عماد فؤاد تشهد مدينة شرم الشيخ فى الأسبوع المقبل احتفالية عالمية بمناسبة مرور 150عاما على تأسيس البرلمان المصرى، واتفق الدكتور على عبد العال رئيس مجلس النواب مع روجيه كوندون رئيس البرلمان الأفريقى، على تحويل المناسبة إلى احتفال أفريقى عالمي بذكرى تأسيس البرلمان الأول فى القارة السمراء.. ووجهت مصر الدعوة إلى رئيس البرلمان الدولى ورؤساء برلمانات العالم وعدد من القادة والزعماء السياسيين من مختلف دول العالم للمشاركة فى الاحتفال. وكانت أول محاولة لتأسيس حياة نيابية فى مصر بدأت عام 1829 فى عهد الوالى محمد علي، عندما أنشأ مجلساً للمشورة يتكون من كبار التجار و الأعيان و العمد و المشايخ و العلماء، وكانت وظيفته الأساسية إبداء الرأي فى المسائل الإدارية العامة دون أن يلتزم الوالى بتنفيذها. وعلي الرغم من وظيفة المجلس الاستشارية، لكنه يحسب لمحمد على تأسيسه وتطوير وظائفه و صلاحياته حتي أصبح يضاهي المجالس النيابية فى أوروبا،وتعطل هذا المجلس بعد وفاته، لأن الخديو عباس ومن أتى بعده ( الخديو سعيد) لم يتحمسا له كما كان محمد علي. وجاء عهد الخديو اسماعيل، ليحقق طفرة كبيرة بقيام مجلس شوري النواب فى ديسمبر من عام 1866 م،كبداية حقيقية لمشوار البرلمان فى مصر وتكون من 75 نائبًا ينتخبهم الشعب من طبقة كبار ملاك الأراضي الزراعية كل ثلاث سنوات،وترأس هذا البرلمان اسماعيل راغب باشا (25 نوفمبر 1866-24 يناير 1867) وتشير الكثير من الدراسات التاريخية إلى أن إسماعيل كانت لديه رغبة حقيقية فى إشراك الشعب ممثلاً فى طبقة كبار ملاك الأراضي الزراعية فى إبداء الآراء فى المسائل التي تتعلق بتسيير شئون الحكومة المصرية. وكان رأي هذه المجلس إستشارياً أيضاً و ليس إلزامياً، و لكنه واكب ظهور الرأي العام المصري الذي تشكل مع ظهور الصحافة المصرية والحركة التحررية ضد التدخل الأجنبي الذي ازداد فى نهاية اسماعيل. ولعب مجلس شوري النواب دوراً مناهضاً للتدخل الأجنبي فى شئون البلاد أثناء أزمة الديون الخارجية، و أصر المجلس على أحقيته فى مناقشة ميزانية الحكومة التي كان يتولاها فى ذلك الوقت وزير مالية إنجليزي. وبعد خلع الخديو اسماعيل و نفيه من مصر عام 1879 م، تولي ابنه توفيق، واستمر مجلس النواب فى عهده يحاول أن ينتزع لنفسه حقوقا تشريعية، و هي الحقوق التي حصل عليها بالفعل مناصفة مع الخديو، بالإضافة إلى حق إقرار الضرائب والمسائل المالية بعد مناقشتها والتصويت عليها، فكان ذلك يبشر بقيام حياة نيابية نشطة فى مصر، ومن ثم قيام نظام ديموقراطي يكون الأول من نوعه فى المنطقة. ودخل مجلس النواب فى مواجهة حادة مع رموز التدخل الأجنبي فى مصر، إلى أن جاء عام 1882 و جاء معه الاحتلال البريطاني الذي قضي أمل مصر فى أن تصبح من طليعة الدول التي تقيم نظاما ديموقراطيا راسخا. وضع لورد دفرين عام 1883 القانون الأساسي لتنظيم الشئون الداخلية لمصر تحت سلطة الاحتلال، و نص القانون على إقامة مجلسين استشاريين لا تشريعيين، هما مجلس شوري القوانين والجمعية العمومية للتداول فى الشئون الداخلية لمصر، و كان هذا المجلس بمثابة انتكاسة لتطور الحياة النيابية فى مصر عاد بها 20 سنة إلى الوراء. كان رأي مجلس شوري القوانين استشارياً، و كان يتكون معظمه من كبار ملاك الأراضي الزراعية الذين تلاقت مصالحهم بشكل ما مع مصالح السلطة البريطانية و التي كانت تكافئهم بالقيام بمشروعات زراعية مستمرة. ولم يمنع ذلك معارضة المجلس للحكومة التى بلغت ذروتها عام 1909 بعد 27 عاما من الاحتلال عندما تصدي المجلس لمشروع الحكومة برئاسة بطرس غالي باشا لمد امتياز قناة السويس 40 سنة أخري مقابل الحصول على 4 ملايين جنيه و نسبة من أرباح الشركة.. وانتهي أمر المشروع بالتصويت عليه فى مجلس شوري القوانين ورفضه من غالبية نواب المجلس الذي فرض إرادته على الحكومة.. وجاء دستور 1923م الذي أفرز أول مجلس نيابي حقيقي له سلطة مساءلة الحكومة وسحب الثقة منها، ولا تستطيع الحكومة أو الملك سن أية قوانين أو تشريعات