مصطلحات كثيرة اصبحنا نرددها كل يوم بدون وعي.. ولا نعرف علي وجه اليقين حقيقة ما يراد منها.. قد نرددها تحت اغراء طلاوة أو غرابة التعبير أو اللفظ وقد نرددها لانها اقرب إلي المكيدة السياسية أو الاسرع في استثارة الخصم أو الطرف المناوئ أو المعارض.. وقد نرددها من باب الجري وراء المصطلحات المصكوكة بعناية بغرض الخداع الاستراتيجي أو التضليل الاعلامي أو البلبلة الفكرية.. أو لكل هذه الاسباب مجتمعة. من اخر الافتكاسات أو تجليات الحالة السياسية الراهنة.. مصطلح أو تعبير.. رفض انشاء "...." اي شئ و ليس فقط الاحزاب أو غيرها من كيانات سياسية أو اقتصادية.. علي اساس ديني.. وقد صك هذه المصطلحات علي ما يبدو خبراء وجهابذة في الفتنة السياسية والاجتماعية.. وليس ادل علي ذلك من ان تلك المصطلحات تثير الكثير من الاشكاليات والفتن بأكثر مما تطرح من حلول وما يمكن ان يتصوره المرء من استشراف لآفاق المستقبل القريب والبعيد علي السواء. والغريب اننا نردد تلك المصطلحات في احاديثنا وفي وسائل الاعلام دون ان يبذل احد أدني جهد للتعرف علي حقيقة المصطلح وماذا يعني وما يراد منه.. وهل موافق للحالة الراهنة ويعبر عنها.. ام يلقي بظلال آثمة واثيمة علي الفكر العام ويفتح الابواب واسعة للفتنة ام لا..؟!! لم يقل احد ما هو الاساس الديني المحظور؟ وما المقصود اصلا بالاساس الديني..؟ هل المقصود اللاديني.. اي اتجاه فكري غربي أو شرقي.. أو امريكي أو لاتيني وما شابه.. .هل المقصود جماعات الاسلام السياسي المعروفة الآن تحديدا مثل "الاخوان المسلمين".. السلفيين.. الجهاد.. الشيعة.. الانصار وغيرها من اسماء ترفع الراية واللافتة الاسلامية.. والله اعلم بمرادهم من ذلك.. هل الايمان واليقين.. هل الرغبة في الخداع والتضليل والمتاجرة بالعواطف الدينية واثارة الجماهير بالضرب علي اوتار العاطفة الدينية بالحق حينا وبالباطل احيانا ؟ علي سبيل المثال.. الجميع مولع بترديد عبارة.. لا لقيام الاحزاب علي اساس ديني.. وحل الاحزاب ذات المرجعية الاسلامية.. دون ان يوضح احد ما المقصود بالاساس الديني المرفوض.. ودون ان يشرح اي اساس لتلك الاحزاب المرغوب فيها والمطلوب تدعيمها.. هل هي احزاب بلا اساس مطلقا تعمل في الفراغ والفضاء الافتراضي بعيدا عن الدين وقيمه واخلاقه و ضوابطه.. ولا مانع من التعليل بالرغبة في حماية الدين من ألاعيب السياسة وفسادها وعدم السماح بتلويث الدين المقدس بملوثات السياسة. وفي المقابل وماذا عن الاساسات الاخري.. للاتجاهات الفكرية والسياسية الاخري.. اليساريين والشيوعيين مثلا.. والليبراليين والعلمانيين وقافلة اللادينيين التي تطل برأسها بقوة علي الساحة في الفترة الاخيرة. واضح ان لدينا علي الساحة مشكلة أساسية مع الاساس الديني.. ولا نريد ان نضحك علي انفسنا ونبالغ في خداع الذات والاخرين ايضا.. فليس لدينا شجاعة الاعتراف بأننا نريد ان ننحي الدين جانبا.. نريد ان نبعد اي سلطان له.. ولا نجعل للدين اي حاكمية علي امور دنيانا.. هناك رغبة في الانطلاق والتحلل والاندفاع نحو نماذج الاخرين دون ادراك لخصوصيتنا وطبيعة شعوبنا و منطلقاتنا. لابد ان نعترف بأن الفكر الخاص بنا كمسلمين او اتباع دين اسلامي كان ضائعا مضيعا ذائبا في افكار وتوجهات الاخرين الفكرية و العلمية والسياسية والاقتصادية وغيرها.. وظل الدين حائرا بعيدا مبعدا.. قسرا واختيارا في احايين ليست بالقليلة. كان الدين في منطقة الوجع الرئيسية عند اللاعبين.. من باب الخوف من الاخر الذي يغضبه ان تشتد الشوكة والحمية الدينية والذي يدرك القوة الحقيقية للدين في تحريك الشعوب وحتي السيطرة عليها.. وبالتالي كان الموقف من الدين وعلي حساب الدين يأتي نفاقا لتلك القوي أو مجاملة لها في كثير من المواقف والقضايا.. وهو الامر الذي بدا جليا في العقود الاخيرة تحت بنود ما يسمي محاربة الارهاب علي الساحة العالمية. وكان منطقة اشد وجعا