الجيش فى مطار شارل ديجول إذا عقدنا مقارنة بين حادثتي تفجير الطائرة الروسية بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ أواخر أكتوبر 2015، وسقوط طائرة مصر للطيران الأسبوع الماضي في مياه البحر المتوسط بعد إقلاعها من باريس، سنجد تغطية إخبارية عالمية مختلفة تماماً للواقعتين، ففي الحادثة الأولي وبعد دقائق من سقوط "الروسية" مالت وسائل الإعلام إلي اعتبار الحادث عملاً إرهابياً واتهمت سلطات الأمن في مطار شرم الشيخ بالتقصير، أما هذه المرة فالغرب يريد من مصر انتظار نتائج التحقيقات دون توجيه التساؤلات عن إجراءات الأمن في مطار شارل ديجول، بل ويحاولون التلميح بأن مصر للطيران مسئولة عن الحادثة رغم عدم وجود دليل علي ذلك. قناة "فرنسا 24" تحديداً نشرت تقريراً هاجمت فيه بضراوة شركة مصر للطيران، حيث ذكرت أن الشركة تعاني من العديد من المشكلات منذ اندلاع الثورة المصرية في 2011، وأن الخسائر التي تكبدتها الشركة العام الماضي وصلت إلي 11 مليار جنيه. كما ذكرت أن الطيارين المصريين يشتكون من وجود بعض الطائرات التي تحمل عيوباً فنية، وأن ظروف عملهم صعبة حيث إن بعضهم يعمل 14 ساعة يومياً. وتطرقت القناة للجانب الأمني، حيث زعمت وجود مشكلات خاصة بالأمان والسلامة في الشركة وقالت إن عدد حوادث الطائرات المصرية منذ 1985 (أي علي مدار 31 عاماً) وصل إلي 5 لقي فيها 296 شخصاً مصرعهم، ما يؤشر لمحاولة الإعلام الفرنسي إعفاء باريس من المسئولية عن الحادث ومحاولة إلصاقها بالجانب المصري. واذا ابتعدنا عن الإعلام الفرنسي لدقيقة وتصفحنا جريدة "نيويورك تايمز" الأمريكية، نجدها كتبت مقالاً مطولاً عن حادث الطائرة انتقدت فيه الإدارة المصرية التي غيرت من استراتيجيتها في مواجهة حادثة الطائرة هذه المرة، وأنها هي أول من أعلنت عن أن احتمال وجود قنبلة في الطائرة هو الاحتمال الأكبر، بعكس ما حدث المرة السابقة التي استنكرت فيها الحكومة المصرية تسرع وسائل الإعلام العالمية لطرح فرضية سقوط الطائرة بتفجير إرهابي. واعتبرت الصحيفة الأمريكية أن مصر لا تملك أي دليل علي وجود قنبلة وأن عليها التريث قبل إصدار أحكامها وهو أمر لم تطالب به الجريدة في حادث الطائرة الروسية. وتوافقت تصريحات المسئولين الفرنسيين مع التقارير الصحفية الدولية، حيث قال الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند في خطابه بعد الحادث مباشرة إنه لم لا يوجد حتي الآن أي مؤشرات عن أسباب الحادث، وكرر وزير الخارجية الفرنسي جون مارك إيرولت نفس التصريحات في لقائه مع أسر الضحايا وسفراء الدول المعنية بالحادث وأكد أن الأسباب غير معروفة ووعد بالشفافية الكاملة حتي يعلم الأهالي كل التفاصيل الخاصة بالحادث. وبعد الإعلان الأخير عن التقاط الأقمار الصناعية لرسائل استغاثة أتوماتيكية من الطائرة تشير إلي اندلاع حريقين واحد في دورة المياه خلف كابينة الطائرة، وآخر في أجهزة الكمبيوتر أسفل الكابينة. اعتبر ميشيل بولاكو الصحفي المتخصص في شئون الطيران