بالوثائق الرسمية تستطيع أية حكومية عربية أو رجل أعمال عربي أن يحمل بضاعته إلي سوق أي بلد عربي آخر دون أن يدفع أي منهما جنيهاً أو دولاراً أو ديناراً أو فلساً واحداً علي الحدود.. وينطبق ذلك علي أية بضاعة من الإبرة وزجاجة البرفان وقطعة الشيكولاتة وحتي الصاروخ وشيكارة الأسمنت وبرميل البترول؛ لأنه منذ شهرين تبادلت 15 دولة عربية الأصفار الجمركية فيما بينها لتصبح منطقة التجارة الحرة العربية حقيقة واقعة بعد أن كانت مشروعاً قبل عام 1998. هذا ما تقوله الوثائق الرسمية ولكن ما تقوله الأوضاع العربية مختلف تماماً.. لأنه بمعني الكلمة ينطبق عليه وصف "حبس" أنفاس التجارة العربية. والواقع أن الجميع يحبس أنفاس التجارة العربية، وقائمة "الكابسين" علي الأنفاس تبدأ من كبار المسئولين الماسكين باختام القرارات الرسمية التي تفرض الرسوم تحت مسميات مختلفة فهي مرة تسمي "عوائد شعبية" في الجماهيرية الليبية ومرة اسمها "رسوم طرقات" أو "رسوم كفالة" كما في المملكة الأردنية الهاشمية.. هذه هي الرسوم المعلنة أما ما خفي من المصاريف غير المنظورة التي يدفعها المصدر مجبراً دون أية إيصالات رسمية فالحديث عنها يطول بطول الحدود العربية ذهاباً وإياباً. وليست الرسوم فقط هي التي تكبس علي أنفاس التجارة ولكن القرارات التي تصدرها بعض الدول العربية الخاصة بالشروط الصحية والمواصفات التي تتشدد فيها بدرجة يصبح دخول السلعة لهذا البلد من المستحيلات. والرسوم والاشتراطات ليست هي نهاية المطاف ولكن أيضاً إصدار قرارات حكومية بضرورة الحصول علي إذن من بعض الجهات الرسمية قبل السماح بالتمتع بالإعفاء. هذه بعض نماذج "الكابسين" علي الأنفاس من ذوي المناصب الرفيعة الحكومية، أما الفئة الأخري فهي "رجال البيزنس" ذاتهم الذين يتعمدون تصدير سلع ليست من سلع أيادي عمال أوطانهم ولكن من صنع أياد صينية. وبذلك يسد باب الرزق في وجه 3 ملايين عامل عربي يدخلون سوق العمل سنوياً ولا يجدون لقمة العيش، ومن جانب آخر يغلق أبواب المصانع في البلد العربي المستورد الذي يغرقه بسلع رخيصة السعر بوجه عربي مزيف. حكايات عربية الغريب أن الجميع يكبس علي الأنفاس من حكومات ورجال بيزنس ثم يستديرون بضمير مرتاح تماماً ليتبادلوا الاتهامات بمراسلات رسمية تبدأ عادة بالسلام والتحية وتنتهي ب "وإلا"... وما بين عبارات "السلام والتحية" وحتي "تقبلوا فائق الاحترام" تكمن حكايات عربية تكشف عما يفعل العرب بمنطقتهم الحرة التي لم تستطع حتي الآن أن تقفز بالتجارة العربية البينية بأكثر من 40 مليار دولار أي 9% فقط مما تصدره لدول العالم. ولم تستطع أن توجد استثمارات عربية مشتركة إلا في حدود 7.3 مليار دولار وهو ما يقل عن مشروع واحد بقيمة رجل أعمال عربي في إحدي ضواحي لندن أو نيويورك أو باريس. هذه الحكايات رصدها اتحاد الغرف العربية للتجارة والصناعة والزراعة من أفواه المتعاملين مع المنطقة الحرة فاتضح أن السعوديين يشتكون من أن سوريا مازالت تفرض بعض الاستثناءات علي بعض السلع مثل الشامبو. والسوريون يشتكون من أن الأردن زادت الرسوم وتفرض ضرائب علي كل شيء بمر ترانزيت عبر حدودها مما يجعل سيارة تريلا واحدة تتكلف 500 دولار رسوم طريق فقط. والأردنيون يصرخون من أن الإمارات تفرض رسوماً علي عبور الشاحنات والسائقين من غير الجنسية الاماراتية. واللبنانيون يتبرمون من أن السعوديين يفرضون قيوداً علي وزن الشاحنات بألا يزيد وزن الشاحنة علي 40 ألف كيلوجرام (للشاحنة والحمولة) بينما هذا يتناقض مع الجبال القاسية في لبنان التي تلزم المصدرين باستخدام شاحنات بوزن 20 ألف كيلو جرام بدون حمولة البضاعة. والتونسيون يتضررون من أن مصر تدقق علي شهادات المنشأ وتفرض التصديق عليها من السفارات. من صفر إلي 4 وبعكس هيكل الصادرات العربية جزءا من الأزمة كما يرصدها تقرير اتحاد الغرف العربية الذي يؤكد علي أن الصادرات تتركز أساساً في المواد الخام والوقود المعدني بنسبة 52% وتليها الأغذية والمشروبات بنسبة 18% ثم المواد الكيماوية بنسبة 16% تليها المصنوعات (8%) ثم المعدات والآلات 6%، وهذا الهيكل كان وراء انخفاض نصيب الصادرات العربية من إجمالي الصادرات العالمية من 5% أوائل التسعينيات إلي 8.3% عام 2002. وقد أوضح التقرير مجموعة من القيود التي تعرقل سير المنطقة الحرة وأهمها الارتفاع الكبير في تكاليف الشحن ووجود اختلاف كبير في أسعار الصرف للعملات، والرسوم المبالغ فيها في الحدود الأردنية، والإجراءات المشددة في مصر علي شهادات المنشأ، ووجود بعض أنواع الغش التجاري، إلي جانب اشتراط شهادات صحية يصعب تحقيقها، والتكلفة المالية اللازمة للحصول علي الموافقات الإدارية مشيراً إلي أن متوسط فترة توصيل خط الهاتف 6.1 سنة يبدأ من الصفر في الإمارات ويصل إلي 4 سنوات في السودان وسوريا.