وحساسية عند المتحكمين في اصول اللعبة ايضا.. وهؤلاء كانوا أشد ذكاء وأكثر مكرا ودهاء في اللعب علي هذا الصعيد.. وتعاملوا مع الدين بقدر حساسيته.. وفق منهجية منظمة وسياسة النفس الطويل.. فقد نجح ساسة الغرب في ان يجعلوا المثقفين في العالم الاسلامي يكفرون علي اقساط أو بالتقسيط وفق التعبير التجاري فهم يخلعون المسلمين من دينهم جيلا بعد جيل او جزءا بعد جزء وهم يرون ان الزمن معهم ليبلغوا الغاية التي يريدون والنهاية التي يريدون هي سحق الاسلام بالتدريج ان عز سحقه دفعة واحدة. اخشي ان يكون هناك استغلال لحالة القرف والرفض للمهازل السياسية التي تمارسها بعض القوي والتيارات الاسلامية علي الساحة.. وان يتم توظيف الفشل والعجز السياسي للتيارات المختلفة للاعتداء علي الدين نفسه.. المقلق في الامر ان حالة التطاول علي الدين مستمرة.. والتشفي والانتقام من المتدينين علي اشدها بلا تفرقة بين التدين الحقيقي والتدين المزيف او المخادع.. الذي يرتدي اثوابا سياسية وغيرها.. ويلاحظ ان هناك افتعالا لقضايا ومشكلات لتوجيه السهام الي الفكر الاسلامي نفسه ليل نهار لا لهدف وانما للتشويه فقط ويتم خلط الاوراق بمكر وخبث شديدين. والغريب انك ان سألت اي واحد من هؤلاء الشتامين والشامتين سيخبرك علي الفور انه يعرف ان هناك فرقا كبيرا وجوهريا بين هؤلاء والاسلام الحقيقي.. ومع ذلك يواصل معركة الاستنزاف الفكري والسياسي بلا هوادة.. والمسألة ببساطة عندما نتفرس في شئون قومنا الان كما قال الداعية الكبير الشيخ محمد الغزالي رحمه الله سنجد نوعين من الاسلام أو بتعبير ادق نوعين من ادعاء الاسلام.. كلاهما بعيد الصلة او ضعيفها بكتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه و سلم. هناك اسلام مشوه محرف مأخوذ من اعمال المسلمين وسياستهم المعتلة.. ابان ذهاب دولتهم وانهيار حضارتهم وشيوع الخرافة والهوي في ادمغتهم وأفئدتهم.. وهذا النوع من الاسلام مرفوض .. * وهناك اسلام مدع مفتعل يجري علي بعض المعاصرين المفتونين بحضارة الغرب الرأسمالي أو الشرق الشيوعي.. وهذا اسلام لا يعدو ان يكون استجلاب عنوان ديني لجملة حقائق مدنية وافكار بشرية خطؤها اكثر من صوابها.. واكثر الساسة يتبني هذا الاسلام المفتعل ويرتضيه... وهذا اسلام مرفوض ايضا. أوضح ان لدينا مشكلة كبيرة مع الاساس الديني ومطلوب تصالح عاجل وتعامل بشفافية عالية بعيدا عن فوبيا الدين و الاسلاميين التي اوردتنا جميعا المهالك في الداخل قبل الخارج علي السواء. هذه المشكلة هي التي جعلت البعض يكاد يقع في المحظور بعد ان وصل إلي حافة الهاوية وهو يصب جام غضبه علي الاسلاميين والاسلام السياسي بالحق و بالباطل.. واخذته العزة بالاثم في ان يتجرأ ويطرح علي الهواء مباشرة اسئلة مشككة في دينه وعقيدته ارضاء لليبرالية مزعومة أو استجابة لحرية منكرة أو خضوعا لنزوة فكرية طارئة او لرغبة في الانتقام عارمة. وهذا العمي الديني والخبل الفكري الذي تقوده الكراهية هو الذي شجع وزين لاخرين بكل جرأة.. طلب تشريع واضح وصريح في الدستور يسمح للالحاد ان ينمو وينتعش ويعمل بكل حرية.. حرية لا دينية للادينيين.. بعيدا عن اي اساس ديني ولا ديني !!! ** يقول الله تعالي: "إن الذين فرَّقوا دينهم وكانوا شِيعاً لستَ منهم في شئ إنما أَمرهم إلي الله ثم يُنبئهم بما كانوا يعملون" 159 الأنعام. ** قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "يأتي علي الناس زمان القابض فيه علي دينه كالقابض علي الجمر" رواه الترمذي .. روي أبو هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة. أخرجه البخاري وغيره. ** يقول امام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالي: "أتمني أن يصل الدين إلي أهل السياسة. ولا يصل أهل الدين إلي السياسة. فإن كنتم أهل دين. فلا جدارة لكم بالسياسة. وإن كنتم أهل سياسة فمن حقي ألا اختاركم ولا جناح علي ديني".