لماذا لم يعلن تنظيم الدولة «داعش» آليات إسقاط الطائرة الروسية فوق شرم الشيخ رغم تبنيه العملية الإرهابية؟ هذا السؤال يبدو أنه مفتاح كبير لفهم التغير في إستراتيجيات التنظيم الذي لم يهتم كثيرًا بالتحليلات التي اعتبرت تبنيه العملية «اصطيادًا في الماء العكر» بهدف رفع الروح المعنوية لأتباعه. ما إن أعلن «داعش» مسئوليته عن تفجير الطائرة الروسية، رأى محللون أن الكلام الذي أدلى به أبو أسامة المصرى، المتحدث باسم التنظيم، «محض أكاذيب»، كونه لم يشر من قريب أو بعيد إلى وسائل اختراق المطار، وزرع القنبلة، بما يتنافى مع أساليب الجماعات الإرهابية في هذا الصدد. ولم ينتبه محللون حينها لأبعاد امتناع التنظيم الإرهابى عن الكشف عن آلية العملية وتعريض نفسه إلى السخرية والتشكيك، إلا أن مسئولية التنظيم عن العملية باتت مؤكدة بعد اعتراف الرئيس عبدالفتاح السيسى في إحدى خطاباته بأن إسقاط الطائرة كان عملا إرهابيا. تعمد التنظيم عدم الكشف عن طريقة الإسقاط له بُعد خطير، يرجح وقوعه على ثغرة لاختراق جدار الأمن في المطارات، وهى ثغرة يريد التنظيم الإبقاء عليها في طى الكتمان حتى يتسنى له اقتراف جرائم أخرى. كما أن تردد عدد من المستشارين الأمنيين على المطارات المصرية، معتبرين أن المنظومة الأمنية المصرية هي وحدها من تعرضت لتلك الثغرة، وهو ما أعطى للتنظيم فرصة لتكرار العملية مرة أخرى، ولكن من مطار شارل ديجول هذه المرة، عبر الثغرة الأمنية ذاتها. ولم يعد تنظيم الدولة «داعش» يلعب كما أقرانه وأسلافه على العملية الواحدة، وإنما على سياسة النفس الطويل لاقتراف عدة عمليات عبر الوسائل ذاتها، في تطور جذرى لآليات الإرهاب، بحيث تصبح ذات أهداف إستراتيجية أطول عبر تكرارها مرات. يراهن التنظيم بنفسه الطويل على إرباك المعادلات الدولية والتركيز على الدولة المركزية المصرية التي تعنى في أدبياته «المفتاح» الذي إن تمكن منه يخلق «الفوضى»، بما يؤدى إلى ما يسمى «عودة الخلافة في آخر الزمان». ويثير امتناع التنظيم عن إعلان مسئوليته عن إسقاط «طائرة باريس» تساؤلات عما إذا كان يرى أن زيادة الغموض في صالحه، بحيث يكرر العملية بهدف إرهاق الدولة المصرية على وجه التحديد، مستخدمًا الثغرة الأمنية ذاتها التي لم تستطع الأجهزة الأمنية التوصل إليها بعد. والمؤكد أن أعين «الدواعش» لا ترتفع عن الدولة المصرية طيلة الوقت، ليس في تنفيذ عمليات إرهابية مباشرة في العمق المصري، بل في انتظار لحظة فوضى، تخلق ملاذات آمنة له ولخلاياه يستطيع خلالها السيطرة على أجزاء من الأرض ينطلق منها لبناء إمارات صغيرة تكون نواة لدولة «خلافة البغدادي». ويفسر ذلك اهتمام التنظيم في العراق وسوريا بجميع الأخبار التي تتعلق الدولة المصرية بداية من أحداث الحرائق وانتهاء بمظاهرة لأولتراس أسبابها كروية بحتة. في دراسته المعنونة ب«الأحجية المصرية» يكشف أبومودود الهرماسي، رؤية «داعش» لأوضاع الدولة المصرية، مؤكدًا أن «مصر محور اهتمامات القاصى والداني، الشرقى والغربي، البر والفاجر، المسلم والكافر». كما يعتبر الرجل ذو الاسم الحركى «مصر رمانة ميزان الاستقرار للغرب الكافر ببلاد المسلمين ومنطلق فوضى الانهيار العالمي». يكمل الهرماسي: «لذلك هي أم الدنيا فعند استقرارها تستقر الدنيا وعندها انشطارها تنشطر الدنيا، وهنا تكمن أحجية الساسة والعامة من مثقفين وسياسيين ومنظرين». الفوضى هدف أصيل للتنظيم يرى أن غيره يشترك معه فيه، لكنه يرى أنه فقط من يستطيع دفعها وتحريكها، وأما الثمرة، فيعتقد أن الله سيجعلها للفئة المؤمنة الصالحة التي وعدها الله ميراث الأرض.