التراحم بين الناس فضيلة من أعظم الفضائل الانسانية. وأجلها قدراً. وأبقاها أثراً. وأوفرها عند الله جزاء وشكراً. بها يسعد المجتمع الانساني. ويسوده الامن والاطمئنان. ويعمه الرخاء والسلام. والرحمة صفة من صفات الله تعالي. قسمها مائة قسم. وأودع منها قسماً واحداً في الدنيا. به يتراحم الخلق حتي تحنو به الدابة علي ولدها. وادخر تسعا وتسعين في الآخرة. ويدل علي عظيم رحمته سبحانه بخلقه قوله عز وجل: قال تعالي: "ورحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون" " سورة: الأعراف- الآية: 156". وليتدبر أولئك المفرطون في طاعة الله. المستهينون بمعصيته. قول الله في هذه الآية: "فسأكتبها للذين يتقون".وهم المؤمنون الذين يخافون الله. فيمتثلون ما أمر ويجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم. يستغفرون ويتوبون إلي ربهم. ويثوبون إلي رشدهم. أولئك الجديرون برحمة الله. وما أقل حياء من عبد يطمع في رحمة الله بغير عمل. وكيف يجود الله برحمته علي من بخل عليه بطاعته. لقد وصف الله نفسه في كثير من الآيات بالرحمة والمغفرة والرأفة. حتي لايقنط الناس من رحمته. كما وصف نفسه بأنه شديد العقاب. ليحضهم علي طاعته. قال تعالي: "إن الله بالناس لرءوف رحيم" "سورة: البقرة- الآية: 143" وقال سبحانه: "اعلموا ان الله شديد العقاب وان الله غفور رحيم""سورة: المائدة- الاية: 98" وقال عز من قائل: "إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم" "سورة: الأنعام- الاية: 165". وقد مدح الله رسوله الكريم بالرأفة والرحمة. فقال عز وجل: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم" "سورة: التوبة- الاية: 128". ولعظم رحمته صلي الله عليه وسلم. وشدة رأفته. أمره سبحانه. بعد أن مكن له من القوة. بالشدة علي الكفار والمنافقين. فقال: "يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير" "سورة: التوبة- الاية: 73". لذلك كان الصحابة- رضوان الله عليهم- علي هذا المنهج القويم الذي رسمه القرآن الكريم. قال تعالي: "محمد رسول الله والذين معه أشداء علي الكفار رحماء بينهم" "سورة: الفتح- الاية: 29" فجدير بكل مسلم أن يتحلي بخلق الرحمة. ويتخذه منهاجاً يحقق به الخير لنفسه ولأمته. وللمجتمع الانساني كله. فإن القسوة غلظة تأباها القلوب المؤمنة. وإذا فقد التراحم بين الناس. فقد المرء التعاطف. والمودة والمعروف والاحسان. وانطمست معالم الانسان الفاضلة. وشاعت البغضاء. وفشت الجرائم. وكثرت المغارم. وحل بالناس الشقاء والخسران. وقد ذم الله بني إسرائيل بأنه لعنهم. وجعل قلوبهم قاسية. بسبب ما تعودوه من نقض العهود والمواثيق.