رئيس أكاديمية الشرطة: نطبق آليات لمكافحة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر    وزيرة الهجرة: آلية جديدة من التعليم العالي بشأن توثيق أوراق الطلاب العائدين من روسيا    البحوث الإسلامية يعقد ندوة مجلة الأزهر حول تفعيل صيغ الاستثمار الإنتاجي في الواقع المعاصر    الأنبا بشارة يشارك في صلاة ليلة الاثنين بكنيسة أم الرحمة الإلهية بمنهري    بحضور وزير الخارجية الأسبق.. إعلام شبين الكوم يحتفل ب عيد تحرير سيناء    التعاون الاقتصادي وحرب غزة يتصدران مباحثات السيسي ورئيس البوسنة والهرسك بالاتحادية    مرصد الأزهر يستقبل سفير سنغافورا بالقاهرة لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك لمكافحة الإرهاب    وزارة العمل تنظم ورشة لمناقشة أحكام قانون العمل بأسوان    بحث التعاون بين مصر وإندونيسيا في صناعة السيارات الكهربائية والوقود الاخضر    انخفاض غير متوقع في سعر الذهب مع بداية تعاملات اليوم الاثنين.. وعيار 21 مفاجأة    محافظ أسوان: مركز البيانات والحوسبة السحابية عمل قيادي يليق بالدولة    بقيمة 30 مليون جنيه.. «تنمية المشروعات» يوقع عقدا لتمويل المشاريع متناهية الصغر    المشاط: تعزيز الاستثمار في رأس المال البشري يدعم النمو الشامل والتنمية المستدامة    9 مايو.. آخر موعد لتلقي طلبات استثناء «المنشآت والمطاعم السياحية» من دفع الحد الأدنى للأجور    وزيرة التعاون الدولي: التطورات الجيوسياسية بالمنطقة أثرت سلبًا على ميزان المدفوعات    أبرز تصريحات رئيس الوزراء خلال المنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض| إنفوجراف    بدء مباحثات الرئيس السيسي ورئيس البوسنة بقصر الاتحادية    أسوشيتد برس: وفد إسرائيلي يصل إلى مصر قريبا لإجراء مفاوضات مع حماس    ضحايا بأعاصير وسط أمريكا وانقطاع الكهرباء عن آلاف المنازل    عبد الواحد السيد يكشف سبب احتفال مصطفى شلبي ضد دريمز    مولر يهدد ريال مدريد بالجحيم الأحمر    بعد الصعود لنهائى الكونفدرالية.. الزمالك يقرر صرف جزء من مستحقات اللاعبين المتأخرة    برشلونة أبرزها.. مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    كولر يحاضر لاعبي الأهلي بالفيديو استعدادا لمواجهة الإسماعيلي    تطور عاجل في مفاوضات تجديد عقد علي معلول مع الأهلي    بنزيمة يغيب عن الكلاسيكو ضد الهلال    ضبط 87 مخالفة متنوعة في حملات على المخابز البلدية والأسواق بالمنيا    إصابة عامل بطلقات نارية في ظروف غامضة بقنا    موعد إعلان أرقام جلوس الصف الثالث الثانوي 2023 -2024 والجدول    احالة 373 محضرًا حررتها الرقابة على المخابز والأسواق للنيابة العامة بالدقهلية    أمن القاهرة يضبط عاطلان لقيامهما بسرقة متعلقات المواطنين بأسلوب "الخطف"    ولع في الشقة .. رجل ينتقم من زوجته لسبب مثير بالمقطم    طارق الشناوي ينعى عصام الشماع: "وداعا صديقي العزيز"    منهم فنانة عربية .. ننشر أسماء لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائى فى دورته ال77    «ماستر كلاس» محمد حفظي بمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير.. اليوم    مؤسسة أبو العينين الخيرية