مكان يحمل انطباعات كثيرة ومختلفة، فهو بالنسبة للبعض مكان لبيع الأشياء القديمة "الكراكيب" أو المسروقة أو الرخيصة، إلا أنه يجمع كل هذه الأشياء فى مكان واحد هو "سوق الجمعة"، فى محاولة للاقتراب أكثر إلى السوق ومحاولة استكشافه من الداخل، تحولنا لعدة ساعات إلى بائعين فى سوق الجمعة أعددنا البضاعة التى تمثلت فى بعض الكتب والألعاب لننطلق بها، كان ميدان السيدة عائشة هو نقطة التحرك، حيث وقف منادى الميكروباص يصيح "السوق ..السوق" لنصل إلى السوق فى أقل من 10 دقائق. زحمة شديدة، بائعون على الجانبين، وفى منتصف الطريق باستثناء ممرات ضيقة يمر منها كميات هائلة من البشر تشعرك كأنه يوم الحشر. أصوات تأتى من كل ناحية، سيدة ترتدى عباية سوداء وتقف على كرسى فى وسط السوق لتنادى "قرب بسبعة جنيه بس"، وعلى الجهة الأخرى رجل يتحدث من خلال الميكروفون "الحق الجينز بخمسين"، وفى المنتصف كم هائل من البشر لكل منهم حاجته التى جاء من أجلها. فالبعض يأتى لشراء الملابس التى تسيطر على جانب كبير من السوق أو السجاد والمفروشات والحيوانات بأنواعها والطيور حتى الزواحف والأسماك، فى سوق الجمعة يمكن أن تجد أى شىء تريده "من الإبرة للصاروخ" حتى الأشياء القديمة أو معدومة الفائدة تجد مكاناً لها فى هذا السوق. ذُبنا وسط الزحام الرهيب باحثين عن مكان صغير نبدأ منه يومنا الأول كبائعين، ووجدنا ضالتنا فى مساحة صغيرة تظللها شجرة وفى الخلفية منزل شبه متهدم. بدأنا نرص البضاعة على "الفرشة" مع توقعنا لهجوم وشيك من البائعين الذين بدأوا يلمحون وجود غرباء بينهم، إلا أننا فوجئنا برجل عجوز يساعدنا على إعداد الفرشة، حيث أعطانا بقايا جوال بلاستيك لنضع عليه بضاعتنا، ولم يكتف بذلك بل ساعدنا فى رص البضاعة، بعد قليل وجدنا بائع آخر يعطينا كرسياً حتى لا نجلس على الأرض. توقعنا مشاجرات ووضعنا الخطط للخروج بأقل الخسائر، إلا أننا لم نجد غير المساعدة والتضامن حتى دون أن نطلب ذلك. "الفانلات الداخلية تكسب" عرض علينا أحد البائعين أن يشترى لنا كشرى، وقام عم فؤاد الذى يجاورنا بإعداد الشاى، وفى أثناء تناوله أخذ يعطى لنا بعض النصائح فى فنون البيع: "أهم حاجة البضاعة تكون فى مكان ظاهر وتبيعوا بأى سعر حتى لو ح تكسبوا جنيه أو اتنين، المهم ما ترجعوش بالبضاعة اللى جيتم بيها"، وكان من بين نصائحه أن نتخلى عن فكرة بيع الكتب لأنها ما تجبش همها والناس دلوقتى مش لاقية تاكل، ح تشترى كتب، ونصحنا أن نستبدلها بشراء فانلات داخلية نشترى الدستة ب 12 جنيه، ونبيع الأربع قطع ب 10 جنيهات "هو يطلعلكم فى الدستة اتنين جنيه". عدة ساعات كبائعين، أكسبتنا شعور البائع عندما يقترب مشترٍ من بضاعته لفحصها، حيث تسود حالة من الترقب ومحاولات لاستطلاع جدية المشترى، فمن أسئلته يكتشف إذا كان يريد الشراء أو أنه مجرد فضول لمعرفة أسعار البضاعة. وحاولنا استكشاف السوق من خلال عم فؤاد الذى يسكن فى هذه المنطقة منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً، والذى يضع بضاعته أمام المنزل مباشرة، يبيع السجائر وبعض الأشياء القديمة مثل أحزمة الشنط والريموت كنترول. قال لنا عم فؤاد الذى تجاوز الخمسين عاماً، إن هناك عدداً من الأفراد يسيطرون على جزء من السوق، حيث يفرضون إتاوات على البائعين تصل فى المتوسط إلى 20 جنيهاً على كل بائع، ويبلغ إجمالى ما يتحصلون عليه كل جمعة حوالى 1000 جنيه "دول أغنياء وعندهم عمارات" فى سوق الجمعة لا ينتمى فقط الرواد إلى طبقات مختلفة بل البائعين أيضاً الذى جاءوا من أماكن شتى، البعض لديهم محلات فى أماكن راقية كمصر الجديدة، والبعض الآخر جاء من محافظات بعيدة ليشارك فى هذا المهرجان الأسبوعى الذى يبدأ فجر يوم الجمعة وينتهى بعد صلاة العشاء. ولا يخلو السوق من الأطعمة المختلفة، حيث تجد بائع الكشرى الجوال يطوف على البائعين بصينية تحمل عدداً من علب الكشرى، هذا إلى جانب بائعى العرقسوس والعصائر الأخرى وبواقى الكيك الذى يباع الكيلو منه بخمسة جنيهات. الحقيقة أننا كنا محظوظين، وتمكنا من بيع دبدوب بسبعة جنيهات رضا والحمد لله.