لم يكن ما حدث يوم الثلاثاء 27 فبراير في بورصات العالم من اهتزاز أمرا بلا أسباب.. وإذا كانت مجلة "الإيكونوميست" قد أطلقت عليه وصف يوم الثلاثاء الرمادي فإن نفس المجلة قد اعتبرت ما حدث مجرد تصحيح عادي لن تكون له اَثار عميقة علي الاقتصاد العالمي. ونحن نذكر أنه في ذلك اليوم بدأ الاهتزاز في بورصة شنغهاي التي هبط مؤشرها خلال دقائق بنسبة 8.8%، أما بورصة شينزين الأصغر حجما، فقد كانت نسبة الهبوط فيها 9.3%، وخلال ساعات كانت العدوي قد انتقلت إلي مختلف بورصات العالم فهبط مؤشر داو جونز الصناعي في بورصة نيويورك 400 نقطة وهو أكبر هبوط يحدث في يوم واحد منذ هبوط 17 سبتمبر 2001 الذي أعقب حوادث الاعتداء الإرهابي علي واشنطنونيويورك يوم 11 سبتمبر نفسه.. وفي البورصات الأخري كانت نسبة الهبوط أقل وحدثت في اليوم التالي 28 فبراير حيث هبطت البورصة الهندية 4% وبورصة سنغافورة 3.7% وبورصة اليابان 2.9% وبورصة كوريا الجنوبية 2.6% أما بورصة هونج كونج فكانت نسبة الهبوط فيها 2.5% فقط. وقد بدا لوهلة أن العالم يقف علي شفا كارثة مالية لولا أن بورصة نيويورك أظهرت بعض الثبات في اليوم التالي 28 فبراير كما أن بورصة شنغهاي عادت إلي الصعود في اليوم ذاته بنسبة 4% وتنفس العالم الصعداء بعد أن ركبته المخاوف 24 ساعة من إمكان تكرار الأزمة الاَسيوية المالية التي حدثت عام 1997. والحقيقة أن النظرة المتأنية إلي هذه الأزمة العابرة وما قبلها وما بعدها يشير إلي أننا إزاء عملية تصحيح عادية لأوضاع البورصة علي الأقل فيما يتعلق بالصين.. فبورصتا الصين "شنغهاي وشينزين" سجل فيهما معا 1400 شركة وهما بورصتان حديثتان يرجع تاريخهما المعاصر إلي عام 1990.. وقد شهدت البورصتان أزمة في مارس عام 2005 ثم استأنفتا سيرهما المعتاد، وخلال العامين الأخيرين زادت أسعار الأسهم الصينية خاصة في بورصة شنغهاي بنسبة 155% أما نسبة إقبال المستثمرين علي التعامل في البورصتين فقد زاد كما تقول مجلة "نيوزويك" بنسبة 300% وأصبحت قيمة البورصتين معا تناهز ال1.4 تريليون دولار. وترجع مجلة "الإيكونوميست" السبب المباشر لما حدث في بورصتي الصين إلي تردد شائعات عن عزم السلطات الصينية علي مطاردة المضاربين لكنها تؤكد في نفس الوقت أن المستثمرين في الحقيقة كانوا يبحثون عن ذريعة للبدء في البيع بهدف جني الأرباح بعد الارتفاعات الهائلة التي حدثت في أسعار الأسهم. ولم يكن الحال في بورصة نيويورك يختلف كثيرا، فالمستثمرون كانت لديهم أسباب كثيرة للبيع حركها ما حدث في بورصة شنغهاي.. ويقول كريس واتلنج الخبير الاستراتيجي في لونجفيو إيكونوميكس إن ما حدث كان مجرد طلقة تحذير وإنه حركة تصحيح قد تتكرر في الأسابيع القادمة. أما أسباب ما حدث في بورصة نيويورك فمنها استمرار التوتر حول برنامج إيران النووي في حالة صعود، وعودة أسعار البترول إلي الارتفاع عما كانت قد وصلت إليه من مستوي منخفض في الفترة الأخيرة، وأزمة سوق الرهونات العقارية وأخيرا ما ينشر من بيانات توضح ضعف النمو الاقتصادي الأمريكي إلي جانب تحذير اَلان جرينسبان الرئيس السابق لبنك الاحتياط من احتمال حدوث ركود اقتصادي في وقت لاحق من العام الحالي.. وقد حدث هذا التحذير يوم الاثنين 26 فبراير وأعقبه هبوط البورصة في اليوم التالي مباشرة. وتقول مجلة "تايم" إن حدوث ركود أمريكي في العام الحالي سيكون أقصي علي الاقتصاد العالمي دون شك من مثل هذه الاهتزازات العابرة أو حتي الحركات التصحيحية المتكررة في البورصة.. وتشير المجلة إلي أن بعض البيانات الاقتصادية تؤكد تراجع النمو الأمريكي من 3.5% في العام الماضي ليصبح 2% فقط هذا العام، ومع ذلك فإن "تايم" تستبعد حدوث هذا الركود وتري عدم أخذه كمعطاة من معطيات الوضع الاقتصادي العالمي المنتظر في الشهور القادمة. وعلي جانب اَخر، تؤكد مجلة "تايم" أن ما حدث في بورصة شنغهاي وتداعياته يكشف عن تزايد الوضع المؤثر الذي تتمتع به الصين الاَن في عقول المستثمرين وحملة الأسهم، فصعودها الاقتصادي غير العادي كان سببا في تزايد الطلب العالمي علي كل شيء من النحاس إلي البترول والسيارات وأن هذا صب في مصلحة الشركات العالمية متعددة الجنسيات والشركات الصينية علي حد سواء، وإذا كان المستثمرون علي صواب في تقدير أهمية الصين الاقتصادية فقد جانبهم الصواب في ردود أفعالهم إزاء ما حدث في بورصة شنغهاي وفي تخوفهم من احتمال تكرار الأزمة المالية الاَسيوية، وقد احتاج المستثمرون يومين لكي يتأكدوا أن ما حدث في البورصة ليس له تأثير علي مجمل النمو في الاقتصاد الصيني.. فالبورصة الصينية تعتبر صغيرة جدا مقارنة بمجمل الاقتصاد الصيني.. ويؤكد ميخائيل بيتيز أستاذ المالية في جامعة بكين وخبير البورصة أن ما حدث في شنغهاي لن يعطل نمو الاقتصاد الصيني هذا العام بمعدل يقترب من 10% سنويا. باختصار، يمكن القول إن ما حدث في يوم الثلاثاء الرمادي مجرد عملية تصحيح في البورصة بالغت فيها المخاوف بعض الشيء وإن احتمال الركود الأمريكي سيظل أخطر علي الاقتصاد العالمي من أية عمليات تصحيح أخري في البورصة قد تتكرر خلال الأسابيع القادمة.