و«خريجي الأزهر» يكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين.. صور    قافلة طبية مجانية بالتعاون بين أورمان الشرقية والمستشفى الجامعي بالزقازيق    «كلبة» سوداء تتحول إلى اللون الأبيض بسبب «البهاق»    احتفاء بفوز باسم خندقجي بالبوكر: فلسطين ملء العين والسماء دائما    تعرف على الجناح المصري في معرض أبو ظبي للكتاب    أول تعليق من ياسمين عبدالعزيز على طلاقها من أحمد العوضي    رئيس الوزراء: 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة تدهورت حياتهم نتيجة الحرب    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    خسائر جديدة في عيار 21 الآن.. تراجع سعر الذهب اليوم الإثنين 29-4-2024 محليًا وعالميًا    اتحاد الكرة: قررنا دفع الشرط الجزائي لفيتوريا.. والشيبي طلبه مرفوض    مطار أثينا الدولي يتوقع استقبال 30 مليون مسافر في عام 2024    رئيس كوريا الجنوبية يعتزم لقاء زعيم المعارضة بعد خسارة الانتخابات    أمين لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب: هذا أقوى سلاح لتغيير القدر المكتوب    مصرع عامل وإصابة آخرين في انهيار جدار بسوهاج    من هي هدى الناظر زوجة مصطفى شعبان؟.. جندي مجهول في حياة عمرو دياب لمدة 11 سنة    "استمتع بالطعم الرائع: طريقة تحضير أيس كريم الفانيليا في المنزل"    مفاوضات الاستعداد للجوائح العالمية تدخل المرحلة الأخيرة    سامي مغاوري: جيلنا اتظلم ومكنش عندنا الميديا الحالية    مصرع شخص وإصابة 16 آخرين في حادث تصادم بالمنيا    علييف يبلغ بلينكن ببدء عملية ترسيم الحدود بين أذربيجان وأرمينيا    "السكر والكلى".. من هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالجلطات؟    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى ال57 للوحدة المصرية-السورية.. ماذا عن النظام العربي الجديد؟
نشر في البوابة يوم 21 - 02 - 2015

في الذكرى السابعة والخمسين التي تحل غدا "الأحد" لاعلان دولة الوحدة المصرية-السورية كحدث قومي عربي مجيد يواجه الفكر القومى الآن تحديات جديدة ومغايرة لما كان عليه الحال في زمن الوحدة المصرية-السورية وتبدو الحاجة ملحة "لنظام عربي جديد" ناهيك عن "تحالف عربي لمحاربة الارهاب".
وفيما يشكل الارهاب اخطر تحديات المرحلة الراهنة تستدعي اللحظة العربية بمعطياتها جهدا ثقافيا استراتيجيا برؤى مبدعة "للعروبة الثقافية" للاجابة على اسئلة تتعلق بوجود الأمة وطبيعة النظام العربي الجديد في وقت تتشكل فيه ملامح نظام عالمي جديد.
وتأتي هذه الذكرى للوحدة المصرية-السورية في ظل دعوات لصحوة عربية جديدة تستند على نظام عربي جديد وتسهم ايضا في ترسيخه بينما يفعل الارهاب افاعيله في سوريا الشقيقة ويهدد وجودها كدولة بعد ان الحق خسائر فادحة بتراثها الثقافي وشواهد حضارتها الانسانية المتسامحة كما لايتردد في ذبح بشر ابرياء هنا وهناك امام الكاميرات ! .
وتدعو ضرورات الأمن القومي العربي ان يكون النظام العربي الجديد قادرا على التصدي لأي طرف محسوب على الأمة العربية لدى قيامه بالأقوال والأفعال بمساندة الارهاب و التورط في مستنقع الارهاب الذي يشكل خطرا داهما على هذه الأمة.
