* يسأل جابر عبدالرحيم من سوهاج: من العادات المنتشرة في مصر.. عادة الأخذ بالثأر يتوارثها الأجيال. وتنفرد بها بعض الأسر بعيداً عن أعين المسئولين. فما حكم الشرع في ذلك؟ ** يجيب الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوي بالأزهر الأسبق: جاء الإسلام فوضع العلاج الحاسم لهذا الداء الخطير. حيث حرم القتل بدون سبب مشروع كما حرمته الأديان الأخري فقال سبحانه: "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذاباً عظيماً" سورة النساء: 93 ووضع عقوبة لقتل حتي لو كان خطأ مع أن الخطأ مبرر لرفع المساءلة وجاء ذلك في آية بدها بعبارة توحي بأنه لا يتصور أن المؤمن يقتل أحداً. فقال: "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلي أهله إلا أني صدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلي أهله وتحرير رقبة مؤمنة" سورة النساء: .92 أقر مبدأ القصاص من القاتل عند تعمد القتل الذي يدل علي الاستهانة باقليم وعدم احترام حقوق الجماعة. قال تعالي: "يا أيها الذين امنوا كتب عليكم القصاص في القتلي الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثي بالأنثي" سورة البقرة: 178 وبيَّن حكمة ذلك بقوله: "لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون" سورة البقرة: .179 غير أن الإسلام وهو الدين الوسط جمع إلي مبدأ العدل مبدأ الرحمة بديلاً للقصاص وهو الدية كما قال تعالي بعد قوله: "والأنثي بالأنثي" في الآية السابقة: "فمن عُفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة" سورة البقرة: 178 ورغب في العفو عنه في آيات كثيرة. ووعد العافين أجراً عظيماً. قال تعالي: "وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره علي الله" سورة الشوري: .40 وهو حين يقرر مبدأ القصاص من القاتل وضع ضمانات تحول دون استفحال خطره وانتشار ضرره. فنهي عن الإسراف فيه بقوله: "ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً" سورة النساء 33 ومن مظاهر هذا الإسراف قتل غير القاتل الذي ثبتت إدانته. فحرم أن يؤخذ غيره بجريرته تطبيقاً للمبدأ العام الذي جاء في قوله تعالي: "ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخري" سورة الأنعام: 164. كما حرم أن يقتل أكثر من القاتل. فذلك يؤدي إلي استمرار العداء وتجدد الحروب وتفاقم الضرر. روي أن النبي صلي الله عليه وسلم لما رأي عمه حمزة مقتولاً مُمثَّلاً به في غزوة أُحد حلف ليمثلن بسبعين من الكفار لشدة وقع الألم علي نفسه. فنزل قوله تعالي: "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين" سورة النحل: 126 فاختار الصبر وكفَّر عن يمينه. ومن الإسراف في القصاص كما يراه كثير من أئمة الفقه استيفاء ولي الدم حقه من القاتل دون الرجوع إلي أولي الأمر السلطة الحاكمة فلا يجوز أن يقوم به ولي القتيل ابتداء. بل لابد من تدخل السلطة. ذلك أن للجماعة حقاً في هذه الجريمة. والحاكم هو ممثل الجماعة الذي يستوفي لها حقها. وتدير الجناية وتحقيق أركانها أمر يحتاج دقة وضبطاً وفحصا ولا يستطيع أن يقوم به ولي الدم وحده يقول القرطبي في تفسيره "ج2 ص245" لا خلاف في أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر. فرض عليهم النهوض بالقصاص ورقامة الحدود وغير ذلك. لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص. لم لا يتهيأ للمؤمنين جميعاً أن يجتمعوا علي القصاص. فقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود. أ.ه. وقد سبق توضيح ذلك في بعض الإجابات. هذا هو موق فالإسلام من القصاص من القاتل. أو الأخذ بالثأر. وهو لا يرضي أن يترك الناس تعاليمه ويعودوا إلي جاهليتهم الأولي. الإسلام لا يرضي أن يخفي أولياء الدم أمر الجريمة عن المسئولين ليقتصوا بأنفسهم كما يشاءون. الإسلام لا يرضي أن يوخذ البريء بذنب المسيء وأن تسيل الدماء بغير حق. الإسلام لا يرضي أن تعيش الأسر علي أعصابها وتتعطل مصالحها وتكثر الفتن بينها. الإسلام لا يرضي ألا يتقبل العزاء في القتيل حتي يثأر له. ولا أن تكون غاية المتعلم أن يتقن حمل السلاح ليثأر لشرف الأسرة. الإسلام لا يرضي عن هذا التقليد الجاهلي الممقوت الذي يعطل القوي ويصرف عن العمل الجاد. ويؤدي إلي الفساد والافساد. إن السبب في ذلك هو الجهل الذي لا يمحوه إلا العلم. والتعطل الذي لا يقضي عليه إلا العمل. والاستهانة بالقيم والقوانين التي لا يصلحها إلا التأديب الرادع. والتستر علي المجرمين الذي لا يمنعه إلا إحكام الرقابة وتعاون الجهود. فلنقف عند حدود الله. حقناً للدماء وتمكيناً للأمن. الذي هو من أكبر نعم الله علي عباده. ففي ظله يحس الإنسان طعم الحياة. وينصرف إلي تكميل نفسه وتقوية مجتمعه. ويترك وراءه جيلاً طيباً يتحمل الأمانة بصدق. ويكون ذكري طيبة تنسي علي مر العصور. قال تعالي: "وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب" سورة المائدة: 2 وقال تعالي: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" سورة الأنفال: .25