تحولت العاصفة المالية التي هبت من سوق الرهونات العقارية الامريكية في العام الماضي إلي اعصار حقيقي مع مطلع العام الجديد وفي البداية أصابت هذه العاصفة سوق الأوراق المالية التي تضمنها أصول ثم ضربت قطاع البنوك وذهبت أخيرا إلي البورصات. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان الشركات المسجلة في مختلف بورصات العالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا فقدت من قيمتها السوقية 5 تريليونات دولار خلال الأسابيع الثلاثة الأولي من شهر يناير 2008 وهبطت بعض المؤشرات بنسبة 20% مما كانت عليه في أقرب ذرواتها وفي 21 يناير تراجعت أسعار الأسهم من البرازيل حتي بريطانيا وصار هذا اليوم أسوأ يوم في تاريخ البورصات العالمية منذ 11 سبتمبر عام 2001. وقد اتخذت الولاياتالمتحدة حزمة من السياسات للتخفيف من آثار هذا الاعصار منها قيام بنك الاحتياط الأمريكي بخفض سعر الفائدة 1% خلال شهر يناير وقرار الرئيس بوش بالتعاون مع الكونجرس لضخ 150 مليار دولار من أجل دعم الطلب بشقيه طلب المستهلكين وطلب الشركات وغير ذلك ولكن نتائج هذه السياسات تحتاج إالي شهور لكي تظهر آثارها ولا أحد يعرف حتي الآن ما إذا كانت ستنجح في إقالة الاقتصاد الأمريكي من عثرته أم ستخفق في تحقيق هذا الهدف. والحقيقة ان البورصات تجاهلت كثيرا في العام الماضي الأوضاع السيئة التي كانت تضرب أسواق الائتمان.. وحدث ذلك بسبب ثلاثة افتراضات.. أولها أن صناع السياسة بقيادة بنك الاحتياط الفيدرالي تصوروا انهم قادرون علي تفادي الركود والافتراض الثاني انه حتي لو تعثرت أمريكا فإن بقية الاقتصاد العالمي قد صرر نفسه من الارتباط بها وسوف يواصل نموه بمعدلات صحية. أما الافتراض الثالث والأخير فهو ان الاضطراب الحادث في سوق الائتمان سوف تقتصر آثاره علي القطاعات المرتبطة بالرهونات العقارية الأمريكية. وقد ثبت حتي الآن ان هذه الافتراضات الثلاثة كانت تنطوي علي مبالغة التفاؤل فالاقتصاد الأمريكي قد انهار وتعمقت أزمة قطاع الاسكان وتراجع انفاق المستهلكين تحت وطأة انخفاض أسعار المساكن وصعوبة الافتراض وارتفاع أسعار البترول اكثر من ذلك فإن قدرة الاقتصاد الأمريكي علي ايجاد الوظائف قد تراجعت مثلما حدث في نوبات الركود السابقة وانتشر التباطؤ في انحاء اخري من الاقتصاد العالمي وأصبحت الصورة في أوروبا أكثر قتامة حيث تورطت بنوكها في أزمة أسواق الائتمان وخسر أحد هذه البنوك وهو بنك سوسيتيه جنرال 9.4 مليار يورو "1.7 مليار دولار" في فضيحة رشوة واليابان صارت ضعيفة وحتي الصين بدأ نموها يبرد. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن الأزمة الائتمانية مستمرة في الانتشار ويسود التذبذب والارتجاف عمليات اقراض الشركات وبعض قطاعات ائتمان المستهلكين مثل بطاقات الائتمان وقروض السيارات.. وتبدو في الأفق كارثة أخري توشك أن تصيب شركات التأمين المتخصصة التي انخفضت درجة ملاءة بعضها ويوشك بعضها الآخر علي الافلاس.. ومعروف ان هذه الشركات تضمن ما قيمته 4.2 تريليون دولار من السندات وانها ستضر حكومات الولاياتالامريكية وبلديات المدن التي تعد من أكبر زبائنها ولم تنج من ذلك حتي البنوك التي ستتسبب في كارثة لو تعرضت لموجة أخري من الخسائر هذا العام.. وطبيعي أن نظام تتداعي أركانه علي هذه الصورة لابد أن تهتز بورصاته بالصورة المخيفة التي حدثت حتي الآن. ومع ذلك فإن الوضع ليس ميئوسا منه بل هناك لكل مشكلة حل يمكن اتباعه من أجل علاجها ومنع تأثيرها علي الوضع الاقتصادي الأمريكي أو الأوروبي أو العالمي وعلي سبيل المثال فإن صناع السياسة في الولاياتالمتحدة لديهم من الادوات ما يمكن ان يخفف حركة الهبوط أو حتي يجعلها تهمد.. ومن ذلك خفض اسعار الفائدة.. صحيح ان خفض اسعار الفائدة لن يمنع انخفاض اسعار المساكن ولن يمنع البنوك من اغلاق أو تقييد صنابير الائتمان ولكن هذه السياسة النقدية يمكنها ان تحفز الاقتصاد عن طريق دعم ربحية البنوك وخفض أعباء الاقتراض علي الشركات وزيادة دخول المستهلكين المدينيين كذلك فإن السياسة المالية الرشيدة ستكون محفزا آخر للأوضاع الاقتصادية وهذا ما فعله الرئيس بوش والكونجرس أخيرا كما سبق ان ذكرنا وباختصار نستطيع القول إننا في مرحلة تختلط فيها الاشارات ولكن صناع السياسة والبنوك المركزية يمكنهم منع تحويل الهبوط أو الانكماش الجاري الي حالة من السقوط الكامل.. ويجب ان نعي ان مواجهة اضطراب الأسواق بذعر نقدي أو تخفيض متسارع لأسعار الفائدة قد يزيد المضطرب اضطرابا ولذلك يجب أن تكون البنوك المركزية قادرة علي التصرف بهدوء وتعقل حتي تحقق النجاح المأمول.