وثمة اتفاق عام ومحسوس بقوة في الشارع العربي على انه لم يعد من المقبول ان يستمر طرف ينسب نفسه للأمة العربية في حروبه الاعلامية التي لاتخدم سوى اعداء هذه الأمة وفي وقت تسعى فيه بعض القوى الاقليمية غير العربية لاحتكار الحديث باسم الاقليم كله بما فيه العرب فضلا عن احتكار ادوات القوة غير التقليدية.
ولئن كانت الأفكار ساحة يتلاعب بها الارهاب فان الفكر القومي العربي مدعو بكل الالحاح لصياغة افكار جديدة لتعزيز مناعة الأمة العربية في مواجهة الارهاب والتطرف بكل صوره ناهيك عن ان هذا الفكر القومي هو القادر اكثر من غيره على الاسهام بقوة في تأسيس النظام العربي الجديد وبحيث يتعامل هذا النظام مع القوى الاقليمية والدولية على قاعدة التكافؤ والعلاقات المتوازنة .
واذا كانت مصر قد شكلت القاعدة الراسخة للقومية العربية في سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين ولم تتردد في تلبية المطلب السوري باقامة دولة الوحدة فان ارض الكنانة اليوم تشكل الدرع والسيف للأمة العربية في مواجهة مخاطر الارهاب ويبادر جيشها العظيم بالرد على جريمة شنعاء ارتكبتها عصابة ارهابية عندما ذبحت مواطنين ابرياء كانوا يعملون في ليبيا الشقيقة .
ومن دواعي الفخر القومي للمصريين ان مصر نأت بنفسها عن اي عمل عسكري لفرض استمرار دولة الوحدة التي عرفت بالجمهورية العربية المتحدة بعد الانقلاب الذي دبرته مجموعة انفصالية في سوريا عام 1961 ناهيك عن ان مصر العربية لم تقم ابدا بأي عمل عسكري بقصد التدخل في شؤون اي دولة عربية اخرى او من منطلق اطماع في ثرواتها مواردها.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد اكد في سياق لقاء مع عدد من رؤساء تحرير الصحف الرئيسية في دول بحوض النيل والجنوب الافريقي على انه "يتعين التصدي لمن يبررون القتل باسم الدين ويصنفونه في اطار الجهاد وهي رؤى مغلوطة تجافي الحقيقة تماما".
واوضح الرئيس في هذا اللقاء امس الأول "الخميس" ان الضربة الجوية المصرية لمعاقل التنظيم الارهابي في ليبيا كانت مركزة واستهدفت العناصر الارهابية فقط دون سواها لافتا الى انه "على الرغم مما هو معروف عن حجم وقوة الجيش المصري الا انه لم يقدم على غزو اية دولة طمعا في مواردها او ثرواتها ولكنه يدافع عن الوطن ويحمي مصالحه ويساهم في القضاء على مصادر تهديد الأمن القومي المصري وفي مقدمتها الارهاب".
وكان وزير الخارجية سامح شكري قد اوضح في الجلسة التي عقدها مجلس الأمن الدولي مؤخرا حول الأوضاع في ليبيا ان "الحل السياسي في ليبيا ضرورة لاغنى عنها ولكنه لن يغني عن مواجهة الارهاب عسكريا".
وفي سياق اشارته لخطورة المشهد الراهن في ليبيا لفت سامح شكري الى اطراف مسلحة في هذا البلد العربي الشقيق ممولة من انظمة وقوى اقليمية ودولية كما لفت الى ان مصر تستشعر تهاونا من المجتمع الدولي حيال الميلشيات المسلحة في ليبيا بكل ماينطوي عليه ذلك من تهديد لأمن المنطقة بل والبشرية كلها.
وفيما دعت مصر في نهاية العام الماضي "لاقامة نظام عربي اقليمي جديد باعتباره ضرورة استراتيجية" لفت وزير الخارجية سامح شكري في كلمة بمنتدى "حوار المنامة" العاشر في شهر ديسمبر المنصرم لأهمية الا يكون تجديد النظام الاقليمي العربي قائما على اساس اي من المحاور التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في العقود الأخيرة.
