يحرص الإسلام علي أهمية التناسق والتوازن بين التقوي والعمل بما يحقق نهضة الأمة الإسلامية فردا ومجتمعا, كما يؤكد أن الركيزة الأساسية هي الإيمان والتقوي في حياة المسلم, فالتقوي من أهم الصفات التي حث الإسلام علي تحلي المسلمين بها, لما لها من أثر عظيم علي حياة المسلم في الدنياوالآخرة, فهي المقصد الأعظم والهدف الأسمي من كل التشريعات والأعمال. والتقوي في الإسلام هي مناطق جميع الأعمال الصالحة, وحين نتدبر في النصوص القرآنية والنبوية نجد النص القرآني يؤكد تلك الحقيقة, ونجد أن الله جعل الدين والتقوي والخلق الحسن مناط التشريف والتقديم في الدنيا والآخرة, فالتقوي حالة قلبية ومنزلة إيمانية رفيعة ومرتقي عال لا يناله المسلم إلا بالمجاهدة والمصابرة. ولكن ما التقوي؟ التقوي هي فعل الخيرات. التقوي هي اجتناب الشرور. التقوي هي تحقق محبة الله ورسوله في قلب المؤمن. التقوي هي حصول الرضا والسكينة. التقوي أن نعمل بطاعة الله علي نور من الله ترجو ثواب الله, وأن تترك معصية الله علي نور من الله تخاف عقاب الله. وبهذا المعني الشامل للتقوي نجد جميع الآيات التي تنص علي عمل ما من الأعمال الصالحة يكون الهدف منها تحقيق التقوي في نفس المسلم, حيث بين الله تعالي أن القصد من كل ما شرعه سواء في العقيدة أو الشريعة أن تصبح التقوي صفة لازمة للمسلم, ففي ستة مواضع من القرآن يعقب الله تعالي علي التشريع بقوله:( لعلكم تتقون) وفي ستة مواضع أخري بلفظ:( لعلهم يتقون), ولذلك جاء الأمر بالتقوي لجميع الرسل الذين أرسلهم الله تعالي, فقال:( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله)( النساء:1 10). وإذا ما تدبرنا الآيات المحكمات في كتاب الله تعالي, نجد أن التقوي هي هدف وغاية أحكام الإسلام, ففي العبادة عموما يقول الله تعالي:( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون)[ البقرة:21] وبشيء من التفصيل يقول سبحانه عن فريضة الصيام:( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون)[ البقرة:183], وفي شعيرة الحج يقول جل وعلا:( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوي واتقون يا أولي الألباب)[ البقرة:197] وفي المعاملات بين الله تعالي حكمته في الأمر بالقصاص فقال:( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون)[ البقرة:179], ولماذا أمر عباده باتباع الصراط المستقيم والبعد عن الطرق الأخري قال عز وجل:( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون)[ الأنعام:153], وجاء الأمر النبوي بعموم التقوي في الزمان والمكان والحال فقال:( اتق الله حيثما كنت, وأتبع السيئة الحسنة تمحها, وخالق الناس بخلق حسن)[ أخرجه الترمذي355/4] فإذا تحقق المرء بالتقوي في شئونه كلها نال ثمرتها العظيمة التي تضمن له السعادة في الدنيا والنجاة والفوز في الآخرة, ومن هذه الثمرات المباركة: 1 حصول محبة الله تعالي, قال تعالي( إن الله يحب المتقين)( التوبة:4) 2 نزول رحمة الله تعالي في الدنيا والآخرة, قال تعالي:( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون)[الأعراف:156], وقال:( وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون)[الأنعام:155] 3 الدخول في معية الله ونصره, قال سبحانه:( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون), النحل:128), وقال:( واعلموا أن الله مع المتقين)[ التوبة:36]. 4 حصول الأمن من الخوف والحزن, قال تعالي:( فمن اتقي وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)[الأعراف:35], وقال:( وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون)[الزمر:61] 5 حصول نور وبصيرة في القلب يميز بها الإنسان بين الخير والشر والحق والباطل, قال سبحانه:( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا),الأنفال:29], وقال:( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم)[الحديد:28] 6 حصول السعة والبركة في الرزق, قال تعالي:( ولو أن أهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض)[ الأعراف:96], وقال:( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)[ الطلاق:3] 7 تفريج الهموم والكروب, قال عز وجل:( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا)[ الطلاق:4] 8 رد كيد الأعداء والنجاة من شرهم, قال تعالي:( وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط)[ آل عمران:120] 9 حسن العاقبة والخاتمة في الدنيا والآخرة, قال تعالي:( والعاقبة للمتقين)[ الأعراف:128], وقال:( مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبي الذين اتقوا وعقبي الكافرين النار)[ الرعد:35] 10 التقوي سبب في قبول العمل, قال تعالي:( إنما يتقبل الله من المتقين)[ المائدة:27] وقال:( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوي منكم)[ الحج:37] والحاصل أن التقوي محلها القلب, وهي شعور يضع صاحبه في حالة حرص ومراقبة علي سلوكياته حتي يأتي بها موافقة لما أمر الله, بعيدة كل البعد عما نهي الله عنه, وفي حالة حب يأنس فيها العبد بربه وينعم برضوانه.