شيء ما يقف حائلا بيني وبين التفكير بجدية كاملة في ادعاءات عناصر داعش في سيناء بأنهم استغلوا ثغرة أمنية في مطار شرم الشيخ وزرعوا قنبلة "شويبس جولد" التي نشروا صورتها الأربعاء الماضي في الطائرة الروسية التي سقطت فوق سيناء بعد 23 دقيقة فقط من إقلاعها من المطار. الثغرة الأمنية يمكن أن تحدث، ليس مستبعدا حصول ذلك، تحدث عن التراخي والإهمال وعدم تقدير المسؤولية وفقدان الانضباط في أي مرفق في مصر كما تشاء، كل الكوارث تقع بسبب تلك الأمراض وبسبب غياب ثقافة الجدية والمحاسبة، المصري الذي يعمل كما يجب أن يكون تجده في القطاع الخاص، أو في مشروعه الخاص، لأن استمراره على رأس عمله وحصوله على حوافز ومكافآت وعلاوات مرتبط بإنتاجيته، أو لأنه يعمل في ماله، ويحرص على الحفاظ عليه وتنميته، المصري الذي في "الميري" خارج تلك الثقافة، ومثلا في ظل الضغط الرهيب الذي تتعرض له مصر بشأن كارثة الطائرة، وما يجب أن يكون عليه الأمن من تشديد وسلاسة في نفس الوقت في المطارات، فإنني كنت مغادرا من مطار القاهرة قبل عدة أيام، ووجدت زحاما وفوضى، ووجدت الغفلة مستمرة أيضا، وأمام آخر جهاز للكشف على الحقائب قبل الصعود على الطائرة كانت عين الموظف المسؤول عن الجهاز على الشاشة فعلا، لكن التليفون كان على أذنه في نفس الوقت، ظللت للحظات أتأمله وأنا مستغرب، وقلت هل هذا وقته؟، وفورا استدعى عقلي المقارنة بين ما أراه، وبين ما أعايشه في مطارات بلدان خليجية، لا يمكن أن ينشغل الموظف فيها بالتليفون، ولا بالاستماع لآخر نكتة، ولا بالذهاب لإحضار كوب شاي في يد وسندويتش في اليد الأخرى. ليس معنى أن يقول داعش إنه استغل ثغرة أمنية في مطار شرم الشيخ أن يكون صادقا، لأن الثغرة وحدها لا تكفي حيث لابد أن يتبعها خطوات دقيقة وخطيرة حتى يستطيع دخول الطائرة وزرع القنبلة في مكان مؤثر حتى تنجز هدفها الشرير، وخبراء المفرقعات يقولون إن من الأماكن الحساسة في الطائرة خط الوقود، وقمرة القيادة، وأي مكان قريب من جسم الطائرة، وجيمي أوكسلي استاذ الكيمياء المتخصص في المفرقعات في جامعة رود ايلاند يقول إن المكان الذي توضع فيه العبوة هو المهم. ولو صح ما يدعيه داعش فإننا لن نكون إزاء مطار في منطقة شبه محصنة، بل سنكون أمام شيء أشبه بمحطة مصر، فهل يمكن أن يكون مطار المدينة السياحية التي تستضيف ملايين السائحين الأجانب، والتي تحتضن أهم الاجتماعات الرئاسية والدولية سداحا مداحا لعناصر داعش ومن ساعدوهم؟، ليس هذا فقط، إذ تقول داعش إن لديها جوازات سفر لركاب كانوا في الطائرة وعرضتها مع صورة القنبلة، فهل هى صور حقيقية؟، وهل كان عناصرها أسرع من كل الأجهزة الأمنية في الوصول للحطام وأخذ جواز، أو أكثر منه؟، ولماذا مثلا لم يأخذوا جزء من الحطام وشواهد أخرى تؤكد وصولهم سريعا لمكان سقوط الطائرة، فالجواز يمكن تزييفه؟. أسجل هنا عدة ملاحظات. الأولى: داعش يعلن مسؤوليته عن إسقاط الطائرة بعد ساعات من وقوع الحادث يوم 31 أكتوبر الماضي دون أن يقدم أي دليل في هذا اليوم يثبت أنه أسقطها. الثانية: داعش يؤكد مجددا يوم الأربعاء 4 نوفمبر الجاري أنه أسقط الطائرة، لكن بعد أن خرجت بريطانيا على لسان وزير خارجيتها، ثم رئيس وزراءها بترجيح إسقاطها بعمل إرهابي، وبعدهما يخرج الرئيس الأمريكي أوباما ليتحدث عن العمل الإرهابي أيضا، وأشاروا إلى احتمال سقوطها بقنبلة. الثالثة: يوم الثلاثاء 17 الجاري تعلن روسيا أمنيا وسياسيا أن طائرتها سقطت بقنبلة بدائية زنتها كيلوجراما واحدا فيخرج داعش في اليوم التالي الأربعاء لينشر صورة قنبلة "شويبس جولد" ويزعم أنها هى التي أسقطت الطائرة. في المحطات الثلاث يكون داعش تاليا للحدث، إذا كان منطقيا أن يكون بيانه تاليا لسقوط الطائرة ولو بعد ساعات، فليس منطقيا أن يكون تاليا بعد كل تطور يتعلق بالطائرة كما هو واضح في الملاحظتين الثانية والثالثة. لماذا مثلا في الإعلان الثاني له بتأكيد مسؤوليته عن إسقاط الطائرة لم يقدم أي دليل يدعم زعمه مثل صورة القنبلة؟، وفي المرة الثالثة عندما أعلنت روسيا أن طائرتها سقطت بقنبلة لماذا لم يقدم التنظيم بجانب صورة القنبلة دليل آخر دامغ مما لديه يقطع أي شك تجاهه بأنه لا يوظف الأحداث لمصلحته، ولا يستفيد من التطورات لتجييرها إلى جانبه؟. لماذا لا يخرج اليوم ويقدم ما لديه من تفاصيل ومعلومات وخطط إسقاط الطائرة إذا كان هو من فعلها؟، أم أنه ينتظر معلومة جديدة تخرج من هنا أو من هناك ليستفيد منها في نفس اليوم، أو في اليوم التالي صانعا رواية وموقفا يدعم ادعاءاته. ستظل مزاعم داعش، ونتائج التحقيق الروسي المنفرد، مرهونة بما يتوصل إليه التحقيق الرسمي الشامل والموسع الذي يجري حاليا حتى وإن طال الوقت، المهم الوصول للحقيقة بشفافية ونزاهة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.