واوضح شكري ان اهداف هذا النظام العربي الاقليمي الجديد مواجهة تحديات العصر وتحقيق التنمية والاعداد لتمكين الجيل الجديد فيما يأتي هذا الطرح معبرا عن حالة حراك حميد على مستوى الفكر والعمل للسياسة الخارجية المصرية واستعادة الدبلوماسية المصرية العريقة لمفهوم المبادرة بما يخدم مصر وامتها العربية معا.
وجاءت هذه الدعوة المصرية لاقامة نظام عربي جديد في وقت تتردد فيه التساؤلات حول اتجاهات النظام العالمي ومااذا كان هناك نظام عالمي جديد تتشكل ملامحه بالفعل على نحو ماقال المفكر الاستراتيجي الأمريكي هنري كيسنجر في كتابه الجديد "النظام العالمي" والذي جاء معبرا عن نظرة رجل جمع مابين نظريات الاستراتيجية وخبرات العمل كوزير للخارجية ومستشار للأمن القومي.
ولاجدال ان كيسنجر "رجل التنظير والعمل معا" احد ابرز من وضعوا اسس النظام العالمي ابان الحرب الباردة بل ومرحلة تالية لنهاية هذه الحرب في مطلع تسعينيات القرن الماضي فيما يسعى بوضوح في كتابه الجديد للاجابة على اسئلة حول النظام العالمي الجديد الذي يتوجب على الولايات المتحدة ان تتبناه وتعمل على تطبيقه او بمعنى اكثر صراحة "تفرضه على العالم".
فأمريكا حسب هذا التصور الكيسنجري تقوم بالدور الأكثر اهمية في صياغة "منظومة القيم" التي تتحول "لمنظومة قيم عالمية" او قيم مشتركة للانسانية تكون "قوام الشرعية الدولية" ومن يخرج عليها يحق عليه العقاب.
وغير خاف على كل ذي عينين ان "ثعلب السياسة الأمريكية العجوز" يرمي بهذا التنظير الجديد للحفاظ على قيادة امريكا للنظام العالمي القادم والذي تتشكل ملامحه بالفعل فيما ستكون ملامحه النهائية هي محصلة نتائج المواجهة البالغة التعقيد والتشابك والدهاء بين الولايات المتحدة والقوة الصينية الصاعدة.
وهنا يكون السؤال الذي يهمنا كعرب :"اين موقعنا وموقع النظام العربي الاقليمي المنشود مما يحدث على المستوى الكلي في العالم"؟!..لاريب ان سؤالا بهذه الأهمية يتطلب مؤسسات بحثية عربية للاجابة عليه ويستدعي تفعيل لكيان بحثي عربي مثل معهد البحوث والدراسات العربية الذي يمكنه تقديم اسهامات ذات قيمة في اقتراح مثل تشكيل تحالف عربي للتصدي للارهاب.
وثمة دعوات يطلقها مثقفون مصريون وعرب لفرض تدابير عقابية عربية على اي طرف عربي او اقليمي يدعم الارهاب بأي صورة من الصور بما في ذلك التورط في مخططات قوى غير عربية لاسقاط الدول في العالم العربي او اعادة رسم خارطة المنطقة على نحو يحقق مصالح هذه القوى.
وفي ظل شعور طاغ بين الكثير من المثقفين العرب بأن الارهاب بتنظيماته وجماعاته مثل تنظيم داعش مجرد العوبة تستخدمها القوى المعادية للأمة العربية لاستنزاف هذه الأمة وتحقيق المزيد من تفتيتها وتحويل بعض الدول العربية الى "حالة اللادولة" فقد يكون الرد الناجع على هذا التحدي تبني "ثقافة الاصطفاف العربي".
