سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كل شيء هادئ في "شارل ديجول".. أمن المطار يتعمد تسهيل التفتيش والإجراءات رغم انتشار الجيش بالشوارع.. صحف وقنوات ممولة من قطر بدأت موجة تحميل "مصر للطيران" مسئولية السقوط
عندما زرت باريس لحضور مؤتمر المناخ الذى أقيم فى ديسمبر الماضي، أى بعد الهجمات الإرهابية التى تعرضت لها باريس فى ليلة الجمعة السوداء كما يسميها الفرنسيون بأسبوعين فقط.. كانت أحوال مطار «شارل ديجول» متوترة للغاية، فقد تم تفتيشنا بمجرد أن خرجنا من باب الطائرة.. بواسطة ضباط الشرطة، وكان عددهم ليس قليلا. كان الجو العام فى المطار يوحى بحالة قلق شديدة، فلم يمر على الأحداث الكارثية سوى أسبوعين، وما زالت صور الضحايا والدماء عالقة فى الأذهان، لذلك كان التفتيش والحذر فى المطار فى أعلى درجاتهما فى كل نقطة يمر عليها القادمون والمغادرون، من أول الخروج من الطائرة، إلى الخروج من أبواب المطار، غير الأسئلة الكثيرة مثل «لماذا تحضر وأين تقيم فى باريس ومتى ترحل، وأين إثبات أنك جئت لحضور المؤتمر أو غيره؟». وكررت الزيارة منذ عشرة أيام تقريبًا، وقبل حادثة مصر للطيران بأيام قليلة، وأول شيء كان لافتا للنظر فى مطار شارل ديجول، أن كل شيء تغير عن المرة السابقة، فلم يكن هناك أى تشديد أو رقابة أو حتى أسئلة.. وكأن الفرنسيين فقدوا الذاكرة بالنسبة لما حدث فى نوفمبر الماضي. وخرجت من المطار بسرعة وسهولة كبيرة مقارنة بالمرة السابقة، وبعدها بأيام كانت فاجعة مصر للطيران، والتى لم يستبعد الرئيس الفرنسى «فرانسوا أولاند» فى أول ظهور له بعد الحادثة أن عملًا إرهابيًا قد حدث، قائلا: «لا أستبعد فرضية الإرهاب» كما قال وزير خارجية فرنسا «فرضية الإرهاب هى الأقوى».. وتحدث الفرنسيون عن أن مطارات فرنسا بشكل عام يقل فيها التواجد الأمنى ليلًا، وتشهد ثغرات أمنية بالفعل، حيث إنها عادة فرنسية بسبب انخفاض حركة الطائرات ليلًا، وأن الطائرة الوحيدة التى تصل متأخرة دائما تكون تلك القادمة من الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو ما ينتج عنه حالة من الاسترخاء الأمنى فى المطارات، لذلك لم يستبعدوا العمل الإرهابى، وهو ما جعل المسئولين فى «فرنسا» يستدعون كبير خبراء الطيران فى الدولة، والذى قاد فى السابق أول طائرة بسرعة الصوت، لمعرفة رأيه الفنى فيما حدث، والذى قال إن كل الاحتمالات واردة، قد يكون عطلا فنيا، وقد يكون إرهابا. وأضاف أن كفاءة شركة «مصر للطيران» والطيارين المصريين توازى كفاءة شركات الطيران الفرنسية والطيارين الفرنسيين. وبعد يوم واحد بدأ الفرنسيون سواء على مستوى الحكومة أو الشعب فى التحدث عن التسريبات الخاصة بارتفاع درجة الحرارة فى الحمام والكابينة، وأن ماسا كهربائيا تسبب فى انبعاث دخان كثيف، ما أربك الطيار ولم يستطع التعامل مع الموقف، فانحرفت منه الطائرة بشدة مرتين ثم وقعت فى البحر، وهى التسريبات التى خرجت من شركة «إير باص» عبر برنامج خاص لديها لمتابعة طائرتها فى الجو.. وسواء كان ذلك هو السيناريو الحقيقى وما حدث أم لا.. لأن التحقيقات لم تنته حتى الآن وما زال البحث جاريًا عن الصندوقين الأسودين، وبالتالى ليس هناك يقين بشيء ما، فإن فرنسا بالكاد بدأت فى استعادة السياحة التى فقدتها على خلفية