وماذا يقول اهل القانون في القرار.. خاصة تلك التعليقات الخبيثة التي تناقلها البعض بأنه جاء لتحقيق مصلحة الرجل الاوحد في انتاج الحديد؟ وعلي الرغم من ان قرار تنظيم سوق حديد التسليح لاقي ترحيبا علي نطاق واسع من قبل التجار والمنتجين واعتبره الكثيرون بداية النهاية لماراثون الحديد الذي استمر قرابة العام الا ان هناك ثمة تساؤلات مازالت تطرح نفسها هل القرار الاخير يعد خرقا لقانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار؟ ! وما تأثير ذلك علي آليات السوق خلال الفترة القادمة اذا كان البعض يعتبر الاجراء الاخير لا يتسق مع اقتصاديات السوق الحر؟ انقسم خبراء القانون والاقتصاد الي فريقين في ردهم علي التساؤلات التي وجهتها لهم "الاسبوعي"، ويري فريق منهم ان التعديلات الاخيرة تأتي في اطار حماية مفهوم المنافسة من الاستغلال وتأتي في اطار حماية المجتمع من توحش الاسعار في الاسواق مشيرين في ذات الوقت الي ان ذلك ليس شيئا مستحدثا يخالف القانون بل احد نصوصه وان الحكومة لها مطلق الحرية في اتخاذ ما يلزم لضبط الاسعار. وفي المقابل يعرب فريق آخر عن امتعاضه من القرار في حد ذاته وليس من آلية تدخل الحكومة في السوق معتبرين ان القرار الاخير لايصب الا في مصلحة المنتجين الكبار ويعتبر ضوء اخضر بإجراء الممارسات الاحتكارية او تدعيمها. الدكتور شوقي السيد خبير القانون التجاري اوضح ان تدخل الحكومة والاتفاق علي اسعار تضمن ضبط ايقاع السوق هو جزء لا يتجزأ من قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار ليس ذلك فقط بل هو ايضا في ذات الوقت احد بنوده والذي يجيز للحكومة التدخل في اوقات معينة حيث ان القانون يهدف الي محاربة المنافسة الاحتكارية وحماية المنافسة بمفهومها الاشمل الذي يتسق وآليات السوق الحر وبالتالي لا يتناقض القرار مع السوق الحر لان التدخل والحماية هو دور الحكومة في هذه الاسواق مشيرا الي ان دور الحكومة هو الوصول الي التوازن بين مجموع من المصالح المتعارضة. ويلفت د. السيد الي ان مصالح المجتمع علي المدي القصير قد تتطلب توفير بعض الاجراءات المؤقتة التي تحافظ علي حقوق المستهلكين والذي في ضوء توحش الاسعار لاتكون لديه خيارات ويصبح مضطرا لشراء سلع قد تكون مرتفعة الاسعار بالمقارنة بالاسواق الاخري، كما ان من واجب الحكومة هو ان تصل لتوازن بين مصلحة المنتج والمستهلك وبين مصلحة الاقتصاد علي المدي القصير والطويل. الإطار الرقابي المستشار ثابت عبدالحميد رئيس محكمة جنايات القاهرة اكد ان تدخل الحكومة في ضبط الاسعار بأي صورة من الصور لايعد خرقا لقانون المنافسة ومنع الاحتكار بل يعد من صميم آليات السوق لانه لاتعني ان تكون الابواب مفتوحة علي مصرعيها للاضرار بالمستهلك فالحكومة الان تقوم بواجبها في ضبط ايقاع السوق مشيرا الي ان القرار الاخير شأنه شأن قرارات اخري اتخذتها الحكومة في وقت سابق مثل منع تصدير الارز والاسمنت فلايمكن ان نقول ان كل ذلك ضد آليات السوق ولكنها تأتي في اطار قواعد قانونية منبثقة عن مشاورات مكثفة جرت بين وزارات التجارة والصناعة وبين النائب العام من اجل المصلحة العامة. اضاف ان قرارات مكافحة الاغراق التي تتخذها الكثير من الدول علي الرغم من الاتفاقات والقوانين الدولية التي تنص علي فتح الاسواق، الا ان ذلك لم يتمنع الحكومات من اتحاذ قرارات تمنع الاغراق في ظل تضرر الاسواق من سلع معينة ومن هنا جاءت فكرة سن قوانين الاغراق وهو ما ينطبق تماما علي حالة ارتفاع اسعار الحديد والقرار الاخير الذي اتخذته الحكومة لضبط الاسعار بعد ان تفاقمت الامور وحدث مالا يحمد عقباه وجاءت القرارات الاخيرة لتصحيح اوضاع معوجة. واشار المستشار ثابت الي ان المنافسة وحرية السوق ليست فوضي وانما محكومة بقواعد وضعتها الحكومة للتدخل في التوقيت المناسب فيما يطلق عليه "دور الشرطي المنظم" الذي لم ولن تتخلي عنه الدولة، كما اوضح ان ماقامت به الحكومة هو استخدام تلك التشريعات التي تنظم ما يعرف بالممارسات التجارية، وتستهدف حظر الممارسات غير المشروعة، وتحديدا الاحتكار والهيمنة علي السوق، كما تهدف الي توفير الاطار الرقابي الذي يضمن سلامة البيئة التنافسية التجارية مشيرا الي ان تشريعات المنافسة او تشريعات منع الاحتكار كما تسمي في بعض النظم من بين التشريعات المستجدة التي جاءت وليدة سياسات واتفاقيات تحرير الاسواق والتجارة الدولية. الضوء الأخضر طارق نجيدة الخبير القانوني اعتبر ان تدخل الحكومة بهذه الصورة خرقا واضحا لقانون المنافسة ومنع الاحتكار والذي يضمن وجود حرية في السوق فالقرار في فحواه لايعمل لمصلحة الصناعة ولا السوق وانما يصب في مصلحة الرجل الواحد ويعتبر ضوءا اخضر للممارسة الاحتكارية تحت مرأي ومسمع من الجميع، وقال انه يمكن اجراء اي مقارنة بين قوانين الاغراق التي تتخذها الدول وبين قرار ضبط اسعار الحديد الاخير لان كلاهيما يسير في اتجاه معاكس فالوضع في الحالة الاولي هو وضع سيادي للدولة لحماية اسواقها اما الحديد فهو أمر مختلف وتدخل الحكومة علي هذه الصورة يعتبر خرقا واضحا للقانون، واعتبر نجيدة القرار أنه مجرد امتصاص للغضب العام في صورة سينمائية ابطالها المنتجون والحكومة. ومن جانبه يؤكد احمد نبيل الخبير القانوني ان ما حدث في سوق الحديد هو مأساة بكل المقاييس في اي مرحلة من المراحل وهو صورة واضحة ومعبرة عن توحش الاحتكار واعتبر ان القرار الاخير هو عبارة عن علاج خلل بخلل وانه لايسهم الا في تمكين الاحتكار بصورة مخيفة وجعل سقف الاسعار التي ستعلنها المصانع بمثابة فرض رسمي للاسعار الاحتكارية وهو امر مضر بآليات السوق الذي تتشبث الحكومة بتطبيقه. اشار نبيل الي ان اوضاع الاقتصاد المصري باتت منفلتة ولن تجدي معها المحاولات والحلول القانونية التي تطرحها الحكومة لان الامر ببساطة يتلخص في ان تطبيق المنافسة في السوق كقانون كان خاطئا.