بقناة "فرانس إنفو" أن هذه الأنباء تنفي ما تردد عن وقوع خطأ فني من طاقم الطائرة أو حدوث عطل، وأن الاحتمال الأكبر هو وقوع انفجار أدي لهذه الحرائق قبل سقوط الطائرة" وقال جون سيات الطيار السابق بشركة "إير فرانس": "عدم إرسال الطيارين لرسائل تحذيرية بخلاف الرسائل الأتوماتيكية ربما يعود لشدة الانفجار أو رغبة الطيارين في محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه والهبوط بالطائرة". وبعد الحادث مباشرة، قامت السلطات الفرنسية بمضاعفة إجراءات الأمن في مطار شارل ديجول أكبر مطارات فرنسا والذي يقع شمال شرق العاصمة باريس، وشوهدت عناصر من الجيش تقوم بدوريات بجانب أجهزة أمن المطار، وهي عناصر متواجدة في العاصمة منذ الهجمات الإرهابية التي وقعت في نوفمبر الماضي. ورغم الإجراءات الأمنية المشددة إلا أنه نظرياً ليس مستحيلاً إدخال قنبلة في المطار الفرنسي، وفقاً لرؤية خبير الطيران جيرار أرنو الذي صرح في حوار لجريدة ليبراسيون في نوفمبر الماضي: "مادامت المطارات لا يتم تفتيش من يتردد عليها إلا عند دخوله صالة السفر، ومادام الميناء الجوي لم يزود بكاميرات حرارية تستطيع ضبط القنابل في الصالة الرئيسية، فإن احتمال دخول قنبلة وارد". لكن وضع قنبلة داخل طائرة ليس أمراً بسيطاً، وقد يكون نتيجة تورط أحد العاملين بالمطار، ونتيجة لحالة الطوارئ المفروضة في فرنسا رفضت سلطات المطار تجديد عقود 600 عامل بسبب وجود سوابق جنائية لهم، كما قامت برفد 86 شخصاً لميولهم الدينية المتشددة، ويعمل في مطار شارل ديجول 100 ألف موظف منهم 86 ألفاً لهم حق الدخول لصالات المسافرين وأماكن تواجد الطائرات. كما يعمل 5600 مندوب لشركات الطيران العالمية، تم التحقق من ملفاتهم الأمنية بشكل كامل خلال الشهور الماضية. وبفرضية وجود قنبلة تم وضعها في الطائرة قبل وصولها إلي فرنسا، باعتبار أنها كانت قادمة من القاهرة، وقبلها كانت في تونس، فإن هذا الأمر لا يعفي سلطات المطار الفرنسي من المسئولية لأن أي طائرة تدخل إلي أوروبا من خارج دول الاتحاد الأوروبي يجب تفتيشها بشكل كامل. والطائرة ظلت علي أرض المطار ساعة كاملة قبل إقلاعها، وهو وقت كافٍ جداً لتفتيشها بشكل كامل طبقاً للخبراء الأمنيين. ويبقي التحقق من عدم وجود إهمال في إجراءات التفتيش في شارل ديجول أمراً ضرورياً. وقال مصدر مقرب من المحققين لمجلة إكسبرس الفرنسية إن التحقيقات الحالية ترتكز علي مراجعة كل أسماء الركاب وأطقم المطار الذين تعاملوا بشكل مباشر أو غير مباشر مع الطائرة قبل إقلاعها، وأضاف أنه حتي الآن لا توجد أي مؤشرات لنشاط غير مألوف في الرحلة. ومازال المحققون يجرون تحقيقاتهم. وتأتي الحادثة في وقت حساس لفرنسا، حيث تستعد لانطلاق بطولة كأس الأمم الأوروبية (يورو 2016) وبالتأكيد الحديث عن قنبلة في مطار شارل ديجول قد يؤثر علي تدفق الجماهير القادمة من كافة القارة الأوروبية لمشاهدة مباريات البطولة، كما أن هذه الحادثة قد تتسبب في أزمة سياسية وإحراج لسلطات الأمن الفرنسية.