نشرت جريدة "العالم اليوم" تحقيقا عن النية في إيقاف منح التراخيص للمشروعات كثيفة الاستخدام للطاقة خاصة التوسع في إنتاج الأسمنت أو معدن الألومنيوم، وذلك لخطورة استنزاف رصيد مصر من مصادر الطاقة سواء البترول أو الغازات البترولية. وقد يبدو أن التخوف من استنزاف مصادر الطاقة له ما يبرره فرصيد المخزون البترولي أو الغازات البترولية قد يتعرض للاستنزاف في غضون عقدين من السنين غير ان هذا الاستنزاف إنما يحدده معدل استهلاك مصادر الطاقة وكيف يتم هذا الاستنزاف. أليس من المستغرب أن مصر حاليا دولة مصدرة للطاقة "الكهربائية" وهي مصدرها الطاقة البترولية. مصر أيضا مصدرة للغاز الطبيعي وتتحدث الصحف عن محطات إسالة الغاز وتصديره إلي أوروبا. الغريب أن أسعار تصدير الغاز المصري أقل من الأسعار العالمية، مصانع الأسمنت في مصر تم تمليك أغلبها للأجانب أي لاحتكارات الأسمنت العالمية. وهي تحصل علي الوقود المعرض للاستنزاف بأسعار مدعمة. قبل الخصخصة كان سعر طن الأسمنت المصري يتراوح بين 120 و130 جنيهاً للطن وبمجرد تمليك مصانع الأسمنت للاحتكارات الأجنبية التي تحصل علي الوقود بسعر مدعم منخفض ارتفع السعر إلي ما يزيد بكثير علي 300 جنيه للطن أي السعر العالمي وعند تدخل وزير الصناعة والتجارة لمحاولة فرض سعر 300 جنيه للطن ولم ينجح.. تكلفة الأسمنت المصري لا تزيد علي 120 جنيهاً للطن. الفرق أرباح احتكارية يتم نزحها للخارج لصالح هذه الاحتكارات وعندما اشتكي المقاولون من ارتفاع سعر الأسمنت قيل لهم يمكن الاستيراد من الخارج أي من نفس الاحتكارات الدولية التي تملكت مصانع الأسمنت المصرية تحت دعوي الخصخصة! الأسمنت المصري له ميزة تنافسية في السوق العالمي حتي لو تم تسعير الوقود بالأسعار العالمية فالخامات المستخدمة في إنتاجه سواء الطفلة أو الحجر الجيري متوافرة محليا ولا يوجد أي صعوبة في التنقيب عليها أو نقلها لمصانع الأسمنت. ومصانع الأسمنت ليس فيها تكنولوجيا جديدة بل إن الطوب الحراري المستخدم في أفران الأسمنت ينتج محليا ويمكن إقامة مصانع الأسمنت بالتصنيع المحلي دون أي صعوبة. أليس من الغريب أن تتجه النية لإصدار هذا القرار بمنع الموافقة علي إقامة مصانع أسمنت بحجة استنزاف مصادر الطاقة قبل رفع سعر الوقود المستخدم في مصانع الأسمنت الخاضعة للاحتكارات العالمية؟! إن مثل هذا القرار إنما يستهدف المحافظة علي احتكار رأس المال الاحتكاري الأجنبي وقدرته علي تحويل أرباحه الاستثنائية الاحتكارية إلي الخارج أما بالنسبة للألومنيوم فإن شركة الألومنيوم وهي مازالت "قطاع عام" تمكنت من إحداث تكنولوجيا مصرية خفضت استهلاك الوقود بحوالي 14% وخفضت استهلاك أقطاب الكربون بنسبة 12% وتمكنت من تصنيع بطاريات صهر الألومنيوم بهذه التكنولوجيا المصرية صناعة مصرية. الطاقة في كل الصناعات هي أحد أهم المدخلات اللازمة للمنتج النهائي وهي في مصر يجب الحفاظ عليها ولكن ان يتم تصديرها وبأقل من الأسعار العالمية ثم التباكي علي استنزافها ومنع الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة فيصدق عليها المثل القديم "يا مزكي حالك يبكي!" وقت الاحتلال البريطاني كانت مصر تنتج القطن الذي يصدر إلي انجلترا لصناعة الغزل والنسيج البريطانية. هل تنتج مصر حاليا مصادر الطاقة للتصدير دون استخدامها لرفع القدرات الإنتاجية والتصنيع في مصر وهل هذه حلقة جديدة في سلسلة تصفية القدرات الإنتاجية والتصنيع في مصر وتمليك القدرات الإنتاجية للاحتكارات الأجنبية وبيع السوق المصري للمحتكر الاستثماري الأجنبي؟