أثرت الأزمة المالية بصورة مباشرة علي معدلات التضخم والتي كانت قد وصلت قبل الأزمة إلي 24% حيث انخفضت بعد مرور عام علي الأزمة إلي 9% الأمر الذي اعتبره الخبراء الحسنة الوحيدة ضمن سيئات كثيرة خلفتها الأزمة، وأرجعوا السبب إلي أزمة السيولة التي تعرضت لها كل دول العالم مما اضطرها لتخفيض الأسعار ما بين 40 و50% وهو ما انعكس علي السوق المصري لكونه سوقا يعتمد علي استيراد معظم السلع. وأشار الخبراء إلي أن سبب عدم احساس المواطنين بالنسب الكبيرة لهذا الانخفاض هو استغلال بعض المحتكرين للأزمة وتخفيض الأسعار بنسب لا تزيد علي 10% والحصول علي فرق السعر دون النظر لمصلحة المواطنين. حيث يقول د. رشاد عبده - خبير الاقتصادي الدولي وأستاذ التمويل بالأكاديمية العربية للعلوم المالية - أن معدل التضخم المصري قبل الأزمة المالية العالمية وصل إلي 24% واليوم وبعد مرور عام علي الأزمة انخفض ليصل إلي 9%، مضيفا أن هذا الانخفاض يعتبر إحدي الحسنات القليلة للأزمة والسبب فيه يعود إلي أزمة السيولة التي تعرضت لها كل دول العالم مما اضطرها لتخفيض الأسعار ما بين 40 و50% وهو ما انعكس تلقائيا علي السوق المصري خاصة ونحن دولة تعتمد علي استيراد معظم السلع بداية من المادة الخام وانتهاء بالطعام. ويشير د. عبده إلي أن معدلات التضخم ترتفع مع زيادة السيولة في الأسواق بينما تنخفض مع انخفاض حدة السيولة، مضيفا أن الأزمة أصابت المصانع بحالة من الهلع والخوف من المجهول مما دعاها إلي تخفيض إنتاجها خاصة وأن معدلات انفاق المستهلكين انخفضت أيضا وهو ما أثر بصورة تلقائية علي معدل التضخم حيث شهد انخفاضا كبيرا في معظم دول العالم، ورغم هذا الانخفاض الذي اعترفت به جميع حكومات العالم وعلي رأسها الحكومة المصرية إلا أن المواطن المصري لم يشعر بتأثير هذا الانخفاض نتيجة استغلال المستوردين المصريين للأزمة لتأكدهم من أن المواطن المصري لن يستطيع الاستغناء عن السلع المستوردة وخاصة السلع الغذائية فهو مضطر للشراء مهما كان السعر لعدم توافر البديل ورغم أن انخفاض الأسعار عالميا تجاوز نسبة 40% إلا أنه في مصر لم يتعد 10% ونسبة الفرق بين السعرين استولي عليها بعض المستوردين. ويشير رشاد عبده إلي أن هناك العديد من الشركات الحكومية والخاصة استغلت الأزمة وما أعقبها من انخفاض أسعار لمعظم السلع وقامت بعمل صيانة للمصانع لعدم قدرتها علي مواجهة المستورد والذي تم اغراق السوق المصري به. وينوه عبده إلي أن معدلات التضخم قد تعاود للارتفاع مرة أخري بعد انتهاء الأزمة ما لم تقم الحكومة باتخاذ إجراءات تحول دون حدوث هذا الارتفاع. من جانبه يشير د. فرج عبدالفتاح - أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة - إلي أن معدل التضخم في الشهور الأخيرة قد طرأ عليه بعض الانخفاض، مضيفا أن ذلك ليس معناه انتهاء الأزمة الحالية، فمازالت هناك قطاعات تعاني من الآثار السلبية للأزمة، منوها إلي أن انخفاض معدل التضخم من الممكن أن يكون مصاحبا لحالات الكساد والركود مثلما هو الحال في زيادة معدلات التضخم في حالات الرواج والازدهار وبذلك لا يمكن اعتبار معدل التضخم وانخفاضه مؤشرا لانتهاء الأزمة. ويوضح عبدالفتاح أن انخفاض الأسعار بشكل متتال في المراكز الرأسمالية المتقدمة يشيرا إلي ركود الطلب الكلي وتقلصه بما يعني أن دورة الإنتاج وتحويل النقود إلي سلع ثم إلي نقود مرة أخري.. فهذه الدورة تتباطأ بما يعني أن استمرار هذا الهبوط في الأسعار يجعل المنتج لا يصل إلي عملية الإنتاج، وإذا كان ذلك يحدث في المراكز الرأسمالية المتقدمة فإن ذلك ينعكس بصورة سريعة علي الدول الاقتصادية الأخري. وينوه عبدالفتاح إلي أن الاقتصاد المصري تأثر بالأزمة من خلال قنوات عديدة أهمها انخفاض القيمة التي يتم تحصيلها من قناة السويس في شكل رسوم علي التجارة العابرة بالإضافة إلي انخفاض الطلب علي صادرات مصر السياحية وانخفاض تحويلات المصريين العاملين من الخارج إلي جانب انخفاض أسعار البترول الخام، مشيرا إلي أن هذه روافد تأتي لنا بانعكاسات سلبية وفي هذه الحالة توقف الإنتاج في الدول الرأسمالية المتقدمة سوف يترك تأثيره علي الصناعة المصرية لأن هذه الواردات من خلال الاستيراد من الخارج والذي يتمثل في مستلزمات إنتاج أو حتي سلع نهائية. ويري د. محسن الخضيري الخبير الاقتصادي - أنه علي الرغم من أن العالم كله وبصفة خاصة دول الاقتصادات الرأسمالية الكبري في الغرب كأمريكا وأوروبا واليابان تمر بمرحلة ركود عنيفة يعكسها هذا الانكماش الحاد في الطلب فإن الاقتصاد المصري لم يمر أبدا بهذه الحالة، مضيفا أن ما حدث هو العكس تماما فقد شهدت مصر ارتفاعا قياسيا في الأسعار حيث ارتفعت أسعار السلع والخدمات بشكل كبير والسبب أن هناك أوضاعا احتكارية أدت إلي عجز في إتاحة هذه السلع مثل احتكارات الأسمنت ومواد البناء واحتكارات المواد الغذائية والتي ازداد معدل التضخم الاجمالي العام فيها علي 10% وهو ما يجب التعامل معه بحزم خاصة وأن الدخول في مصر لم ترتفع بهذه النسبة، منوها إلي أن هذا المؤشر مخيف إلي أبعد مدي ومتوقع ارتفاع معدلات التضخم خلال الفترة القادمة إذا لم تتدخل الحكومة وتقوم باتخاذ إجراءات حاسمة.