نشترك نحن أبناء الشرق في حقيقة واضحة وهي قراءة التاريخ بالأحذية لا بالعيون ويمكننا أن نري ذلك بوضوح تام منذ محاولة تحتمس الثالث لطمس آثار حتشبسوت علي الرغم من أنه كان زوجها، ولكن بعد أن ماتت صار هو الملك. وفي العصور الحديثة يذكر لنا التاريخ أن عرابي باشا حين عاد من منفاه، التقي مصادفة وفي أحد المقاهي بالزعيم مصطفي كامل، فرفض مصطفي كامل مصافحته لأنه زعيم خائن "!!". ونجد في التاريخ ايضا ان سعد زغلول جاء من بعد مصطفي كامل، وأنكر عليه أسلوبه للدفاع عن قضية مصر، حيث ارادها محمية عثمانية، علي الرغم من أنه صاحب مقولة "لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا" ومن بعد سعد زغلول جاء جمال عبد الناصر ليرفض كل اسلوب الوفد في ادارة ازمات مصر، ومن بعد ذلك جاء السادات لنعيد قراءة تاريخ حكم جمال عبد الناصر علي أساس انه حكم بالتعذيب، وحكم باهدار كرامة الافراد. ثم توالت الأيام لنجده وبعد انجازات هائلة يخر صريعا في ساحة الاستعراض العسكري، برصاص من اتهمه بخيانة الله والوطن. وتناسينا علي مر التاريخ أن حتشبسوت قامت علي سبيل المثال لا الحصر باهداء الكرة الأرضية كلها فلسفة تصميم المراكب والسفن، وكيفية اقامة علاقات طيبة علي أساس التبادل التجاري بين مصر والشام، ومصر وافريقيا وتناسينا ايضا أن عرابي باشا هو من أراد تمصير جيش مصر، وإعادة تدريبه لحماية الحدود في زمن ما بعد حفر قناة السويس حيث تحولت مصر الي مطمع لكل الامبراطوريات، وتناسينا ان مصطفي كامل قام ببلورة افكار الحزب الوطني الذي وضع اسلوبا في فهم العدل الاجتماعي وقام بتجسيده بعد ذلك محمد فريد، ثم طبقه عمليا طلعت حرب، وتناسينا أن سعد زغلول نجح في فرض حقيقة واضحة وهي قدرة المواطن علي اختيار أول رئيس وزراء لهم بتوقيعات هائلة تفوض اشخاصا محددين وعلي ضوء منهج معين ليكونوا هم المفاوضين لانجلترا ويمكن ان نسمي ذلك بالديمقراطية العلنية المفتوحة، والمعروفة الاسماء وتناسينا أن جمال عبد الناصر هو من قام بتأميم قناة السويس وزراعة فكرة تحرير الوطن العربي من المحيط الي الخليج، وهو الذي اعاد فكرة بناء مصر الحديثة التي علاها التراب والقهر والاستعمار منذ ايام محمد علي وتناسينا ان السادات هو من قام باطلاق الشرارة الأولي لتقزيم اسرائيل ووضع اساسا عمليا لبدء تطوير المجتمع العربي من خلال الهيئة العربية للتصنيع والخط "السوميد" الذي ينقل البترول من السعودية الي مصر ليتم نقله الي العالم، لكن الريبة العربية لم تمنحه الفرصة لمزيد من التعاون العربي، فأطلق فكرة السلام بين مصر وإسرائيل. وهي فكرة لم تكن وليدة اللحظة بل لها عمر يمتد الي مبادرة "روجز" التي أسست لفكرة السلام. أحلم في العام الجديد أن نبدأ في اقامة ميزان عادل للسمات والمزايا والعيوب والنواقص في كل فترة من تاريخنا، لأن الطب النفسي يؤكد ان من ينظرون الي السلبيات فقط في تاريخهم هم من يتوقفون بالمخوف عن اقتحام المستقبل، ومن يعلمون قدراتهم الايجابية والسلبية هم من يستطيعون تحمل مخاطر مواجهة اقتحام المستقبل. حلمي الاساسي في عام الاختيار 2005 ان نعيد اختيار اسلوب جديد للنظر الي تاريخنا، بدلا من أن نواصل قراءة التاريخ بالأحذية التي نلطم بها وجوه زعمائنا وفترات نضالنا السابقة.