رئيس قسم التحليل الفني بشركة فاروس ارتفاع متواصل يشهده سعر البترول حيث تجاوز وللمرة الأولي حاجز 110 دولارات للبرميل الفترة الماضية وهذا يطرح العديد من التساؤلات حول تأثير ذلك علي الاقتصاد العالمي.. والبداية بتحليل اسباب ارتفاع أية سلعة فمن أهم مبادئ علم الاقتصاد ان المحرك الاساسي لارتفاع سعر أي سلعة هو زيادة الطلب علي هذه السلعة فما بالك بزيادة الطلب مع قلة المعروض من هذه السلعة وايضا زيادة التوترات حول امكانية توافرها في المستقبل في نفس الكميات المتوافرة حاليا ولاشك ان تجمع مثل هذه العوامل في سلعة ما هو ما يؤدي إلي ارتفاع سعرها بصورة مستمرة. ومن الواضح ان الاقتصاد العالمي في حالة من التوتر وعدم الاستقرار مما أدي إلي اتجاه اسعار السلع الاولية إلي الارتفاع إلي مستويات تاريخية لم نشهدها في الاعوام السابقة ومن أهم السلع التي تؤثر وتتأثر بمثل هذه العوامل وتؤثر بشكل أساسي علي اقتصاديات الدول، البترول والذي ارتفعت أسعاره منذ بداية هذا العام إلي أسعار تاريخية. وتواجه اسباب ارتفاع أسعار البترول حاليا جدلا عالميا واختلافا حول ما كانت ايجابية أم سلبية، دعونا نقف علي أهم اسباب الارتفاعات الحالية في سعر البترول وتأثيرها علي الاقتصاد العالمي، أولا: حالة التوتر السياسي في منطقة الشرق الاوسط والتي تعد من أكبر المناطق المصدرة للبترول والذي يهدد بدوره أحد أهم الاسواق العارضة للبترول. ثانيا: المشاكل السياسية في فنزويلا ونيجيريا وكذلك تقادم معامل التكرير وقدرتها التكريرية في كل من امريكا وأوروبا مما يؤدي إلي بقاء وضع الطاقة والطلب عليها في حالة عدم استقرار. ثالثا: ارتفاع الطلب من الصين والهند علي البترول نتيجة الطفرة الاقتصادية في هذه الدول. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل من الممكن ان يؤدي ارتفاع اسعار البترول إلي أزمات عالمية اقتصادية؟ ولكي نجيب علي هذا السؤال، دعونا نراجع ما حدث في الماضي لاستقراء ما قد يحدث في المستقبل. في العقد الماضي حدثت ازمات اقتصادية خصوصا في مجال الطاقة بسبب انخفاض اسعار البترول حيث انها أدت إلي ارباك خطط التنمية والانتعاش الاقتصادي وزيادة البطالة ومديونية التداول المنتجة وهذه عوائق اقتصادية ليست بسيطة نذكرها منها ما حدث عام 1998 عندما انخفض سعر برميل البترول إلي اقل من 10 دولارات للبرميل الواحد ثم بعد ذلك تطورت الازمة من ازمة انخفاض أسعار الي ارتفاع أسعار تخدم الدول المنتجة ولكنها توقع الضرر نفسه بالنسبة للدول المستوردة مثل الصين والهند ما قد يفتح الباب علي مصراعيه لرفع اسعار السلع المصنعة الاخري والتي زادت تكلفتها نتيجة زيادة اسعار الطاقة. اما في العقد الحالي فقد ارتفعت أسعار البترول خلال عام 2004 إلي مستويات قياسية "أكثر من 40 دولارا للبرميل" وكان هناك تخوف من تضرر وتباطؤ الاقتصاد العالمي من هذا الارتفاع إلا أن الذي حدث هو العكس، حيث شهد عام 2004 اعلي معدلات نمو اقتصادي والذي حقق 4% وكذلك شهد الطلب علي البترول نموا متزايدا حيث وصلت الزيادة في الطلب إلي حدود 8.2 مليون برميل يوميا. وفي العام التالي 2005 ارتفعت أسعار البترول مرة اخري لتصل إلي حدود 70 دولارا للبرميل في بعض الشهور، وحدث نفس ما حدث في عام 2004 من نمو في الاقتصاد وزيادة الطلب علي البترول. هل يعني ذلك عدم وجود تأثير لارتفاع اسعار البترول علي الاقتصاد العالمي؟ بالطبع هناك تأثير ولكن ان تمكنت الدول من حسن استخدام البترول فسيؤثر ذلك بالايجاب علي النمو الاقتصادي العالمي ولنطرح بعض العوامل الرئيسية التي تميز العلاقة الحالية بين اسعار البترول ونمو الاقتصاد العالمي. أولا: كفاءة استخدام الطاقة خصوصا في الدول الصناعية الرئيسية. ثانيا: تجمع معظم الدراسات علي أن الارتفاع الحالي لاسعار البترول يتعلق بنمو الطلب عليه وليس بنقص في الامدادات كما كانت خلال السبعينيات والثمانينيات، إذ هو نتيجة انتعاش الاقتصاد العالمي الذي غذي بدوره الزيادات الكبيرة في أسعار البترول والمنتجات الاولية، فالطلب علي البترول والمنتجات الاولية. فالطلب علي البترول من ناحية والذي شهد ارتفاعا غير مسبوق مرجعه الانتعاش الاقتصادي الذي لعب دورا مهما في ارتفاع الطلب خصوصا في غياب وجود طاقة انتاجية اضافية في الصناعة العالمية للبترول. اما العرض العالمي من المنتجات المكررة فله دوره هو الآخر فهناك نقص في الطاقة التكريرية العالمية والذي ابرزه ان بعض دول الانتاج الرئيسية مثل ايران ونيجيريا وفنزويلا والعراق تعاني من بعض الاضطرابات السياسية. نؤكد مرة اخري انه لا شك في ان ارتفاع اسعار البترول لها تأثيرها علي النمو الاقتصادي إلا ان هذا يختلف من اقتصاد لآخر ومن فترة زمنية إلي اخري. فمثلا الاقتصاد الامريكي تشير التقديرات العالمية إلي أن اكثر الارباح الكبيرة التي جنتها الدول المصدرة للبترول نتيجة ارتفاع الأسعار انفقت من قبل تلك الحكومات في شراء سندات حكومية امريكية مما اسهم في استقرار الاقتصاد الامريكي بمنأي عن مشاكل ارتفاع البترول. اما بالنسبة للدول النامية مثل الهند والصين واللتين تشهدان اكبر واسرع نمو اقتصادي فانهما ستتأثران بشكل اكبر بارتفاع أسعار البترول وذلك بسبب اعتمادهما علي الطاقة كمورد رئيسي لنموها الاقتصادي وقيام حكوماتهما بدعم اسعار البترول والمنتجات الاولية، وبالتالي فقد أدي ارتفاع أسعار البترول إلي زيادة الانفاق الحكومي للابقاء علي اسعار المنتجات منخفضة. اما الدول المنتجة للبترول فقد حققت حكوماتها ارباحا كبيرة من جراء ارتفاع أسعار البترول غذت انتعاشا في اقتصادياتها المحلية وازدهارا في أسعار الأسهم والعقارات لاسيما دول الخليج كما استفادت ايضا من هذا الارتفاع الدول المجاورة للدول البترولية والتي يتم الاستثمار المباشر بها واهمها مصر. يفهم مما سبق امكانية استمرار صعود اسعار البترول وتحقيقه اسعارا تاريخية جديدة مستهدفا 120 دولارا للبرميل والاستقرار رفع هذه الاسعار وكذلك صمود الاقتصاد العالمي طالما استخدمت الزيادة في الطلب علي البترول في التطور الاقتصادي فانها لا تمثل عبئا علي الاقتصاد العالمي بالشكل الذي يتصوره البعض.