أبناء جيلي تعودوا علي أن لقب "صقر" يستخدم دائما في وصف المتشددين من أبناء السياسة، فيوصف بن جوريون في التاريخ الإسرائيلي بأنه صقر، ونال اللقب أيضا كل من ديان، ومناحم بيجن. ولم أسمع اللقب علي اتجاه سياسي عربي، ولعل السبب عندنا أنه لا يوجد صقور أو حمائم، بل توجد رؤية واحدة تفرض نفسها علي الجميع في كل بلدان العالم العربي، وتظل الخلافات مجرد خناقات علي سطور الصحف أو في برامج "التوك شو"، وكفي الله المؤمنين شر القتال. وفي العام الأخير بدأت صداقة تربطني بهيئة الثقافة في إمارة أبو ظبي، حيث يتولي قيادتها التنفيذية واحد من كبار الدارسين للإدارة وهو في نفس الوقت يقدس كل مهمة توكل إليه. ولما كان المغفور له الراحل الكريم الشيخ زايد يهوي تأصيل التراث، فقد عرف حب أهل الصحاري للصيد بواسطة الصقور، وعلم في نفس الوقت أن الصقور المتوحشة البرية صارت إلي انقراض، لذلك نشر بين القادرين بأبو ظبي هواية تربية الصقور. وتشتهر أبو ظبي حاليا بإطلاق مسابقات مبتكرة، منها علي سبيل المثال مسابقة أجمل الصقور والتي سوف تعقد دورتها القادمة في النصف الأول من أكتوبر القادم. والهدف طبعا هو الحفاظ علي صون التراث، وصون الأنواع النادرة من الصقور. وسوف تكون المسابقة بين الصقور التي تم تكاثرها في الأسر، أي التي تعيش في أقفاص وتتعرض طبعا للتدريب، ومسابقة هذا العام هي الخامسة من نوعها، واستقطبت العديد من أصحاب مزارع الصقور في العالم. وكان إصرار أبو ظبي علي استمرار واحد من الأمور التي عمل عليها الراحل الكبير الشيخ زايد منذ عام 1995 إلي أن وصل الأمر حاليا إلي اعتماد 90% ممن يربون الصقور في الإمارات علي الصقور المتكاثرة في الأسر، مما جعل الإمارات اليوم البلد العربي الأول الذي أصبح يعتمد بشكل كامل علي استخدام تلك الصقور في رياضة الصيد بها مما خفف الضغط الذي كانت تتعرض له الصقور البرية بعد أن كان يتم صيدها. وكان صيد تلك الصقور يمنع تكاثرها، فجاءت الصقور المتكاثرة في الأسر كبديل متميز. ثم جاءت مسابقة أجمل وأكبر الصقور المهجنة الأولي من نوعها علي مستوي العالم، وموجهة لأصحاب مزارع إكثار الصقور في منطقة الخليج العربي والعالم، حيث يتم سنويا اختيار أكبر وأجمل صقر مهجن من نوع جير حر، أكبر وأجمل جير شاهين، أكبر وأجمل جير ذكر، وذلك وفق معايير وشروط خاصة يحددها صقارون وخبراء في هذا المجال. والهدف هو تشجيع خبراء إكثار الصقور علي إنتاج صقور أكبر حجما وأجمل شكلا من حيث الريش واللون. وعندما تصلني أخبار مثل تلك من أبو ظبي، فأنا أفرح بها ويستريح بها عقلي من ضجيج اليوم السياسي العادي في بلدنا المحروسة. وأنظر إلي أهل السياسة في الكون المعاصر، فأجدهم مثل تلك الصقور التي تمت تربيتها في الأسر، بل يخيل إلي أن اقتصاد الكون كله يعتمد علي احزاب واتجاهات سياسية لا تملك رؤية عريضة تجعل الناس تنظر إليها بعيون لا تبرق بالدهشة، ولكن بمقارنتها بتلك الصقور الجميلة التي تطير وتصطاد ولكنها تفقد حيوية الحياة البرية.