يبدو أن الهنود لم يتعودوا بعد أن تكون عملتهم قوية ازاء الدولار فالدولار الذي كان يشتري 50 روبية لم تعد قيمته الآن تتجاوز 40 روبية، وتقول أرقام مجلة "الايكونوميست" إن قيمة الروبية أمام الدولار زادت بنسبة 15% علي الأقل في العام الأخير أو بنسبة 10% إذا أدخلنا معدل التضخم في الاعتبار ومع ذلك فإن الزيادة في قوة الروبية أمام الدولار تعتبر متواضعة إذا قورنت بالزيادة في قوة البيزو الفلبيني أو الريال البرازيلي أو الليرة التركية أمام الدولار ولابد من الاعتراف بأن هذا النشاط الذي تبدو عليه العملة الهندية راجع في الأساس إلي قوة تدفق رأس المال الاجنبي علي الهند وهو تدفق يرجع بعضه إلي الجري وراء الحلم الهندي ويرجع بعضه الآخر إلي الهرب من الاضطراب المالي الحادث في العالم الغني،. وخلال العام المنتهي في مارس 2007 بلغ حجم هذه التدفقات 45 مليار دولار في حين انها لم تكن تتجاوز 4.23 مليار دولار في العام السابق. والشيء الذي لا يمكن انكاره هو أن قوة الروبية بدأت تضر أكبر قطاع تصديري في الهند وهو صناعة البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات بوجه عام، ويعتبر قطاع الصناعات التحويلية ذات العمالة الكثيفة هو القطاع الأكثر تضررا حتي الآن وعلي سبيل المثال فإن صادرات قطاع المنسوجات هبطت بنسبة 7.11% في العام المنتهي في آخر مارس ،2007 ويخشي كمال ناث وزير التجارة والصناعة الهندي أن تضطر القطاعات التصديرية إلي الاستغناء عن نحو مليوني عامل يضافون إلي جيش البطالة الهندي، وعموما فإن بنك الاحتياط الهندي وهو البنك المركزي في الهند يحاول جاهدا تلافي الآثار الضارة لقوة الروبية والعمل في نفس الوقت علي محاربة التضخم وهذا أمر يشبه السير علي الحبال علي ارتفاع شاهق، فطبع مزيد من الروبيات لشراء الدولارات المعروضة في السوق تبقي قيمة الروبية منخفضة نوعا ما أو هو بالأحري يحد من قوتها أمام الدولار ولكن الوجود الكثيف للروبية يزكي نار التضخم ومأساة العملة الهندية لا تقتصر علي هذا الدور المزدوج الذي تقوم به ولكنها تزداد عمقا إذا وضعنا في الاعتبار وجود رؤيتين متنافستين لمستقبل الهند، فهناك من ناحية من يحسد الصين علي نجاحاتها التصديرية ويرجع ذلك إلي قدرتها علي التحكم في سعر صرف اليوان، ويري هؤلاء أنه من الخطأ أن تعوق الهند نفسها بالاصرار علي سعر صرف قوي للروبية أمام الدولار. وهناك من ناحية أخري من يري أن الهند قضت 15 عاما متصلة في عملية الانفتاح الاقتصادي وتحرير أسواقها المالية وأنها نجحت نجاحا خاصا في جذب اهتمام المستثمرين الأجانب بأسهم الشركات الهندية المسجلة في البورصة كبديل لعمليات شراء السندات أو تقديم القروض التي كثيرا ما أوقعت الاضطراب في الأسواق الناشئة في الماضي، ويتساءل هؤلاء لماذا لا تتم الاستفادة بهذه التدفقات الرأسمالية في تمويل عمليات الاستثمار التي تحتاجها الهند؟ ويري إيلاباتنيك ، وأجاي شاه خبيرا معهد نيودلهي القومي للمالية العامة والسياسة أن هذه التدفقات يمكن أن تعوض النقص في معدل الادخار الهندي. ومع ذلك فهناك من يخشي وهناك أيضا من يأمل أن تؤدي قوة الروبية إلي دفع الهند خطوة إلي الوراء بوضع قيود علي التدفقات الرأسمالية الداخلة إلي أسواقها، وقد قام البنك المركزي الهندي فعلا بتقييد حرية الشركات في جمع أموال من الخارج، كما وضع قيودا علي تدخل الأجانب ولو حتي بشكل غير مباشر في البورصة الهندية، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن أن تذهب الهند إلي أبعد من ذلك؟ تجيب مجلة "الايكونومست" عن هذا السؤال قائلة إن شيلي سبق لها أن مرت بظروف مماثلة وانها اجبرت المستثمرين علي ايداع حفنة من أموالهم في ودائع بدون فائدة كشرط للدخول باستثماراتهم إلي البورصة، كما اتبعت الحكومة الشيلية سياسة مالية حازمة خففت من الضغوط التضخمية ووفرت رصيدا يمكن أن تتم الاستعانة به إذا أحجم الأجانب عن المجيء والمنتظر أن تستفيد الهند من هذه التجربة الشيلية، ولكن الشيء المؤكد أن تطبيق مثل هذه السياسات قد يوفر للهند للهند فرصة لالتقاط الأنفاس إلا أنه لن يحولها إلي قوة تصديرية ضخمة كالصين فهذا التحول له شروط أخري. ويبقي أن نقول إن تدفق رأس المال من البلدان الغنية إلي البلدان الفقيرة علامة علي أن الأسواق الكبري تواجه موسما أجرد وهذا قد يكون نذير شؤم بالنسبة لبلد كالهند وللنجاة من هذا المأزق يتعين علي الهند أن تستوعب التدفقات الأجنبية وان تستثمرها بعقل ورشاد وهو ما قد يؤدي في نهاية الأمر إلي ثراء الاقتصاد الهندي حتي ولو لم يتحول إلي اقتصاد يلعب التصدير دور القاطرة في تحقيق نموه.