أحداث نوفمبر، وهى على أعتاب موسم سياحى جديد فى شهور الصيف، قد يعوضها ما فقدته فى الشهور العجاف، التى أعقبت الهجمات الإرهابية، ما خلف أزمة اقتصادية فى فرنسا غير أزمة البطالة، التى تسبب صداعا مزمنا للحكومة الفرنسية والرئيس «أولاند».. كما أن كأس الأمم الأوروبية، سوف تقام على أرضها الشهر المقبل، أى أنه فى كل الأحوال ليس من مصلحة فرنسا أن تكون مخطئة بأى شكل من الأشكال فى حادث الطائرة، فإنه فى اليوم الأول للحادث، كانت الوثائق الخاصة بمطار «شارل ديجول» عن الكشف عن الطائرة، قبل تحركها والتى يقوم بها المطار بشكل روتينى، تؤكد أن لا عطل فنيا فى الطائرة، وأن كل شيء سليم تماما.. أى أنه من مصلحة فرنسا أن يكون الخطأ من الطيار وليس الطائرة التى هى أيضا فرنسية الصنع.. كما أن الصحافة والإعلام أغلبها كانت تدين الطيار وشركة مصر للطيران، وعندما سألت بعض الأصدقاء الذين يعملون فى الصحف والفضائيات الفرنسية، وكذلك بعض المسئولين فى بعض السفارات العربية، علمت أن قطر الآن تمتلك صحفا فى فرنسا وعلى رأسها صحيفة «لوموند»، والتى تعد الجريدة الأولى فى فرنسا، وأنها أيضا تمتلك نسبا كبيرة من الشراكة فى بعض المحطات الإخبارية التليفزيونية، وكذلك الأندية الرياضية، وهى تمتلك الآن نادى «باريس سان جيرمان» بالكامل، وعلى الرغم من أن هذا الاجتياح القطرى ليس مرضيا للشعب الفرنسى، إلا أن تحكم قطر فى بعض الصحف والفضائيات يوجه المحتوى الإعلامى كثيرا، فقد حدث من قبل أن ظلت صحيفة «لوموند» تسمى ما حدث فى 30 يونيو «انقلابا» لمدة طويلة وكذلك قناة «فرانس 24» والتى ما زالت لا تتعامل بحيادية مع الملف المصرى، وقد أشار البعض من العاملين فيها إلي أن قطر تمتلك عددا لا بأس به من أسهم المحطة، وهو ما حدث هذه المرة أيضا فى حادثة مصر للطيران والتى شنت فيها بعض الصحف والفضائيات، هجوما على مصر للطيران وتحدثت بالسلب عن كفاءة الطيار. فى رحلة العودة والتى صادفت أن تكون فى نفس ميعاد الطائرة المنكوبة، أى التى تتحرك ليلًا من شارل ديجول إلى القاهرة، كانت لدى معلومات أن المطار يشهد حالة من التوتر، وخاصة أنه فى اليوم التالى للحادث تم إغلاقه بعد الاشتباه فى جسم غريب، وعلمت أيضا أنهم سحبوا 70 بطاقة عمل من العاملين فى المطار، لحين انتهاء التحقيقات معهم، وثبت أنهم جميعا من أصل عربى، كما أنهم يحققون فى ملفات المسلمين من الموظفين والعمال فى مطار «شارل ديجول» من جميع الجنسيات، وهو ما يوحى أن فرنسا حتى الآن لا تستبعد العمل الإرهابى فى حادثة مصر للطيران.. وقد علمت أن المطار يشهد من جديد حالة من التشديدات الأمنية للمسافرين وكنت مستعدة لذلك، ولكن الغريب أن هذا لم يحدث، وفى المطار بمجرد أن وصلت لاحظت أن الحركة هادئة تماما، فإن أعداد الناس داخل المطار لم تكن كبيرة، نظرا لأن الرحلات أيضا كانت قليلة جدا باستثناء رحلة الخطوط القطرية فهى الوحيدة التى كانت مزدحمة بشدة، وكان عليها مجموعات كبيرة من الصينيين، وعلمت أنهم ينزلون فى الدوحة ترانزيت، ولذلك فإن الأعداد كانت كبيرة جدا وخاصة بالمقارنة لباقى الرحلات الجوية المغادرة فى المطار، وكذلك فى رحلات الوصول.. وعندما وصلت لنقطة التفتيش، وجدت أن ما يحدث يعد أقل من العادى فإن خلع الأحذية أصبح فى الفترة الأخيرة شيئا