رغم أن بعض المؤرخين للحياة البرلمانية المصرية يعتبرون أن مصر لم تعرف المجالس البرلمانية إلا فى عام 1866 عندما أصدر الخديو إسماعيل أوامره إلى سعادة إسماعيل باشا راغب بتأسيس أول مجلس شورى النواب وتعيينه له.. لكننى أعتبر أن المجالس النيابية التى أنشأها محمد على وابنه إبراهيم باشا إنما هى مقدمات حقيقية للحياة البرلمانية بمنطق ذلك العصر. فبعد أن تولى محمد على حكم مصر عام 1805 بناء على مبايعة شعبية عرفت مصر النظام البرلمانى فى عام 1824 بإنشاء المجلس العالى وتكون من 24 عضوًا ثم أصبح 48 عضوًا.. وصدرت له لائحة أساسية وحُددت اختصاصاته بمناقشة ما يراه ويقترحه محمد على فيما يتعلق بالشئون الداخلية المصرية.. ثم توالى إنشاء مجالس المشورة برئاسة إبراهيم باشا ثم المجلس الخصوصى لإصدار القوانين والمجلس العمومى لبحث ما تحيله إليه الحكومة من الشئون العامة.وعندما تولى الخديو إسماعيل حكم مصر تأسس مجلس شورى النواب وعين إسماعيل باشا راغب رئيسًا له.. وكانت هذه هى البداية الحقيقية لأول برلمان مصرى له لائحة أساسية ولائحة نظامية ويتكون من 75 شخصًا ويكون انتخاب الأعضاء من الأقاليم حسب تعداد السكان فى المديريات.. فالقاهرة يمثلها 3 أعضاء والإسكندرية عضوان.. ولا يقل عمر المرشح عن 25 سنة ويكون موصوفًا بالرشد والكمال ولا يكون من موظفى الحكومة ولا العسكريين. وكانت وظيفة هذا المجلس هى التداول فى الشئون الداخلية ورفع النصائح للخديو ومدته 3 سنوات وينعقد لمدة شهرين كل سنة. وقد عقد هذا المجلس من 1866 حتى يوليو 1879 تسع دورات انعقاد.. وكان أهمهما الدورة الأخيرة حيث تصدى المجلس لسياسات الخديو إسماعيل بعد خضوعه لضغوط الدول الأوروبية وقبوله تعيين ناظرين أجنبيين (إنجليزى وفرنسى) وبدأ المجلس فى مناقشة السياسية المالية للدولة وتم استدعاء ناظر المالية ويلسون فامتنع عن الحضور وتمسك الأعضاء باقتراحاتهم التى قدموها للخديو ومناقشة الميزانية.. ولكنه رفض وأصدر قرارًا بفض دورة مجلس شورى النواب. وزادت روح المعارضة للخديو من خلال هذا المجلس.. وتأججت الحركة الوطنية.. وبدأت الصحف فى ذلك الوقت تطالب بأن تكون الوزارة مسئولة أمام هذا المجلس النيابى بعد إنشاء أول مجلس وزراء لمصر عام 1878.. وتمت إعادة تشكيل البرلمان ومنحه صلاحيات أوسع.. ووصل عدد النواب 120 نائبًا عن مصر والسودان والتوسع فى دور الرقابة المالية. ولكن عندما تولى الخديو توفيق لم يوافق على هذه اللائحة وأصدر أمرًا بفض المجلس وتعطيل الحياة النيابية كلها.. ولكن المجلس تحداه وظل يعقد جلساته حتى يوليو 1879 وفى 9 سبتمبر خرج الزعيم أحمد عرابى فى ثورة شعبية مصرية إلى مقر الحكم فى عابدين وطالب توفيق بعودة الحياة النيابية وإسقاط وزارة رياض باشا.. ونجحت الثورة.. وافتتح الخديو مجلس شورى النواب بعد انتخابه فى 26 سبتمبر 1881 وأصبحت الوزارة مسئولة أمامه وله حق التشريع والرقابة ومدته 5 سنوات. ولم يستمر ذلك طويلًا بسبب الاحتلال الإنجليزى وتعطلت الحياة النيابية كلها حتى إعلان الاستقلال فى 1922 وإنهاء الحماية البريطانية على مصر. أول دستور مصرى ودخلت مصر مرحلة جديدة من الحياة البرلمانية بعد صدور دستور 1923 وكان أول دستور حقيقى وضعته لجنة مكونة من 30 عضوًا من أصحاب الرأى والمشورة والسياسة وقاطعها حزب الوفد فى عهد الملك فؤاد. وتعتبر نصوصه من أفضل النصوص فى العالم بمقاييس هذا العصر حيث أقر النظام البرلمانى والفصل بين السلطات وأن السلطة التشريعية يتولاها الملك بالاشتراك مع مجلسى الشيوخ والنواب وأن الوزراء مسئولون أمام البرلمان. وعقد أول مجلس للنواب بأغلبية وفدية فى 15 مارس 1924 واستمر دور الانعقاد الأول والثانى حتى 24 نوفمبر 1924 برئاسة أحمد مظلوم باشا. وكان عدد الأعضاء 250 عضوًا.. وعقد مجلس الشيوخ خمسة أدوار حتى تم حله لأول مرة فى يوليو 1928. أما مجلس النواب فتم الالتفاف على موعد انعقاده فى 25 نوفمبر 1924.. وقام الملك فؤاد وزيور باشا رئيس الوزراء وبعض الأحزاب بالتصدى لحكومة الوفد وتقويض الحياة البرلمانية وتم حل هذا المجلس فى ديسمبر 1924 واستمرت الحياة البرلمانية فى اضطراب.. حتى إلغاء دستور 1923 وصدور دستور 1930 بحجة أنه يتمشى مع التطورات السياسية والاقتصادية.. ولكن مع الضغط الشعبى تمت العودة إلى دستور 1923. وفى يوليو 1913 تم إلغاء مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية وتم إنشاء الجمعية التشريعية حتى قيام الحرب العالمية الأولى وإلغاء هذه الجمعية. عمومًا فقد شهدت مصر خلال الفترة من 1923 وحتى 1952 حياة سياسية مضطربة.. وشهدت مصر 10 هيئات برلمانية ولم يكمل مجلس النواب مدته الدستورية إلا فى هيئة برلمانية واحدة وهى الهيئة التاسعة.. وقد أسرف الملكان فؤاد وفاروق فى استخدام حقهما فى حل مجلسى النواب والشيوخ.. ولكن للأسف الشديد أننا نلاحظ أن مجلس النواب لم يستخدم حقه الدستورى فى سحب الثقة من مجلس الوزراء أو الوزراء ولو لمرة واحدة.. وخلال هذه الفترة تم تشكيل 41 وزارة. وساد الحياة السياسية فى تلك الفترة التناحر الحزبى والفساد من داخل الأحزاب وتعاون بعضها مع القصر طمعًا فى الكراسى والمناصب الوزارية.