تصاعدت في الآونة الأخيرة بالجرائد أخبار الأسمنت ما بين ارتفاع الاسعار وقضايا الاحتكار وأخيرا الترخيصات الجديدة لإقامة مصانع أسمنت أو التوسع في المصانع القائمة. ويبدو من تصاعد اسعار الاسمنت من حوالي 130 جنيها للطن منذ سنوات قليلة الي ما يصل أو يزيد علي 350 جنيها للطن ما يبرر افتراض قيام اتفاق احتكاري بين الشركات المنتجة للأسمنت. غير ان الموضوع قد يستدعي مراجعة بعض الحقائق بل وبعض المفاهيم ايضا قبل التعرض لهذا الموضوع. أولا نحن لا نتعرض لما تقوم به الجهات الإدارية المختصة بقضايا الاحتكار او لدور الجهات القضائية التي سوف تبت في القضية التي أثارها جهاز منع الاحتكار ووزارة التجارة والصناعة في توجيه الاتهام لشركات الاسمنت بانها ارتكبت مخالفة قانونية بان تواطأت أو اتفقت علي إقامة احتكار للأسمنت. الاسمنت منتج محلي له قدرة تنافسية عالية فتكلفته لا تكاد تزيد علي 100 إلي 120 جنيها والخامات الداخلة في انتاجه سواء الطفل او الحجر الجيري رخيص للغاية ولا تكاد الحكومة تحصل علي اتاوة محسوسة لاستخراجه او تعدينه كما ان الوقود كان ولايزال مدعوما. الأسمنت سلعة موحدة المواصفات علي نطاق العالم وهو مثلا ليس كالسيارات لها ماركات معينة أو سيارة تضاف اليها كماليات. ولقد كان سعر الاسمنت حتي وقت قريب 130 جنيها وكانت الشركات وكلها مملوكة للقطاع العام تحقق أرباحا وهي تبيع في السوق المحلي بهذا السعر. وصناعة الاسمنت صناعة قديمة ولم يحدث بها تطور منذ أكثر من 50 عاما بالانتقال من طريقة الانتاج المسماة رطبة أي حرق عجينة المواد المكونة له الي الطريقة الجافة. عندما بدأت سياسة الخصخصة ظهرت تعبيرات المستثمر الاستراتيجي وهي في فحواها بيع الشركات المنتجة للاسمنت الي الاحتكارات العالمية اي إلي مجموعة الشركات المسيطرة علي صناعة الاسمنت في السوق العالمي. بدأ ذلك بالرغم من أن ما يجري بيعه لن يزيد علي 20% من احتياجات السوق المحلي ثم تصاعد نصيب هذه الشركات الاحتكارية الي ما يتجاوز ثلثي الانتاج مع زيادة القدرة علي التصدير رغم ارتفاع الاستهلاك المحلي. لقد كانت أول أهداف تلك الاحتكارات الاجنبية الارتفاع بالسعر المحلي الي سعر السوق العالمي واتفقت هذه الشركات الاجنبية علي خفض السعر المحلي الي اقل من التكلفة مما سبب تحقيق الشركات التي لم يتم بيعها للاحتكارات الاجنبية خسارة. قضية الاتفاق الاحتكاري كان يجب أن تثار في ذلك الوقت رغم انه اتفاق بخفض الاسعار بين تلك الشركات الاجنبية الاحتكارية. وبعد أن تم لها تأديب الشركات التي لم تخصخص بعد بدأت موجة رفع الاسعار المحلية. الأرباح التي تحققها الشركات الأجنبية يتم نزحها للخارج وكان من الممكن ان تدعم ميزانية الدولة ارباح كل مليون طن اسمنت قد تصل الي مائتي مليون جنيه ونحن احوج ما نكون للعملة الصعبة. الأصوات التي تروج لحرية السوق تتغافل عن أن المسيطر حاليا علي سوق الاسمنت هي شركات احتكارية عالمية وهي دون اتفاق احتكاري يمكنها رفع السعر المحلي الي السعر العالمي وما لم يفرض رسم صادر يغطي الفارق بين التكلفة الحقيقية ومعدل ربح معقول وبين السعر العالمي وهي في هذه الحالة قد تصل إلي مائتي جنيه للطن فلايمكن ايقاف نزيف العملة الصعبة أو الأرباح الاحتكارية التي تحققها تلك الشركات. ولماذا مستثمر رئيسي وكان يمكن أن يتم عرض أسهم تلك الشركات للجمهور بل وفرض حد أقصي لملكية أي شخص فرد أو اعتباري في هذه الشركات. صناعة الأسمنت ملوثة للبيئة علي الأقل في البلاد المتقدمة دعنا من إمكانية منع التلوث تكنيكيا غير ان هذه الصناعة تنتقل عمليا الي البلاد التي لديها وفرة من الخامات الطفل والحجر الجيري وكان من الممكن ان تتحول في مصر الي صناعة استراتيجية لمصدر مهم للعملة الصعبة. ولعل ذلك من أسباب جري تلك الشركات العالمية للحصول علي تراخيص مصانع جديدة او التوسع في مصانعها القائمة. من ثمانية تراخيص تم منحها حصلت شركات اجنبية علي خمسة تراخيص أي أن سيطرة الأجانب علي انتاج الاسمنت المصري تأكدت ومن الغريب أن يصدر قرار يلزم تلك الشركات باستخدام المكون المحلي بنسبة لا تقل عن 20% من استثمارات المصانع التي يتم منح تراخيص اقامتها هل نسبة 20% لها معني. ما هو مصنع الاسمنت؟ صناعة الاسمنت هي أساسا حرق مسحوق المكونات من الطفل والحجر الجيري في فرن دوار من الصلب طويل وقطره كبير ومبطن بطوب حراري، الفرن من الصلب سهل صناعته محليا كذلك الطواحين والطوب اللازم لأفران الاسمنت يصنع محليا الفلاتر وكذلك محركات الكهرباء والكابلات والخلاطات والكسارات وغيرها وفي كل ذلك وغيره يمكن استخدم امكانيات التصنيع سواء بالقطاع العام أو الخاص أو الهيئة العربية للتصنيع والانتاج الحربي أما الاعمال المدنية فمن المحتم استخدام الامكانيات المحلية وقد سبق ان اقامت العديد من مصانع الاسمنت. ما معني السماح للشركات التي حصلت علي تراخيص المصانع او التوسع باستخدام 80% من المكونات المستوردة أولا واستنزاف العملة الصعبة دون مبرر ثانيا والمبالغة في تكلفة المصنع لخفض الارباح المعلنة بزيادة تكلفة الاهلاك ثالثا مزيد من حصار الصناعة المحلية الهندسية او صناعة معدات الانتاج رابعا وسيلة للهروب من الضرائب بزيادة التكلفة.