معتادا فى المطارات الأوروبية، وكذلك فى مطار القاهرة، وهو ما جعلنى أبادر بخلع الحذاء ولكنى فوجئت بالموظفين يقولون لى «لا داعي». وطبعا اندهشت كثيرا وهو ما جعلنى بعد الدخول أحاول التحدث مع أحد الموظفين فى المطار، حتى لاحت لى الفرصة بالتحدث مع إحدى الموظفات، وسألتها أن الرقابة والتفتيش يسيران عكس ما توقعت وخاصة بعد حادثة مصر للطيران، فقالت لى «إن شارل ديجول لا يشعر بأى حرج والأدلة والوثائق والتحقيقات حتى الآن تشير إلى أن المطار ليس عليه أى مسئولية، ويبدو أن الطيار تعرض لموقف مفاجئ، ولم يستطع مواجهته بالكفاءة المطلوبة»، وأضافت «أنتِ تعلمين أننا الآن فى موسم سياحى، وفى انتظار جماهير الأندية الأوروبية بعد شهر تقريبا والإجراءات المتشددة قد توحى بتورط المطار فيما حدث، وأن الخطأ من عندنا وهو أمر من شأنه تغيير السياح لوجهتهم، وعدم زيارة فرنسا هذا الموسم كما الموسم الماضى، وفى هذه الإجراءات الهادئة رسالة بأن المطار آمن تماما وليس له شأن فيما حدث للطائرة المصرية»، ومن هذا الحوار علمت لماذا تغيرت الدفة فى حادثة الطائرة، وعلمت أيضا أن مطار شارل ديجول يتعمد عدم تشديد الإجراءات والرقابة فى المطار رغم انتشار الجيش فى الشوارع، عقب حادث الطائرة مباشرة، وبشكل مكثف لم أشاهده فى الأيام التى سبقت الحادث منذ وصلت باريس، ولكن فى المطار كان الأمر مختلفا، تعمد حقيقى لتصدير مشهد اللامبالاة، وعدم الاكتراث بما حدث، ولكن من يقرأ المشهد جيدا، يجد أن الارتباك يعم أرجاء المطارات الفرنسية، وخاصة بعد أن نشرت إحدى الصحف أن فرنسا بصدد إلغاء دورى أوروبا لدواعٍ أمنية.. وهذا يفسر أن المطار يعيش فى حالة توتر شديدة ولكن دون أن يظهر ذلك تماما بل إنهم يدعون العكس.. وعندما تم فتح باب الطائرة والنداء على ركاب الرحلة، فوجئنا بطاقم الطائرة يقف على الباب ويفتش الركاب تفتيشا ذاتيا، مما جعل الدخول للطائرة بطيئا جدا، وعلمت أن هذا الإجراء ليس خاصا بمصر للطيران فقط بل إن المسئولين فى مطار شارل ديجول، طالبوا شركات الطيران المختلفة بأن تفعل ذلك، صحيح أن موظفى وأمن المطار يتهاونون فى تفتيش الركاب، ولكن شركات الطيران هى التى تقوم بهذه المهمة وبدقة كبيرة كما حدث معنا، فإن التفتيش كان بطيئا ودقيقا للغاية بواسطة الطيار وطاقم الضيافة من المضيفين الذين تولوا تفتيش الرجال والمضيفات، تولين تفتيش النساء.. ثم دخلنا الطائرة التى أقلعت متأخرة عن ميعاد إقلاعها وبالتالى وصلت لمطار القاهرة متأخرة ساعة تقريبا عن ميعاد الوصول. صحيح أن مطار شارل ديجول يحاول إبعاد أى خطأ قد يكون حدث من جانبه وتسبب فى حادث الطائرة المصرية، عن طريق التهاون فى التفتيش وعدم وجود ما يدل على التشديد فى التأمين ليعطى انطباعا بأنه لا يوجد ما يستدعى أو يسبب التوتر حتى لا يفقدوا الموسم السياحى الجديد وجماهير الأندية الأوروبية، كما علمت من موظفة المطار ولكن إجراءات تفتيش الطائرات التى يترتب عليها تأخر الرحلات وتفتيش الركاب بواسطة طاقم الطائرات، يوحى بأن شارل ديجول يعيش حالة حذر شديدة بعد ما حدث لطائرة مصر للطيران ومحاولات لتفادى أى أخطاء أخري.. كما أن التحقيقات مع العرب والمسلمين، تؤكد أن المطار لا يستبعد وجود أعمال إرهابية وثغرات أمنية ويحاول المسئولون إحباط أعمال قادمة.