وهذه الثقافة هي القادرة على توليد "تحالف عربي لمحاربة الارهاب" له استراتيجيته الواضحة وارادته الحاسمة في مواجهة خطر بات بكل المقاييس يشكل"خطرا وجوديا على الأمة العربية" فيما لايجوز لهذه الثقافة ان تغفل او تتغافل عن ان الارهاب ينشط في بيئة الجهل والمرض والفقر بقدر مايغذيها ويفاقم من وضعيتها المتخلفة بتشوهاتها العميقة.
وتتوالى طروحات تنشرها صحف مصرية وعربية تؤشر الى ان مسألة تأسيس تحالف عربي لمحاربة الارهاب امست "ضرورة عربية" مع امكانية التعاون مع دول اوروبية متوسطية وافريقية على ان تكون قيادة هذا التحالف "عربية قلبا وقالبا" وتحت مظلة جامعة الدول العربية التي باتت مدعوة بدورها لاستجابات على مستوى تحديات المرحلة وتبني ثقافة جديدة في العمل والآداء بما يلبي آمال وتطلعات الأمة العربية.
كما تبقى قضية فلسطين بكل ماتمثله من مظلومية تاريخية مصدرا لعدم الاستقرار الذي يتغذي الارهاب منه بقدر مايغذيه ايضا لتتحول المنطقة العربية لبراكين من الفوضى المستبيحة لكل الحقوق واهمها الحق في الحياة.
واذا كنا امام نظامين في طور التشكل احدهما عربي اقليمي والآخر عالمي فان ثمة حاجة لتنظيرات ثقافية-سياسية مصرية وعربية على مستوى هذا المشهد الفريد مناطها في نهاية المطاف خدمة الانسان العربي والدفاع عن قضاياه العادلة في عالم لم يعد يسمح بالعزلة ولا تتحلى القوى الكبرى فيه بنزعة خيرة لحد المساعدة المجانية للضعفاء!.
نعم تستدعي هذه الحالة تنظيرات ثقافية جادة لاتركن للسائد ولاتعتمد على المألوف وانما ترتقي لمستوى اللحظات الجليلة وتطرح اسئلة بقدر ماتسهم في اجابات وتثري عملية التراكم الثقافي للخبرات وصولا لتأسيس "ثقافة الاصطفاف العربي ومفاهيم حقيقية للجسد العربي الواحد".
وبينما تنادي بعض الأصوات الثقافية المصرية بضرورة اعادة صياغة الدور العربي لمصر فان هناك مايكاد يصل للاجماع على اهمية تعظيم البعد الثقافي الذي يشكل درة التاج للرأسمال الرمزي والتاريخي لمصر في قلب امتها العربية.
ومع التسليم بنبل الشعور القومي بألم اخفاق تجارب وحدوية عربية مثل الوحدة المصرية-السورية عام 1958 والتي طعنت بالانفصال عام 1961 ينبغي التسلح برؤية تغوص في الأعماق وتتلمس الجذور بقدر ماتحلق في افاق المستقبل نحو صيغ جديدة للاصطفاف العربي ربما تكون اكثر عملية ومنفعة من الصيغة الكلاسيكية المتعارف عليها للوحدة.
ان القضية ليست استنطاق الماضى او محاكمته لمجرد الاستنطاق والمحاكمة بقدر ماهى استلهام العبر والدروس والبحث عن اجابات للمستقبل وهذا مايفعله الغرب فى تناوله للقضايا العربية وتاريخ العرب فيما يعمد الجهد الفكرى الغربى للاضافة والتراكم لمزيد من سلامة الفهم ودقة النتائج.
وعلى الدولة العربية الحديثة تأسيس ثقافة ديمقراطية تليق بالمواطن العربي في القرن الواحد والعشرين بقدر ماتمنحه الكرامة والعدالة والحرية دون خصام او قطيعة مع الخصوصية الثقافية والحضارية او استسلام غير مسؤول لطوفان المتغيرات وعجز ذميم عن الفرز الواعي بين الجوانب المضيئة والمظلمة للعولمة وحقبة الحداثة ومابعدها.
