كان مصرع اثنين من الزبالين في مقلب القمامة الرئيسي قرب جاكارتا بسبب انهيار أكوام القمامة عليهم مناسبة أدت منذ أيام إلي إثارة مشكلة الفقر والفقراء في أندونيسيا من جديد.. فبعد أن كان عدد الفقراء في أندونيسيا يتناقص خلال السنوات الست الأخيرة تصاعد العدد بشدة من جديد حيث تقول الأرقام إن في أندونيسيا الاَن 39 مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر بنسبة 18% من جملة السكان البالغ عددهم 220 مليون نسمة.. وهذا العدد الذي أذاعه مكتب الاحصاء الحكومي يزيد 4 ملايين فقير علي أرقام عام 2005. وتقول مجلة الإيكونوميست إن عودة عدد الفقراء في أندونيسيا إلي الزيادة لم يكن مفاجأة فأسعار الوقود زادت في أكتوبر الماضي بنسبة 126% وهو الأمر الذي رفع معدل التضخم في أندونيسيا إلي 18% في حين لم تزد الأجور إلا بنسبة ضئيلة للغاية لا تعوض هذه الزيادة في التضخم. ويذكر مكتب الاحصاء الحكومي الأندونيسي أنه لولا الدعم الذي قدمته الدولة لنحو 76 مليون شخص لتعويض الزيادة في أسعار الوقود لزاد عدد الفقراء في أندونيسيا إلي 51 مليون شخص.. ومع ذلك فإن جماعات المجتمع المدني النشيطة في مجال محاربة الفقر تؤكد أن الأرقام الحكومية أقل كثيرا من عدد الفقراء الحقيقي في البلاد. وعلي سبيل المثال فإن الجماعة المعروفة باسم كونسورتيوم فقراء المدن تري أن عدد الفقراء في أندونيسيا يبلغ ضعف هذه الأرقام الرسمية خاصة في العاصمة جاكارتا، وتؤكد هذه الجماعة أن الناس في أندونيسيا صاروا أكثر فقرا مما كانوا عليه في العام السابق وهو نفس الرأي الذي يراه كثير من الأكاديميين الأندونيسيين. ويرجع هذا جزئيا إلي التعريف المضلل للفقر الذي تتبعه الحكومة. فالحكومة تري أن الشخص يعد فقيرا إذا لم يكن لديه نقود تكفيه لشراء وجبات تمنحه 2100 سعر حراري يوميا ولذلك فإنه لا يتم إدراجه ضمن الفقراء إذا كان يكسب 152.847 روبية شهريا "16.80 دولار". وهذا التعريف من الواضح أنه يختلف عن التعريف العالمي الذي يدرج الفرد ضمن الفقراء إذا كان يعيش علي أقل من دولار في اليوم.. واستخدام هذا التعريف العالمي يعني أن عدد الفقراء في أندونيسيا سوف يرتفع إلي 80 مليون شخص أو يزيد. ويعترف المسئولون الحكوميون بأنهم يستهدفون خفض معدل الفقر في أندونيسيا إلي 8.2% فقط بحلول عام 2009 كما يعترفون بأنهم لن يستطيعوا تحقيق ذلك.. فمعدل النمو الحالي في إجمالي الناتج المحلي لا يتجاوز ال 5% سنويا وهو معدل لا يكفي لتوفير فرص العمل الكافية أمام الباحثين عن عمل ناهيك عن خفض معدل البطالة المتزايد في البلاد. وتقول مجلة الإيكونوميست إن الحكومة الأندونيسية أعلنت هذا الشهر رصد 1.4 مليار دولار إضافية لمحاربة الفقر في عام 2007 وذلك بزيادة 18% علي ميزانية محاربة الفقر في العام الحالي التي تبلغ 6.3 مليار دولار.. وقالت الحكومة إن ميزانية محاربة الفقر في العام القادم التي ستبلغ جملتها 7.7 مليار دولار ستوزع علي القري الأندونيسية بحيث تحصل كل قرية علي نحو 110 اَلاف دولار زيادة عن العام الحالي من أجل إيجاد فرص عمل أمام السكان. والمستهدف هو إيجاد 15 مليون فرصة عمل جديدة في غضون ثلاث سنوات.. ستأتي 12.5 مليون فرصة عمل منها من خلال هذه الأنظمة القروية والباقي من خلال عملية النمو الصناعي. ورغم أن هذه الأرقام تثير الإعجاب فإنها لا تعالج جذور مشكلة الفقر في أندونيسيا، فقد ذكرت مسودة تقرير جار إعداده في البنك الدولي عن الفقر في أندونيسيا أن المشكلة ليست في ارتفاع أسعار الوقود فحسب وإنما الأسوأ من ذلك هو ارتفاع أسعار الأرز الغذاء الرئيسي للناس. فالفقراء ينفقون ربع دخلهم علي الأقل علي شراء الأرز الذي زادت أسعاره بنسبة 33% علي الأقل في العام الأخير.. ويذكر التقرير أن 75% من فقراء أندونيسيا يعملون في الزراعة ويكسبون عيشهم منها كما أن 75% علي الأقل من هؤلاء الفقراء جميعا لا يأكلون سوي الأرز. والحقيقة أن مشكلة الفقر في أندونيسيا تكاد تكون مشكلة بلا حل واَخذة في التصاعد، فحتي لو انخفضت أسعار الأرز ستظل هناك نواقص في سياسة الحكومة الأندونيسية لمحاربة الفقر في البلاد. وعلي سبيل المثال فإن ما تقدمه الحكومة من دعم نقدي للفقراء لن يكفي سوي 9 شهور في السنة كما أن سياساتها في مجال التعليم والصحة بشكل خاص لاتزال قاصرة عن مساعدة الفقراء في التغلب علي فقرهم ولا مبالغة والحال كذلك أن يبدو المستقبل أمام كثير من أبناء أندونيسيا مستقبلا كئيبا.