نصح تقرير اقتصادي متخصص المؤسسات العربية بضرورة اتخاذ إجراءات سريعة وجادة لإيجاد حلول جذرية تناسب واقع الأعمال علي الساحة العربية للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية العالمية، موضحا أن الانتظار من شأنه أن يترك آثارا سلبية علي ذوي الدخل المحدود في العالم العربي. ولفت التقرير إلي تأثر العديد من المصارف العربية الكبيرة بأزمة الرهن العقاري، الذي كان أحد أهم أسباب الانهيار المالي في أمريكا وشرق آسيا. كما حذر أيضا من امكانية حصول انكماش في مصادر التمويل العالمية في حال استمرت أزمة الائتمان والسيولة خلال الفترة القادمة، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر علي الإقراض الداخلي في الدول العربية. وحض التقرير علي ضرورة تعزيز موقع المصارف العربية في أسواق المال العالمية ودعم الاندماجات فيما بينها لتحفيز المزيد من المنافسة في أجواء الركود الاقتصادي، في الوقت الذي لا يوجد تصنيف لأي مصرف عربي من المصارف البالغ عددها أكثر من 270 مصرفا، ضمن أكبر مائة مصرف في العالم. كما أكد علي أهمية إيجاد نظام للبنوك المركزية العربية لمراقبة دقيقة للمؤسسات المالية في الدول العربية المرتبطة بالمؤسسات الدولية التي عصفت بها الأزمة، فضلا عن ضرورة البدء فورا في اتخاذ إجراءات فك الارتباط بين العملات العربية والدولار الأمريكي والاستعاضة عنه بمجموعة عملات متنوعة. وأفاد التقرير أيضا بأن الأزمة الأخيرة دفعت العديد من الدول في العالم العربي لإعداد الكوادر العربية المؤهلة لإدارة الأزمات بأسلوب علمي يتوافق مع أهدافها واستراتيجياتها الخاصة. وأكد التقرير أن بداية الأزمة الجديدة انطلقت مع إعلان "ليمان براذرز" عن إفلاسها وهي مؤسسة مالية عملاقة، لافتا إلي انه كان لهذا الإعلان البداية التي دقت ناقوس الخطر ولفتت أنظار العالم إلي خطورة الأزمة التي تواجه الاقتصاد العالمي، باعتبارها مؤسسة عريقة تعتبر من أقدم المؤسسات المالية الأمريكية، يعود تاريخ تأسيسها إلي القرن التاسع عشر. وأشار التقرير الخاص بتعاطي المؤسات العربية مع الأزمة إلي أن هيئة السوق المالية السعودية قد سمحت مؤخرا للمستثمرين الأجانب غير المقيمين بتوقيع اتفاقيات مبادلة مع وسطاء سعوديين، مما اتاح نوعا من الملكية غير المباشرة للأسهم وذلك في واحدة من أجرأ الخطوات التي اتخذتها المملكة حتي الآن لفتح سوق الأسهم المحلية أمام الأجانب. في الوقت الذي شهدت فيه أسواق كل من الإمارات والكويت ومصر وقطر والأردن وبشكل متصاعد زيادة في حجم الاستثمارات الأجنبية في بورصاتها. وأفادت غالبية الاستطلاعات والتقارير الصادرة عن شركات الأبحاث ووكالات التصنيف العالمية بأن مجموعة استثمارات بنوك المنطقة في سندات الرهن العقاري ذات التصنيف الائتماني المنخفض تمثل نسبة طفيفة للغاية لم تتجاوز ال 2% من مجموع أصول هذه البنوك. ولفت التقرير إلي توجه البنوك المركزية لخفض أسعار الفائدة علي الإقراض والبيوع الآجلة وهوما أعاد بعض الثقة والنشاط إلي القطاع المصرفي واثر لحظيا بالإيجاب علي أداء الأسواق كافة. كما تدخلت هيئات الاستثمار المعنية في كل دولة لضخ الملايين والمليارات من الأموال في الأسواق في محاولة لدعمها وتعزيز استقراره، حتي وإن كانت المبالغ المعلن عنها في نظر الكثيرين متواضعة مقارنة بالقيمة الرأسمالية لكل سوق ومقارنة بالمبالغ التي أعلنت عنها حكومات الدول المتقدمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وبالرغم من هذا التذبذب الذي شهدته الأسواق العربية، فإن الأمل مازال موجودا في أن تستعيد الأسواق العربية حيويتها في المرحلة المقبلة لاسيما في ظل إعلان الشركات عن نتائج الربع الثالث من عام 2008 وسط آمال كبيرة في أن تكون جيدة أو مقبولة بهدف بعث الطمأنينة وترسيخ الثقة في نفوس الجميع. ولم تقتصر آثار الأزمة علي الأسواق الأمريكية فحسب بل طالت أسواق المال العالمية علي نطاق واسع واحدة تلو الأخري وسط عمليات بيع كبيرة غير مستقرة، فتخلي المستثمرون عن استثماراتهم دافعين مؤشرات الأسهم القياسية الرئيسية إلي أدني مستوياتها خلال سنوات عدة. وترافق هذا مع تراجع الأسواق في كل من تايلاند وماليزيا وهونج كونج وإندونيسيا وكوريا وسنغافورة وتايوان أضف إلي ذلك تراجع مؤشر نيكي الياباني "القوي" وتأثره الواضح بما يدور حوله من أحداث. أما تراجع سوق الصين فكان الأقل بين نظيراتها الآسيوية، حيث أعلنت البنوك في الصين عن عدم وجود استثمارات لها مرتبطة بمشكلات الرهن العقاري الأمريكي الأمر الذي أسهم في دعم موقف السوق الصيني تحديدا. وأشار التقرير إلي الأثر الذي تركه هذا الانهيار علي أسواق البترول العالمية، إذ تراجعت الأسعار بشكل كبير خلال الشهرين الماضيين جراء المخاوف من تأثير أزمة القروض العقارية سلبا علي أداء الاقتصاد العالمي وبالتالي انخفاض الطلب علي البترول الذي نتج عنه هبوط أسعار الخام الأمريكي ومزيج البرنت بشكل كبير، مما ألحق المزيد من الخسائر للدول البترولية. وعلق بنك الكويت الوطني، في موجزه الاقتصادي الصادر مؤخرا، علي التراجع الحاد في أسعار البترول خلال الفترة الماضية قائلا: قد يكون الوقت الآن ملائما لتقييم أثر هذا التراجع علي ميزانيات دول الخليج وعلي تطلعاتها المستقبلية في حال استمرار التراجعات في الأسعار العالمية. كما قال مصدر مسئول في سكرتارية منظمة البلدان المصدرة للبترول "اوبك" في فيينا لوكالة الأنباء الكويتية إن تراجع الأسعار بات أمرا مقلقا بالنسبة للمنتجين، مشيرا إلي وجود اتصالات بين وزراء البترول داخل المنظمة لمواجهة التدهور في الأسعار. وأشار التقرير إلي ارتفاع أسعار الذهب والمعدات النفيسة في الآونة الأخيرة بعد توجه المستثمرين إليه باعتباره الملاذ الآمن، مما أدي إلي زيادة الطلب عليه. كما ورد في هذا التقرير أيضا بأن ما حصل في أسواق الذهب من مضاربات قد ساهم في رفع اسعاره، حيث تم توجيه مليارات الدولارات إلي الذهب في أقل من ساعتين، وهذا ما يؤكد التقاء مصالح الطلب والمضاربة التي تترك آثارها علي الأسواق.