأخضر الذي منحته جامعة الدول العربية لأبومازن من أجل السير إلي المفاوضات المباشرة مع اسرائيل يمثل لحظة فارقة في تاريخ العلاقات العربية الاسرائيلية، عند مقارنته بقمة اللاءات الثلاثة الشهيرة التي قادها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. ويؤكد ماركوس أن الوقت لا يعمل لحساب أي من الطرفين، بما يتطلب الانطلاق في المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها في عهد رئيس الوزراء السابق ايهود اولمرت، والتركيز علي الملفات والموضوعات التي يمكن الاتفاق عليها سريعا قبل ان "يفسدها محور الشر". ويوضح الأمر قائلا: "الآن، ومع اقتراب حماس من الارتباط شيئا فشيئا بإيران، يكون لدي أبو مازن كل الأسباب التي تجعله رئيسا قلقا. وليس هذا هو الوقت المناسب لفحص قدرة بيبي علي تطويل فترة تجميد البناء في المستوطنات، وإنما ينبغي الدخول الي لب الموضوع. جاء الدور علي الفلسطينيين الآن كي يثبتوا أنهم مؤهلين للحديث عن السلام في مفاوضات مباشرة". لا استقرار تكفي نظرة سريعة ومتأنية لأحوال منطقة الشرق الاوسط لتصل إلي نتيجة قاطعة من كلمتين، هما "لا استقرار". فالجميع يبدو كمن يسير علي حبال مهتزة بعنف، ومن يختل توازنه سيسقط فوق زر يعطي إشارة باندلاع زلزال، لن يؤثر عليه هو فقط، وإنما سيؤثر في جميع المحيطين، باختلاف درجات التقارب والتداخل. فعند النظر إلي كل بقعة، سوف تجد كبتا وضغوطا داخلية، وحذرا خارجيا، والخوف كل الخوف ان يتزامن الانفجار علي الجانبين، فتخرج الأمور عن السيطرة. ولكن القاسم المشترك بين الجميع هو الهروب إلي الخارج. فالبعض يتهم إيران بأنها تسعي لإثارة الأزمات في المنطقة لصرف الأنظار عن برنامجها النووي وإفساد المخططات التي يجري الحديث عنها لتوجيه ضربة عسكرية اليها. وهناك من يقول إن حزب الله يسعي لإشعال الحدود اللبنانية الاسرائيلية من أجل تهيئة الساحة اللبنانية لرفض كل ما ستسفر عنه المحكمة الدولية للتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، والتي تحدثت بعض التسريبات عن اتهام شخصيات في حزب الله بأنها وراء جريمة الاغتيال. وقال البعض إن حماس تريد ان تحدث نوعا من الفوضي بالمنطقة لمنع استئناف المفاوضات بين أبومازن وإسرائيل في ظل عدم إنصات احد لمطالبها من اجل المصالحة الوطنية الفلسطينية. وكان هناك من يتحدث أيضا عن حاجة اسرائيل لحرب اقليمية محدودة، تعفيها من استحقاقات المفاوضات والسلام، وتصرف الأنظار بعيدا عن ازماتها الداخلية، وتختلق حجة لإعادة الهجوم علي قطاع غزة بدعوي ان حماس تطور ترسانة متطورة من الاسلحة. وخلاصة كل ذلك، ان المنطقة بأكملها تقف علي حافة برميل من البارود، سرعان ما سينفجر في وجه الجميع، اذا ما بادر احدهم الي اللعب بعود كبريت في هذا التوقيت. وسيناريو المأساة بسيط، وهو باختصار: اسرائيل توجه ضربة عسكرية لمواقع إيرانية، وايران ترد بقصف اسرائيل والقوات الأمريكية في قطر والامارات والعراق، حزب الله يطلق صواريخه علي إسرائيل، حماس تطلق صواريخها علي إسرائيل، إسرائيل ترد بهجوم علي جنوب لبنان وقطاع غزة، صواريخ ايرانية طويلة المدي تسقط داخل الأراضي المصرية، أزمة داخلية في مصر بسبب انتخابات مجلس الشعب والانتخابات الرئاسية، جبهة الجولان السورية تشتعل لأول مرة منذ 37 عاما، غارات اسرائيلية علي دمشق، سوريا ترد بالصواريخ، تفجيرات في سفارات إسرائيل والولاياتالمتحدة بأنحاء متفرقة من العالم!. يمكنكم أن تكملوا بقية السيناريو!