تماما كما ان الأمة العربية باتت مدعوة لتدبر دروس ماحدث في السنوات الأربع الأخيرة عندما حاول فصيل معاد لأحلام هذه الأمة وعروبتها ركوب موجة الثورة وتحويل حلم الحرية والعدل الى كابوس يمزق الأوطان ويفكك الدول وييبث الفوضى والتشرذم ويصنع كانتونات طائفية ومذهبية تستظل في نهاية الطاف بأعلام الأعداء التاريخيين لهذه الأمة.
نعم الثورة الشعبية على الظلم والفساد والاستبداد حق لكنها ابتليت بمن حاول سرقتها ويمضي بين "تلبيس وتدنيس" ليمزق الأمة العربية ككل ولايكتفي بتمزيق دولها واوطانها في سياق مخطط "لاعادة الهندسة الجيو- السياسية للمنطقة" حتى جاءت ثورة 30 يونيو 2013 ليوجه شعب مصر العظيم فيها ضربة قاضية وقاصمة لهذا المخطط الخطير بحق.
وبالقدر ذاته فان "ثقافة الاصطفاف العربي" التي تتراءى منذ ثورة 30 يونيو يمكنها ان تشكل تصحيحا لمسيرة عربية عانت طويلا من الآمال المجهضة و والخيبات والانكسارات والأحلام الآفلة والدمع المنفلت والبحث عن احلام تعويضية!.
واذا كان السؤال قد تردد طويلا :هل تحولت افكار الوحدة والطروحات القومية لمجرد انشائيات رخوة او متهدلة ومترهلة وبعيدة عن الجدة بقدر ماهي عاجزة عن الاستجابة لتحديات الراهن وهي مختلفة الى حد كبير عن تحديات زمن الحرب الباردة و"الجمهورية العربية المتحدة"؟! فلعل "ثقافة الاصطفاف العربي" بنزعتها العملية وتوجهها التطبيقي المخلص وتجلياتها على الأرض تسهم في الاجابة على سؤال كهذا بقدر مايمكنها الاسهام بقوة في تأسيس التحالف العربي المنشود لمحاربة الارهاب كخطر داهم على الأمة العربية.
فالارهاب وان تخفى خلف شعارات دينية لا ولن تتردد القوى الاقليمية غير العربية ناهيك عن القوى العالمية في استغلاله بما يحقق مصالحها وتعظيم مكاسبها وانصبتها في النظام العالمي الجديد الجاري تشكيله عبر مخاضات اليمة وصراعات قاسية.
ووسط هذه المخاضات والصراعات فان هناك قوى اقليمية وعالمية تدفع بحكم مصالحها في اتجاه بلقنة المنطقة العربية" او المزيد من تجزئة المجزأ وتحويل الأوطان لأشلاء عبر سلاح الارهاب الذي قد يكون من اخطر اسلحة الدمار الشامل!.
وهكذا فالمشهد العربي الحالي يطرح اسئلة مختلفة عن اسئلة الماضي كما يتطلب فهما ثقافيا استراتيجيا عميقا لمحدداته ومتغيراته وسرعة التطورات فيه احيانا وعمق التدخلات الخارجية في هذه التطورات سواء من قوى اقليمية غير عربية او قوى عالمية.
كلها تحديات تتطلب "لغة جديدة" و"ابداعات ثقافية استراتيجية" و"ادوات مختلفة عن السائد والتقليدي من اساليب الماضي..ان الامر هنا يتعلق بتحول شامل طال الساحة العربية فى مجملها ويتطلب صياغة جديدة للفكر القومى العربى للاجابة على اسئلة خطيرة تمس الوجود العربى ومفهوم الأمة الواحدة ومضمون النظام الاقليمي الجديد..نظام لابد وان يعبر عن امة عربية لن تستسلم لأصحاب الرايات السوداء والمجازر الشنعاء!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.