جديدة قبل عرضها على المجلس والتصويت عليها إما بالرفض أو القبول. ولكن هذه المجلس أيضاً لم يكن مثالياً، فقد حدد من سلطاته حق الملك فى إقالة الحكومة وحل المجلس فى أية وقت، وهو ما حدث كثيرا فى معظم الأحيان. ونظراً لاكتساب مجلس النواب صلاحيات واسعة،بدأت الانتخابات النيابية تشهد عمليات التزوير وأشهرها تزوير انتخابات 1938 التى زورها محمد محمود باشا لاسقاط الوفد بناء على رغبة القصر. لم يستطع الملك فؤاد أن يتحمل دستور 1923 و ما نتج عنه من حكومة أغلبية وفدية ومجلس نيابي قوي يسيطر عليه. لذلك عمد إلى إنشاء أحزاب موالية للقصر. ولجأ الملك إلى استخدام إسماعيل صدقي و قام بتوليته الوزارة، فقام الأخير بإلغاء دستور 1923م وأصدر دستور 1930م الذي أعطي صلاحيات واسعة للملك حتي سمي بدستور الملك فى مقابل دستور 1923 م الذي سمي بدستور الشعب، كما قام صدقي بإنشاء حزب جديد موال للقصر هو حزب الشعب، و خاض به الانتخابات التي قاطعتها الأحزاب الأخري ما عدا الاتحاد و الوطني، و فاز حزب صدقي فى الانتخابات وشكل الوزارة.. وتفجرت المظاهرات فى الشوارع احتجاجاً على إلغاء دستور 1923 تصدي لها البوليس السياسي بقسوة احتجاجا على الاعتداء على الدستور وامتهان الحياة النيابية. ظل دستور 1923م هو الدستور السائد فى البلاد حتي قامت ثورة يوليو 1952 التى أقرت مبدأ " إقامة حياة ديمقراطية سليمة "، فقامت السلطة الجديدة بإلغاء الدستور السابق وإعلان الجمهورية وحل الأحزاب. ثم إصدار دستور جديد عام 1956، تم بمقتضاه تشكيل برلمان من غرفة واحدة هي مجلس الأمة يتكون من 350 عضواً. وذلك خلافا لما كان معمولا به فى دستور 1923 إذ تم الأخذ بنظام الغرفتين أو المجلسين، حيث كان البرلمان يتكون من مجلس للنواب وآخر للشيوخ. وبعد قيام الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958، تم إلغاء دستور 1956 وصدر دستور مؤقت للجمهورية العربية المتحدة فى مارس 1958، شكل على أساسه مجلس أمة مشترك من المعينين ( 400 عضو من مصر 200 عضو من سوريا). وفى مارس 1964 صدر دستور مؤقت آخر بعد الانفصال عن سوريا، تم على أساسه إنشاء مجلس الأمة من 350 عضواً منتخباً، نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين، انعكاسا لصدور قوانين يوليو 1961 الاشتراكية، إضافة إلى عشرة نواب يعينهم رئيس الجمهورية. وفى 11 من سبتمبر 1971 صدر الدستور الدائم حتى اندلاع ثورة يناير 2011، والذي تضمن العديد من المواد الداعمة للتطور الديمقراطي من الناحية النظرية، مثل سيادة القانون واستقلال القضاء. وفى منتصف السبعينيات عادت التعددية الحزبية بصورة تدريجية، أولاً على شكل "منابر" داخل تنظيم "الاتحاد الاشتراكي"، خرج من رحمها عدة أحزاب، لتعود الحياة الحزبية لأول مرة منذ إلغاء الأحزاب السياسية عقب ثورة يوليو، مع صدور قانون الأحزاب السياسية فى عام 1977م.. وفى إطار دستور 1971 أصبح البرلمان المصري يحمل اسم "مجلس الشعب".وتحدد عدد أعضائه بثلاثمائة وخمسين عضوا نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين.. وبعد قيام ثورة 30 يونية وسقوط حكم جماعة الإخوان الإرهابية، صدر دستور 2014 وعدل اسم البرلمان إلى مجلس النواب ويتولى اختصاصات مختلفة ورد النص عليها فى الباب الخامس من الدستور، وفقاً للمادة 101يتولى مجلس النواب سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك كله على النحو المبين فى الدستور.. يتألف مجلس النواب من أربعمائة وخمسين عضواً على الأقل ينتخبون عن طريق الاقتراع العام السري المباشر على أن يتم الاقتراع تحت إشراف أعضاء من هيئة قضائية. بالإضافة إلى عدد من الأعضاء يعينهم رئيس الجمهورية لا يزيد على 5%. تقسم الجمهورية لعدد 4 دوائر للانتخاب بنظام القائمة المغلقة المطلقة و 205 دوائر انتخابية للانتخاب بالنظام الفردي.[2]، وبهذا يصبح عدد مقاعد المجلس المخصصة للنظام الفردي 448 مقعداً و 120 مقعداً للقوائم بالإضافة إلى 28 مقعدًا على الأكثر يعينهم رئيس الجمهورية.